قد يُنظر إلى إدمان الألعاب على أنه محاولة لتشويه جنة التكنولوجيا، لكنه مرض حقيقي وخطير، ومن المهم أن نتعامل معه كذلك لأننا إذا غضضنا الطرف عنه فكأنما نغض النظر عن لعنة لا نريد رؤيتها.
ومن الجدير ذكره أن حجم سوق الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو بلغ 203.12 مليارا دولار أمريكي عام 2020م، ومن المتوقع أن يبلغ حجم هذا السوق نحو 546 مليار دولار أمريكي عام 2028 بمعدل نمو سنوي مركب قدره 13.2 % خلال هذه الفترة، كما ذكرت منصة «فورتشين بيزنيس إنسايت» (Fortune Business Insights) في تقرير لها مؤخرا.
وبلغ عدد الذين يمارسون هذه الألعاب 2.69 مليار لاعب في جميع أنحاء العالم في عام 2020، وسيرتفع هذا الرقم إلى 3.07 مليارات في عام 2023م بنسبة نمو سنوي مركب تبلغ 5.6 %، كما ذكرت منصة “فاينانس أونلاين” (FinancesOnline) مؤخرا.
وهناك ما بين 3 % و4 % من هؤلاء اللاعبين مدمنون تماماً على هذه الألعاب، وفي مراجعة منهجية فقد تبين أن معدل الانتشار العالمي لاضطراب الألعاب يبلغ 3.0 5 ٪، وهذا يعني أنه يوجد نحو 60 مليون شخص أو أكثر يعانون من اضطراب الألعاب أو الإدمان، كما ذكرت منصة “غيم كويترز” (gamequitters) أخيرا.
وقد صنفت منظمة الصحة العالمية في عام 2019م الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو مرضاً خطيراً ينبغي العلاج منه، وذلك مع تعرض المزيد من الأطفال والمراهقين بشكل خاص وفي مختلف أرجاء العالم لهذا الخطر في كل يوم.
فالتكنولوجيا سيف ذو حدين، نعمة ونقمة.. لقد سمع الكثيرون منا هذه الجملة مرة واحدة على الأقل في حياتهم، ومع ذلك يرى الكثيرون من الناس الخير في التكنولوجيا أكثر بكثير مما يرون فيها من سوء وشر.
ومع ألعاب الفيديو، يمتلئ جزء كبير من هذا العالم الافتراضي بفرص لا حدود لها للتعبير عن أنفسنا ومشاعرنا مع القليل من العواقب التي يمكن أن نخشى نتائجها، ومن الواضح تماما أن هذه الألعاب أصبحت جزءاً أساسياً من حياتنا وحياة أطفالنا في العصر الرقمي.
ونظرا لتصميم هذه الألعاب كي تكون جذابة لجمهور كبير وواسع ومتعدد الاهتمامات، ينجذب اللاعبون إليها بسرعة وسهولة وبطريقة لا يمكن التنبؤ بها في عالم افتراضي يكافئ اللاعبين على الفور على جهودهم التي بذلوها، وهذا فرق هائل مقارنة بنتائج الواقع البطيئة والمملة في كثير من الأحيان، فإذا اقترن هذا مع الانغماس الحسي الكامل الذي يشعر به اللاعبون الذين يأخذهم اللعب إلى عوالم أخرى بعيداً عن حقائق الواقع، فإن الأمر يبدو وكأن هذه الألعاب قد تم تصميمها تماماً مثل المخدرات التي تسبب الإدمان.
فهناك الكثير من التشابه بين الاثنين، إذ تسبب ألعاب الفيديو إفراز “الدوبامين” (dopamine)، وهو الهرمون الذي يسبب المتعة، على قدم المساواة مع “الأمفيتامين” (amphetamine) و”الميثيلفينيديت” (methylphenidate). وتستخدم هذه المخدرات عادة -تحت الإشراف الطبي- لعلاج اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه ومرض الخدار، ومن المعروف أن لهذه المخدرات -حين تؤخذ بعيداً عن الإشراف الطبي- تداعيات خطيرة على الصحة مثل فقدان القدرة المعرفية والحرمان من النوم والإدمان، وهذه جميعاً هي أعراض ممارسة ألعاب الفيديو لفترات طويلة من الوقت.
