اليمنيون يصومون للمرة الأولى “منذ 7 سنوات” في ظل صمت المدافع وتوقف الغارات

 

الثورة / إبراهيم الوادعي
للمرة الأولى منذ ثماني سنوات يصوم اليمنيون رمضان في ظل توقف أصوات المدافع والقصف الذي لم يهدأ يوماً واحداً وخلف مئات الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، بلغ بحسب آخر الإحصائيات لمنظمات مدنية نحو 46 ألفاً و262 قتيلاً وجريحاً مدنياً، بينهم 4017 طفلاً استشهدوا، و4586 ألف طفل جرحى، و2434 امرأة قتلت، و 2910 نساء جريحات.
الهدنة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة ربما تكون الأولى التي يلفها تفاؤل كبير محلياً ودولياً، فالولايات المتحدة الأمريكية والسعودية ينشدان الهدوء لمواجهة تداعيات الحرب في أوكرانيا وما استتبعها من أزمة طاقة دولية، عوضاً عن كونها تشمل وللمرة الأولى منذ 6 سنوات فتح مطار صنعاء وإن كان بشكل محدود، وتخفيف حدة أزمة نفطية تعصف باليمن نتيجة إغلاق التحالف لميناء الحديدة والذي سيفتح هو الآخر بموجب بنود الهدنة أمام 18 سفينة نفطية 8 سفن منها محتجزة قبالة جيزان لمدد تجاوز بعضها 4 أشهر .
يطل رمضان هذا العام واليمنيون يعيشون أزمة اقتصادية خانقة راكم منها تداعيات الحصار لـ 8 سنوات، والحرب الاقتصادية التي جرى تشديدها من قبل التحالف الذي يسيطر على منابع الثروة اليمنية ويجفف ما وصلت إليه يده من موارد الدولة في صنعاء العاجزة عن دفع الرواتب بسبب نقل البنك إلى عدن ونهب الثروات من قبل التحالف .
في رمضان الفائت أعلن الرئيس مهدي المشاط – رئيس المجلس السياسي الأعلى – عن صرف نصف راتب بموجب اتفاق السويد الذي تلكأ التحالف في تنفيذ شقه العسكري والاقتصادي، فرض التحالف منذ ذلك الحين إغلاقا شبه كامل لميناء الحديدة وبالكاد دخلت بضع سفن طوال العام بعد وساطات أممية ودولية مضنية ومقايضة عسكرية .
يتحدث الكثير من الباعة عن ضعف شديد للقوة الشرائية لدى المواطنين مقارنة بالعام الماضي والأعوام الماضية، انقطاع الرواتب منذ ست سنوات والإجراءات العقابية التي يفرضها التحالف على دخول البضائع إلى اليمن من المنافذ التي يسيطر عليها، كل ذلك ارتفع بشكل كبير وجعل الكثير من العائلات اليمنية عاجزة عن تلبية أساسيات الشهر الكريم .
وإلى ما سبق من حرب اقتصادية أتت الأزمة في أوكرانيا لتحمّل اليمنيين عبئا جديدا، حيث ارتفعت الأسعار مرتين في غضون اقل من شهر، ما دفع الحكومة في صنعاء إلى التدخل وإغلاق نحو 16 شركة بالغت في رفع أسعار منتوجاتها أو ما تستورده من سلع أساسية.
انعدام الوقود فرض تحدياً جديداً على الأسر اليمنية انعكس صعوبة في التنقل وارتفاع السلع الرمضانية نتيجة ارتفاع كلف الوقود، وتضطر أزمة المشتقات النفطية الأسر إلى شراء مستلزمات رمضان بشكل يومي وتقليص شراء سلع كانت تعتبر إلى وقت قريب سلعا أساسية كعجينة السنبوسة والزيوت التي ارتفعت أسعارها بشكل جنوني والحلى والسكر التي شهدت هي الأخرى زيادات بلغت 50% قبيل رمضان .
