في محاضرته الرمضانية الثالثة لعام 1443هـ، واصل السيد القائد الحديث حول عنوان «التقوى» متطرقا إلى موضوع حب الشهوات التي هي غرائز إنسانية، وخاصة عندما يكون التركيز عليها من قبل الناس كبيراً ويؤثرونها في حياتهم، ما يؤدي إلى الانحراف وانتهاك حرمات الله، وما أكثر ما يدفعهم ذلك لارتكاب الآثام والمعاصي، وفي نهاية المطاف لا يصلون إلى نتيجة منها، لأنها منافع مؤقته، وتشوبها الكثير من المنغصات، والإنسان يستطيع أن يجعل من حياته الأسرية حياة سامية في إطار ومعيار التقوى، وبأهداف عليا وسامية، أما أصحاب الحسابات المادية فلا يصلون إلى غايتهم، ومن الخطأ والخسران والحماقة أن يتجه الإنسان باتجاه الاهتمام والتركيز بطمع مفرط نحو حب الشهوات، ولاحظنا كيف وصل طمع البعض في تقديم إحداثيات للعدو نتج عنها جرائم ومجازر كبيرة، مقابل بعض المكاسب المادية، لهذا إن منشأ أغلب المفاسد والجرائم هو التوجه والطمع المادي في الحياة الدنيا، التربية الإيمانية تجعل الإنسان يعمل بتوازن، ويحسب حسابات أهم من الاهتمام بالجانب المادي..
عندما نستجيب لله تعالى نحن لا نخسر ما عنده من حسن المآب في الدار الآخرة، وهذا ما يجب أن نتطلع إليه، في إطار التقوى، لأن الله يعرض علينا ما هو ابقى وأدوم وما هو أرقى وأسمى، وطالما هذا العرض موجود من الله وهو خير من كل ما في هذه الدنيا من ثروات، فإن الأجدر بالإنسان هو تلقي هذا العرض في إطار التقوى، والطريق للوصول لهذا الخير العظيم الذي يعرضه علينا ربنا هو طريق التقوى، وهو شيء عظيم ، ملك وتمليك جنات فيها الخلد الدائم، حياة مستقرة ودائمة وهنيئة ، وليس إمكانيات مادية لمدة محدودة ومؤقتة كما حال هذه الدنيا، لهذا فاللذين اتقوا تكريم إلهي مع النعيم المادي، فهناك نعيم معنوي ، في الدار الآخرة، كل أصناف النعيم على أرقى وأسمى مستوى، وبتكريم إلهي دائم، تعزيز وتكريم وتقدير، ورضوان الله عنهم يرعاهم رعاية عجيبة واهتمام غير عادي، والله بصير بالعباد الذين اتقوا، وهو سبحانه يعلم ما يفرحهم ويسعدهم، فيكرمهم بذلك، إن العرض المغري من الله لحياة أبدية في الآخرة هو العرض الصادق، ومقابل هذا العرض هو التقوى فقط، البعض عاجز عن شراء حتى نعجة في الحياة الدنيا، فما بالك بما يعوضه ويعرضه الله..
إن التقوى في متناول يد كل واحد منا، ومن صفات ومواصفات المتقين طلب المغفرة، لأنهم استشعروا حق نعيم الله عليهم، مؤمنين بالجزاء في الآخرة، وأدركوا الخطورة في الإهمال والتقصير تجاه ما أمرهم الله به، يدركون المسؤولية فيما عليهم من التزامات عملية تجاه الله، يخافون من تقصيرهم، ليسوا متهاونين ولا مقصرين، ويعرفون أن ما يوصل إلى نار جهنم هي الذنوب التي أهمل الإنسان فيها ما أمر الله به، والتي تنتج عنها النكبات في الدنيا والآخرة، لديهم اهتمام عملي ويحاسبون أنفسهم، وهم صابرون في أداء مسؤولياتهم، المتقي يوطن نفسه على الصبر، مثل صيام شهر رمضان الذي يصبر فيه الإنسان على الالتزام بأوامر الله، وهم الصادقون في إيمانهم وفهمهم لدينهم، مصداقية في الانتماء والمواقف، والصدق من أهم عناوين الإيمان، وفي تحقيق التقوى، وهم القانتون خاضعون لله وبانقياد تام لله ، والمنفقون في سبيل الله، وهم المستغفرون بالأسحار، المبادرون للاستغفار دائما، لا يشعرون بالغرور، وأول وأهم طلب لهم هو طلب المغفرة، هذه صفات ومواصفات في متناول الجميع بشكل مستمر.