إن مفتاح التعرف على إدمان الألعاب بسيط نسبيا: ابحث عن أي تغير في أسلوب حياة طفلك، سواء كان ذلك من خلال السهر لساعات طويلة بعد موعد النوم، أو رغبته في العزلة وعدم التعامل مع باقي أفراد العائلة.. هذا باختصار هو الإدمان.
ويبدأ الإدمان عادة من جرعة بسيطة، حين يتعرف الطفل في سن مبكرة على هذه الألعاب، ثم يتطور الأمر، ويبدأ الطفل في قضاء المزيد والمزيد من الوقت منغمسا فيها حتى يصل الأمر في نهاية المطاف إلى نقطة متطرفة، فيهمل دراسته أو يحاول سرقة المال من والديه للحصول على قدر أكبر من المتعة، لكن هذه الحكايات التي تبدو غريبة في الظاهر تذهب إلى أبعد من ذلك في كثير من الحالات، مع قيام الأطفال والمراهقين بقطع العلاقات مع عائلاتهم تماماً، وحبس أنفسهم في غرفهم ليبقوا وحيدين مع ألعابهم.
يبدو الأمر خطيراً ومخيفاً جداً، وهو كذلك حقاً، ولكن ولحسن الحظ هناك حلول أيضاً، وكما هي الحال مع أي نوع من أنواع الإدمان فإن الخطوة الأولى نحو العلاج هي الاعتراف بالمشكلة، ذلك أن عدم اعترافك بإصابتك أو إصابة طفلك بالإدمان يؤدي إلى عدم بذل الجهد اللازم للتخلص منه.
ويجب أن يكون الجميع من حولك مثل الأصدقاء وأفراد العائلة على دراية بالإدمان أيضاً، وبهذه الطريقة فإن هناك فرصة أكبر للتخلص منه بنجاح بسبب الدعم والتشجيع اللذين سيقدمانه لك أو لطفلك، ثم يأتي الجزء الأصعب وهو الابتعاد عن ممارسة اللعب.
وقد أظهرت النتائج أن القطع الفوري والابتعاد عن اللعب بشكل كلي سيؤدي إلى أفضل النتائج، ولكن هذا هو الطريق الصعب الذي قد لا يقدر عليه الكثيرون، وهنا قد يبدو القطع التدريجي هو الطريق الأسهل، بيد أنه يجب أن تكون حازماً في البرنامج الذي ستضعه لنفسك أو لطفلك في هذه الحالة.
ويعد العثور على هوايات بديلة مثل ممارسة الرياضة أو تعلم مهارات أخرى تحبها أو يحبها طفلك أمراً بالغ الأهمية في منع الرغبة في العودة للعب.
إن علاج الإدمان ليس أمراً سهلاً، لذا من المهم منع إدمان الألعاب تماماً ومنذ البداية بدلاً من الوقوع فيه، ومن ثم الكفاح للخروج منه خصوصا مع وجود عالم يتمحور حول التكنولوجيا وفرص اللعب المنتشرة في كل مكان، فإن خطر الوقوع في هذا الفخ يمثل مصدر قلق كبير لكثير من الآباء في كل أنحاء العالم.
وكمرض لا يعترف به الكثيرون، قد يُنظر إلى إدمان الألعاب على أنه محاولة لتشويه جنة التكنولوجيا، لكنه مرض حقيقي وخطير، ومن المهم أن نتعامل معه كذلك لأننا إذا غضضنا الطرف عنه فكأنما نغض النظر عن لعنة لا نريد رؤيتها، أو سرطان خبيث لا نود اكتشافه والتعامل معه قبل أن يقضي على حياتنا أو حياة من نحب.