تقرير/ عبدالرحمن عبدالله
لم تكن مبادرة السلام التي أطلقها الرئيس المشاط هي أولى مبادرات السلام التي تطرحها صنعاء، لكنها الأهم، فقد تضمنت قرارات عملية وفورية تقضي بوقف شامل لإطلاق النار دخل مساء الأحد حيز التنفيذ ويستمر إلى اليوم، قبل ذلك كان الرئيس المشاط قد أطلق مبادرة مماثلة في الذكرى الخامسة لثورة 21 سبتمبر، أعلن فيها وقف إطلاق الصواريخ والمسيرات باتجاه الأراضي السعودية، وقال حينها “نعلن وقف استهداف أراضي المملكة السعودية بالطيران المسير والصواريخ الباليستية والمجنحة وكافة أشكال الاستهداف”، مضيفا: “ننتظر رد التحية بمثلها أو أحسن منها في إعلان مماثل بوقف كل أشكال الاستهداف والقصف الجوي لأراضينا اليمنية ونحتفظ لأنفسنا بحق الرد في حال عدم الاستجابة لهذه المبادرة”.
وأكد حينها “أن استمرار الحرب لن يكون في مصلحة أحد بل قد يفضي إلى تطورات خطيرة لا نريدها أن تحدث مع كوننا على يقين بأن ضررها الأكبر لن يكون علينا وإنما على دول العدوان بالدرجة الأولى وبشكل أساسي ومباشر”.
ليلة الأحد كان الرد السعودي واضحا في البدء على المبادرة بالترويج عن المبادرة بأنها كانت استسلاما، في الوقت الذي كانت فيه الحرائق تشتعل في أرامكو جدة بعد عملية القوات المسلحة “كسر الحصار الثالثة”، ثم ذهب العدوان للتصعيد خلال الساعتين الأولى من إعلان المبادرة بقصف محطات ومنشآت مدنية.
والحال نفسه ردت مملكة العدوان السعودية على مبادرة الرئيس التي أطلقها عشية الذكرى الخامسة لثورة 21 سبتمبر، فقد ردّت مملكة العدوان على المبادرة حينها بعشرات الغارات الجوية مستهدفة العاصمة صنعاء وعددا من المحافظات، ما دعا بالقوات المسلحة إلى تنفيذ ضربات أكثر إيلاما حينها.
اليوم تضع مبادرة الرئيس – التي وصفها قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي – بالفرصة المواتية لتحالف العدوان، وهي الفرصة الأخيرة، فهي جاءت مع بداية تدشين العام الثامن للحرب، وكذلك انطلقت من واقع عسكري وميداني التفوق فيه لصنعاء، فقد تعرضت السعودية لأعنف العمليات، وكان آخرها عملية كسر الحصار الثالثة التي اشتعلت فيها خزانات وقود أرامكو في جدة ومنشآت حيوية أخرى في جيزان وأبها وفي مناطق أخرى.
تعكس المبادرات المتكررة من قبل صنعاء الرغبة الجادة في تحقيق السلام، ففي أبريل 2018م، قدم المجلس السياسي الأعلى الرؤية الوطنية لإنهاء العدوان وفك الحصار، سلمت الرؤية إلى الأمم المتحدة حينها، لكن السعودية لم تكترث ولم تتعامل معها، ولم تقتصر صنعاء في مساعيها على طرح وإطلاق مبادرات سلام بل قدمت رؤى وأفكارا لاتفاقات تفاوضية كان أبرزها اتفاق السويد التي هندسها الوفد الوطني المفاوض نهاية العام 2019م خلال مفاوضات السويد.
فيما لم يطرح تحالف العدوان أي مبادرات حقيقية تؤدي إلى السلام على خلاف الادعاءات المتكررة التي يروجها، وكلما طرحته السعودية كان للاستهلاك الإعلامي، وكان أكثرها انكشافا المشاورات التي دعت لها السعودية والتي يصادف إقامتها اليوم في الرياض بين مرتزقة السعودية أنفسهم، مدعية أنها دعت إليها لأجل السلام.
