عدوان عالمي.. وصمود يماني

عبدالعزيز البهكلي

 

نكتب ويعتصرنا الألم ماذا سيكتب الكاتبون ويعبِّر المفكرون ما الذي سنتحدث عنه؟ وبأي لغة نتكلم؟ وباي أحرف نصيغ كتاباتنا؟ باي مداد، وبأي حبر نكتب؟ هل من دماء الأبرياء أم من دموع الثكالى؟ أين نخط مقالاتنا ونكتبها؟ فوق أي رقاع، وأي ورق؟ هل فوق إشلاء الضحايا الممزقة، أم فوق إشلاء الأسرى الذين قامت السلطات السعودية مؤخرا بإعدامهم، أم في وجوه المنافقين والساكتين، نكتبها بالخط العريض هنا اليمن الصامد، هنا الجرح النازف، هنا المظلومية التي لم تحصل من قبل.
هنا وطن يسكنه أكثر من ثلاثين مليون نسمة، هنا شعبُ يحاصر براً، وجواً، وبحرا، هنا شعبُ تكالبت عليه دول متحالفة تداعت عليه كما تتداعى الذئاب على فريستها تبطش بها ليلاً ونهارا، سراً وجهارا، على مرأى ومسمع عالم منافق صامت يقف موقف المتفرج والساكت الذي يحسب أن لاحول له ولا قوة تجاه ما يحصل لشعبنا اليمني المظلوم ..
إن سبعة أعوام من الظلم والعدوان والقتل والحصار والتشريد ليست بالقليلة وليس لأي أحد أن يحاول ان يضع نفسه في موقف الذي ليس له علم بما يحصل، فهذه المظلومية قد سمعت بها الجن قبل الإنس، وقد علم بها القاصي والداني في هذا العالم الذي كممت أفواهه سياسة النفط والدولار، والله المستعان..
أين العالم وأين مجلس الأمم المتحدة وأين مجلس الأمن الدولي وأين منظمات حقوق الإنسان من هذه الجرائم التي حصلت خلال 2400يوم فقط والتي وثقتها عدسة عين الإنسانية والتي بلغ عدد شهدائها 44221 بينهم 17290 بريئاً و26931 جريحاً، وعدد الشهداء الأطفال 4270 والنساء 2850.
وفيما يخص البنية التحتية كشفت الإحصائية خلال 2400 يوم من العدوان عن تدمير 15 مطاراً و16 ميناءً و312 محطة ومولد كهرباء و558 شبكة ومحطة اتصال و2542 خزان ومحطة مياه و1994 منشأة حكومية و5749 طريقاً وجسراً.
وبلغ عدد المنشآت الاقتصادية التي دمرها العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي حسب الإحصائية 398 مصنعاً و365 ناقلة وقود 11549 منشأة تجارية و477 مزرعة دجاج ومواش و8483 وسائل نقل و476 قارب صيد.
وكما كشفت الإحصائية أن عدد المنشآت الخدمية التي طالها تدمير العدوان بلغت 946 مخزن أغذية و405 محطات وقود و689 سوقا و884 شاحنة غذاء و579954 منزلاً و180 منشأة جامعية و1478 مسجداً و371 منشأة سياحية و392 مستشفى ومرفقاً صحياً و1128 مدرسة ومرفقاً تعليمياً و8326 حقلاً زراعياً و136 منشأة رياضية و250 موقعاً أثرياً و50 منشأة إعلامية.
اليوم بعد كل هذه المدة الزمنية الطويلة، وبعد كل ذلك الرصيد الإجرامي الوحشي الشنيع الذي أوصلهم إلى أسوأ صيتٍ في كل أنحاء الدنيا، بعد كل ذلك، بعد تكشُّف ووضوح الأهداف التي تدل بكل وضوح على أنه يريد احتلال بلدنا، وقد كشفت ذلك ممارساته أيضاً في المناطق المحتلة، وأسلوبه في إدارة شؤون تلك المناطق كمحتل بكل ما تعنيه الكلمة، نحن شاهدنا أيضاً في الآونة الأخيرة صراخ الخونة من أبناء بلدنا في مختلف المحافظات المحتلة، وبمختلف مكونات الخونة واتجاهاتهم المختلفة، وهم يعترفون بألسنتهم بكل وضوح بأنَّ الوضعية التي هم فيها هي وضعية احتلال، وأنه يتحكم بهم، يمنع من يريد منعه من الدخول إلى تلك المحافظة أو تلك، يتحكم في الداخل والخارج، يتحكم بكل التفاصيل، فالحالة هي حالة احتلال وسيطرة وأطماع بكل ما تعنيه الكلمة.
رصيد الإيمان يفشل رهان قوى العدوان ..