الحكومة في صنعاء اضطرت إلى الضغط على التجار للتراجع إلى مستويات الأسعار في فبراير الماضي قبيل انفجار الأزمة الأوكرانية، وقالت أنها ستعاقب أي شركة ستفرض زيادة سعرية دون الرجوع إليها، أغلقت خلال الأيام الفائتة اكثر من 16 شركة بينها شركات كبيرة، كانت الحكومة إلى وقت قريب تتحاشى الوصول مع‑ مالكيها إلى درجة الصدام، نظراً لظروف الحصار وتعقيدات سياسية واقتصادية متشعبة، ويعكس إقدامها على هذه الخطوة نفاداً للصبر ومحاولة امتصاص احتقان الشارع أمام جشع بعض التجار .
أمام واقع صعب فرضه الحصار والحرب الاقتصادية هذا العام وجّه رئيس المجلس السياسي الأعلى وزارة المالية بصرف نصف راتب لموظفي القطاع العام والمختلط والهيئة العامة للزكاة، بالتدخّل لتخفيف معاناة عشرات الآلاف من الأسر الفقيرة والمعدَمة وتخصيص 20 مليار ريال يمني لمساعدة مليون أسرة فقيرة في المحافظات الحرة، لكن المعاناة تبدو أكبر من حجم التدخّلات الحكومية، خصوصاً في ظلّ تشديد الحصار، وتخلّي الأمم المتحدة والمنظّمات الإنسانية عن واجبها في تقديم المساعدات المنقذة لحياة مئات الآلاف من الأسر، وفشلها في إلزام حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، بصرف رواتب الموظفين في صنعاء، ونفاد مدّخرات الكثير من الأسر، ما ضيّق إلى حدّ كبير قدرتها على مواجهة ارتفاع الأسعار.
المساعدات الأممية شهدت تقليصا كبيرا مع دخول العام الثامن للعدوان على اليمن، حيث قلص برنامج الغذاء العالمي الأعداد المدرجة في كشوفاتها لتلقي المساعدة، كما قلص البرنامج منذ أشهر السلة الغذائية إلى كيس قمح وعلبة زيت فقط، المدة الزمنية من شهر إلى 3 أشهر للمستحقين، بالرغم من إعلانات أممية متكررة أن 8.4 مليون شخص في اليمن لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم المقبلة.
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حث التجار على تخفيف الأسعار بحيث يقلص هامش الربح، نظراً لظروف الحصار، والحكومة على لعب دور الرقيب بشكل كبير، وهو ما يفسر إغلاق أكثر من 16 شركة رفعت أسعارها بشكل مبالغ فيه .
وزير الصناعة والتجارة قال في حديث للمسيرة عن إعادة فتح هذه الشركات: لن يتم مالم تلتزم بالشفافية الكاملة في إظهار الكلف النهائية وتحديد نسبة الأرباح ما دون 20 % بالاتفاق مع وزارة الصناعة، التي أقرت منع الشركات من تسعير سلعها بنفسها والرجوع سلفا إلى الوزارة .
هدنة لشهرين قد تشكل طاقة أمل لليمنيين في المضي نحو سلام دائم ورفع للحصار، شكل الحصار القاتل الصامت والوجع الأكبر لليمنيين على مدى سبع سنوات، حصار استهدف البسطاء وشكل عملا ترفيا بالنسبة إلى دول التحالف المعادي لليمن كما وصفه نائب وزير الخارجية اليمني حسين العزي، الذي دعا العقلاء إلى منع انزلاق الوضع في المنطقة نحو منحى لا يمكن تلافيه، تهديد ومناشدة أتت بعد أن شاهد العالم جدة تغطيها السحب الدخانية ضمن عمليات كسر الحصار التي تطال للمرة الأولى بشكل واسع منشآت حيوية سعودية تحاشت صنعاء قصف العديد منها خلال السبع السنوات الماضية .
بالتمعن في بنود الهدنة فإن ما يمنع التحالف السعودي الأمريكي من رفع الحصار كلياً، تخوفه من إبراز نصر صنعاء الواضح بعد أن انقلبت المعادلات وغدت المدن السعودية والإماراتية تُقصف كما المدن اليمنية .

قد يعجبك ايضا