وفيما كانت ترتفع وتائر التصريحات الإعلامية لتحالف العدوان المتمحورة حول السلام على حمى المعارك في مارب، كانت صنعاء تطلق مبادرتها وأهمها مبادرة النقاط التسع التي طرحها قائد الثورة المباركة على الوفد العماني الذي زار صنعاء وقتها، وفي العيد السادس لثورة 21 سبتمبر”، دعا الأخ رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط، دول العدوان إلى الاستجابة لـ”دعوات السلام والمبادرات” التي ستحققه، وقال الرئيس: “انسجاما مع أخلاق وقيم الحادي والعشرين من سبتمبر المجيد ندعو دول التحالف إلى الاستجابة لدعوات السلام ولمبادراتنا المتوالية وآخرها مبادرة قائد الثورة حفظه الله، عبد الملك الحوثي، التي عرضها على المبعوث الأممي حول مارب واستيعاب نقاطها التسع التي لا تعدو كونها مطالب محقة واستحقاقات عادلة للشعب اليمني”.
واختتم حينها كلمته بدعوة “الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لوقف الكيل بمكيالين والاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه معاناة الشعب اليمني وإدانة ما يتعرض له من حصار وتجويع وحرمان من الوقود والغذاء والدواء واستهداف للمدن والمدنيين”.
ومبادرة النقاط التسع هي المبادرة التي قدمها قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي حول مارب.
وأكد رئيس الوفد الوطني محمد عبدالسلام أن السيد عبدالملك قدم مبادرة منصفة وعادلة عبر الوفد العماني، لتنفذ بالتزامن مع الملف الإنساني كونه أولوية، لافتا إلى أن المبادرة تراعي مصالح أبناء مارب أولا.
وبين أن المبادرة اشتملت على تسع نقاط تحقق شروط السلام، منها: عدم الاعتداء على المواطنين وإعادة تشغيل المحطة الغازية، ووضع عائدات سفن المشتقات النفطية في الحديدة لصالح المرتبات، أن يكون هناك إدارة مشتركة من أبناء محافظة مارب والحفاظ على الأمن والاستقرار وإخراج عناصر القاعدة وداعش، الالتزام بحصص المحافظات الأخرى من النفط والغاز وتشكيل لجنة مشتركة لإصلاح أنبوب صافر – رأس عيسى، ضمان حرية التنقل والإفراج عن كل المخطوفين، وتعويض المتضررين وعودة المهجرين من أبناء مارب.
وهي المبادرة التي أعاد دفعها إلى الواجهة الرئيس المشاط في كلمته بمناسبة مرور سبعة أعوام من الصمود 26 مارس 2022م، والتي تضمنت وقفا شاملا لإطلاق النار والصواريخ والطائرات المسيرة.
العدوان وأزمة التناقضات المكشوفة
لا تزال السعودية تقيم مؤتمرا – بدأ من 29 مارس – دعت إليه في الرياض أسمته مؤتمر المشاورات اليمنية، ومع ما شاب الدعوة من تناقضات صارخة، إذ أن السعودية هي التي تقود العدوان على اليمن وهي التي تحاول أن تشرف على حوار وقف الحرب، فإن سلسلة عارمة من الفضائح رافقت التحضيرات للمشاورات تكشف عن عمق أزمة مملكة العدوان وانكشافاتها التي لا تنتهي.
لا وجه ولا عنوان لما تسميه السعودية مشاورات السلام في الرياض، وجهها الظاهر هو أن السعودية صرفت ملايين الريالات على المرتزقة الذين ذهبوا للمشاركة وأغلبهم من المقيمين في فنادقها منذ بداية العدوان 26 مارس 2015 م، كما أنها بلا أجندات معلنة، غير أن الكشوفات التي نشرت تظهر بأنها حفلة صاخبة تقيمها السعودية لخمسمائة مرتزقة من المأجورين المرتزقة، وزعت فيها أموالا وفيرة تصل إلى مائة ألف ريال سعودي.