ولذلك كان من الطبيعي أمام كل هذا العدوان، بكل تلك الممارسات الإجرامية، بتلك الأهداف المشؤومة أن يتحرك الأحرار والشرفاء والأوفياء في بلدنا ومن أبناء شعبنا (يمن الإيمان والحكمة) للتصدي لهذا العدوان، وأن يقدِّموا التضحيات الكبيرة، وأن يبذلوا كل جهدٍ، وأن يقدموا كل غالٍ ونفيس من أجل التصدي لهذا العدوان، منطلقات صمود هذا الشعب، ومنطلقات عطاء الأوفياء والأحرار في هذا البلد هي منطلقات إيمانية وأخلاقية، إنَّه يمن الإيمان، الإيمان الذي نتربى فيه على العزة، على الحرية، على الكرامة، الذي نتربى فيه على المبادئ العظيمة، فلا نقبل بالإذعان لغير الله، والخنوع لغير الله، والاستسلام لغير الله -سبحانه وتعالى- لا نقبل بأن نكون عبيداً إلَّا لربنا وهو الله -سبحانه وتعالى.
ولذلك نصل إلى نقطة مهمة، هي متطلبات المرحلة، لقد وصلنا اليوم إلى موقع متقدِّم في مواجهة هذه التحديات، والتصدي لهذه الأخطار، ومواجهة هذا العدوان، واليوم من هذا الموقع الذي وصلنا إليه ما الذي يلزمنا؟ لا بدَّ من الاستمرار في هذه النقاط والمسارات الإيجابية، أن نستمر في توكلنا على الله -سبحانه وتعالى- وفي توجهنا العملي باهتمامٍ أكبر، وبالسعي إلى إحراز النصر في هذه المعركة، إلى تحقيق أهدافنا بإفشال هذا العدوان بشكلٍ نهائي، وتحقيق الحرية الكاملة والاستقلال التام لبلدنا، ومعتمدين على الله -سبحانه وتعالى- علينا الاستمرار في كل مسارات العمل، على المستوى الرسمي في بناء مؤسسات الدولة، في العمل على خدمة هذا الشعب، في أن يكون هناك تعاون بكل ما تعنيه الكلمة ما بين الجهات الرسمية، وأبناء هذا الشعب، في مشاريع عمل تعاونية يتعاون فيها الجانب الرسمي مع الجانب الشعبي لتحقيق منجزات في كل المجالات: في الجانب الخدمي، في جانب البناء الاقتصادي، وفي مقدِّمة ما يهمنا: العناية بالجانب الاقتصادي، السعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، العمل على الارتقاء بالمنتج المحلي والوطني؛ ليحل محل ما نستورده من الخارج، وفي المقدِّمة في الزراعة.
استشعار المسؤولية وحجم المخاطر أهم حافز للتحرك الجاد
عندما نتحرك في كل مسارات العمل: على المستوى الاقتصادي، على مستوى المجال التعليمي… وعلى مستوى بقية مجالات العمل، في كل ما يساعدنا على الصمود والتماسك في مواجهة هذا العدوان، والوصول إلى النصر التام بإذن الله -سبحانه وتعالى- عندما نتحرك في كل مسارات العمل هذه، علينا أن نستشعر جميعاً ما يساعدنا على الانطلاقة الجادة، ما يمثِّل دافعاً وحافزاً مهماً جدًّا في الجدية والاهتمام والعمل، وفي مقدِّمة ذلك: الاستحضار المستمر للجرائم التي ارتكبها تحالف العدوان بحقنا، أن يعيش في ذهنيتنا دائماً الإدراك والوعي بالمخاطر الكبيرة لهذا العدوان، وما يسعى إليه من احتلالٍ تام لبلدنا، وسيطرة كاملة على شعبنا، هذه مسألة يجب أن تكون حاضرة بشكلٍ مستمر؛ كي نتحرك في كل مجالات العمل ونحن نستشعر الخطورة ومستوى التحدي، ونحمل بالتالي الحافز والدافع اللازم للعمل الجاد، واستشعار المسؤولية، والاهتمام بشكلٍ كبير، إذا غاب عن ذهننا ما يفعله العدوان بنا، وما يريده بعدوانه علينا، سنتحرك بروح باردة، بتحركٍ بطيء وفاتر وضعيف؛ أمَّا عند استشعار المسؤولية، وإدراك حجم وخطر هذه التحديات، واستشعار المخاطر، بأن هذا يمثِّل حافزاً مهماً جدًّا للعمل الجاد، والتحرك بالشكل المطلوب في كل المجالات.
وهنا أؤكِّد لشعبنا العزيز أنَّ عليه أن يثق بنصر الله وبالفرج، وأنَّ لكل هذه الشدائد نهاية، وأنَّ للصبر والعمل والتضحية والعطاء والتقوى عاقبة حميدة، وعاقبة سعيدة، وعاقبة عظيمة يحددها الله -سبحانه وتعالى- من إليه وحده يرجع الأمر كله، ترجع الأمور، كما قال -جلَّ شأنه-: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}، {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}، وكما قال -جلَّ شأنه-: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
نسأل الله تعالى بفضله وكرمه أن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.

قد يعجبك ايضا