توظيف الرياضة لصالح السياسة

د. جابر يحيى البواب

 

 

تاريخ توظيف الرياضة لصالح العمل السياسي والعسكري يعيد نفسه، عبر بوابة “الدب الروسي والقط الأوكراني” الحرب الروسية الأوكرانية 2022م، ففي موضوع سابق أكدت من خلاله على العلاقة المتبادلة بين السياسة والرياضة والاستغلال المتبادل لكليهما لصالح تحقيق المصالحة الخاصة والعامة، وأشرت في الموضوع إلى توقف بطولة كأس العالم ودورة الألعاب الأوليمبية لسنوات بسبب الحربين العالميتين “الحرب العالمية الأولى 1914-1919 والحرب العالمية الثانية 1939 -1945″، واستغل (موسوليني) استضافة كأس العالم سنة 1934م في إيطاليا للدعاية لنظامه الفاشي، وما فعله (هتلر) في أولمبياد برلين عام 1938م، كما أشرت إلى العقوبات المسلطة على ألمانيا المنهزمة في الحرب بتغييبها عن البطولات العالمية التي تلتها، وفي الجانب العسكري السياسي الرياضي برزت قضية احتجاز رهائن العدو الصهيوني والتي نفذها فدائيين فلسطينيين أثناء دورة الأولمبياد الصيفية المقامة في ميونخ في ألمانيا عام 1972م، وفي جانب التعبير عن الرفض الشعبي للتمييز العنصري قامت الدول الأفريقية بمقاطعة دورة موريال عام 1976م، وكذا المقاطعة الأميركية والغربية لأولمبياد موسكو في سنة 1980، والمعاملة بالمثل من قبل الروس وحلفائهم من خلال مقاطعة أولمبياد لوس أنجلوس بعد أربع سنوات، ورغم محاسن الرياضة التي أعادت العلاقات بين أمريكا والصين عبر دبلوماسية كرة الطاولة، كما أعادت الدفء للعلاقات الأمريكية الإيرانية عبر لقاءات المصارعة وكرة القدم بين البلدين، وتحسين العلاقات اليمنية الخليجية في خليجي 20 المقام بالجمهورية اليمنية.
رغم كل ذلك فإن السياسة عادت لتطل بوجهها المتجهم في وجه الصينيين الطامحين لاستضافة أولمبياد 2008 بكين، وهناك الكثير من الأحداث الإيجابية والسلبية التي استغلت أما من قبل السياسيين أو من قبل الرياضيين كل فيما يخدم مصالحه وفي كلتا الحالتين يعتبر ذلك عملاً سياسياً مخلاً بالقيم والأخلاق والمبادئ وبعيداً عن اللوائح والقوانين والأعراف “التعامل الأوربي الأمريكي مع الحرب الروسية الأوكرانية بالحصار الرياضي دليل واضح على الاستغلال والكيل بمكيالين”.
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وصدور قرار بوتين بإعلان الحرب على أوكرانيا وتوقيف نشاطها العسكري المشبوه من وجهة نظره عبر تحالف أوكراني مع الناتو والدخول في تجربة عسكرية مع البنتاغون، وأغلبية دول أوروبا وأمريكا ومن حالفهم، تحث على مقاطعة روسيا وإعلان الحرب والحصار ضدها، والتحريض على إصدار القرارات التأديبية ضدها، واعتبارها دولة مارقة خارجة عن النظام والقانون الدولي، وتصنيف بوتين مجرم حرب قام بقتل الأطفال والنساء والشيوخ وشرد الكثير من شعب أوكرانيا، بينما تغاضى العالم عن ما يحدث للشعب اليمني منذ ما يقارب السبع سنوات.. أطفال ونساء وكبار السن يقتلون وتراق دماءهم وتدمر البنى التحتية والخدمية وتهدم منازل والمزارع، والعالم يتفرج ولا يحرك ساكن، وجميع الهيئات الرياضية العربية والدولية لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم، لم يصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” أي بيان استنكار لما قام به التحالف العدواني من قصف وتدمير للملاعب الدولية لكرة القدم في اليمن، ولم يصدر الاتحاد الدولي لكرة الطاولة أي بيان عندما تم تدمير الصالة الدولية لكرة الطاولة بمدينة الثورة وبالمثل جميع الاتحادات الرياضية التي تم تدمير صالاتها وملاعبها، وكذا اللجنة الأولمبية الوطنية التي استهدف مبناها بمدينة الثورة الرياضية ولم تستنكر أو تدن ذلك اللجنة الأولمبية الدولية، أو تعلن استبعاد الدول المشاركة في تحالف الشر من المشاركة في الألعاب الأولمبية.
وعندما حدث ما حدث من روسيا باقتحام أوكرانيا ومحاصرة مدنها قام العالم ولم يقعد.. وتحركت الهيئات الرياضية وأعلنت مقاطعة روسيا رياضيا، حيث طلب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) من روسيا استكمال مبارياتها المقبلة، في إطار التصفيات المؤهلة لبطولة كأس العالم 2022 في قطر، على أرض محايدة تحت اسم اتحاد كرة القدم الروسي بدون علمها ونشيدها الوطني، وما زاد الأمر سوءاً على الرياضة الروسية أعلنت دول عدة أنها سترفض مواجهة روسيا، بما في ذلك إنجلترا وويلز، وكذلك بولندا وجمهورية التشيك والسويد، كما أصدرت اللجنة البارالمبية الدولية قرارا يستبعد الرياضيين الروس والبيلاروس من المشاركة في دورة الألعاب البارالمبية الشتوية التي انطلقت في بكين الجمعة 4 مارس 2022م، حدث سياسي عسكري لم يتجاوز عمره أسابيع تكالبت عليه اغلب دول العالم بالرفض والتنديد وفرض العقوبات في كل المجالات، بينما تمر على اليمن وشعب اليمن سبع سنوات من الحرب والدمار واستخدام أبشع الأسلحة المحرمة دوليا، وتدمر البنى التحتية ويحرق الأطفال في أحضان أمهاتهم وتحت سقوف منازلهم قصفا بالصواريخ والقنابل العنقودية، وجوعا بفعل الحصار الغذائي والدوائي، وموتا بمختلف الأمراض الفتاكة نتيجة لإغلاق مطار صنعاء ومنع سفر الجرحى والمرضى، والعالم المنافق يتفرج ولا يحرك ساكنا بل ويدعم تحالف الشر والعدوان والحصار.. اللهم احفظ اليمن وأهله.

قد يعجبك ايضا