محاولات استباقية
يرى مراقبون أنّ مشاورات السعودية ومرتزقتها أتت كمحاولة لاستمرار ذر الرماد على العيون بالتزامن مع بداية العام الثامن للعدوان على اليمن، تحاول السعودية من خلالها القول بأنها تريد السلام وتريد أن تنطلق من مسرحية المشاورات لتكريس نظرة لدى الرأي العالم بأنها تسعى لتحقيق السلام، وبما يدين صنعاء أمام العالم أيضا وأمام الشعب اليمني كذلك في أنها لا تريد للسلام أن يتحقق، جاءت مبادرة الرئيس المشاط لتسقط ما حاولت السعودية البناء عليه مما أسمتها مشاورات الرياض، وكانت ضربة معلم – كما وصفها مراقبون – في الوقت الحساس وبخطوات عملية وفارقة، واتسمت بالوضوح والشمولية أيضا، حشرت بها مملكة العدوان في زاوية ضيقة، فهي إما أن تقبل بالمبادرة وهو المنشود والمطلوب، وإما أن ترفضها وبالتالي سينكشف موقفها في أنها تريد استمرار العدوان والحصار، واستمرار الاحتلال للمحافظات اليمنية، واستمرار الأسرى خلف القضبان، وفي نفس الوقت بانتظار السعودية ضربات لا تشبه عملية الحصار الثالثة فحسب بل تفوقها.
لا ترغب مملكة العدوان السعودية في إيقاف حربها العدوانية على اليمن، وقد أرادت من مشاوراتها في الرياض ترتيب ولملمة صفوف مرتزقتها والتمهيد لتصعيد العدوان وتصعيد الحرب، وتريد القول بإنّها ليست طرفاً في العدوان وتحاول التسويق بأنّها حرب يمنية-يمنية، وهذا لا يتطابق مع الواقع.
فرصة سيندمون عليها
في خطابه أمس الأول، قال قائد الثورة المباركة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي: إن مبادرة الرئيس المشاط فرصة أمام تحالف العدوان سيندمون على تفويتها، ملوحا باستهداف السعودية بشكل غير مسبوق، الأمر نفسه أكده الرئيس المشاط يوم أمس في مقابلته التلفزيونية التي بثتها قناة اليمن الفضائية وأجراها وزير الإعلام الأستاذ ضيف الله الشامي.
أما ما الذي سيحدث في حال انتهت مهلة مبادرة الرئيس مساء اليوم، دون رد إيجابي من قبل مملكة العدوان السعودية، فقد وضعت عملية كسر الحصار الثالثة التي نفذتها القوات المسلحة تدشينا للعام الثامن من الحرب والتصدي لها، فقد جاءت العملية الواسعة بعد سبعة أعوام، وأحدثت أضرارا وحرائق غير مسبوقة في منشآت أرامكو السعودية وفي مواقع ومنشآت حيوية أخرى.
السعودية غير جادة في سلام مشرف وعادل لليمن ولا ترغب فيه، لكنها تريد ضمان وقف الحرب التي ستنعكس عليها في ضربات عسكرية من اليمن، وهي تستخدم دعواتها للمفاوضات والسلام كيافطة تذهب تحتها إلى تصعيد الحرب والحصار، لكنها اليوم أمام واقع مختلف، إذ أن استمرار العدوان على اليمن ينطوي على مخاطر كبيرة على السعودية نفسها، ومعادلة ما بعد سبعة أعوام ليست كما قبله، وعليها اليوم أن تختار إما فرصة المبادرة، أو انتظار الأسوأ الذي ليس في الحسبان.