من المؤكد أن أزمات وصراعات الروس والصينيين والأمريكان لن تستطيع أي قمة بين بايدن– بوتين وضع أي حلول لها، فالعالم بمجموعه بدأ يتجه نحو سباق تسلح “غير معهود ” وسط فقدان قدرة العالم على الرقابة على هذا التسلح ونوعية وكمية هذا التسلح، ما يؤكد أن العالم يسير بخطى متسارعة نحو حرب عالمية ثالثة “نووية -بيولوجية”، “والأمور تكاد تنفلت من عقالها” أو بالأحرى أنها انفلتت “.
وفي تطورات متسارعة في العالم وليس ببعيد عن أزمة أوكرانيا تعلن الصين التصعيد والاستعداد لحرب شاملة مع أمريكا التي تهدد الأمن الصيني في بحر الصين الجنوبي والجنوبي الشرقي وتايوان ، وبالتزامن مع ذلك يهدد بوتين بأن بلاده قد تستهدف البلدان الشرق أوروبية التي تنتشر فيها صواريخ أمريكية “تهدد الأمن الروسي ” ،وهنا يبدو واضحاً أن نتائج اتصالات بايدن – بوتين التي كانت منتظرة ان تترجم على ارض الواقع في أزمة أوكرانيا بات من المؤكد أنّ السمة الواضحة لنتائج هذه الاتصالات هو استمرار الخلافات ما يؤكد استمرار الصراع الروسي الصيني – الأمريكي ، ولا يمكن لأي متابع أن ينكر “تحديداً “مدى وحجم الخلاف الدائر حول أوكرانيا وملفات المنطقة العربية وإيران وملفات عدة تتصدر أولوياتها توزيع مناطق النفوذ بين واشنطن وموسكو.
بعض المتابعين يدركون جيداً أنه في هذه المرحلة تحديداً فإن الدولتين كلتيهما الروسية والأمريكية تعيشان الآن في حالة حرب سياسية ساخنة جداً قد تتطور مستقبلاً إلى صدام عسكري مباشر “وكان المطلوب فقط هو محاولة ضبط إيقاع الخلافات حتى لا تصل إلى درجة الاشتباك العسكري المباشر “ولا مانع من حدوثه عسكرياً بين الحين والآخر بحال الضرورة من خلال الوكلاء بعيداً عن الجغرافيا الأمريكية والروسية والصينية”، وهذا الشيء ينسحب أيضاً على الصراع الاقتصادي- التجاري الدائر اليوم بين واشنطن وبكين الذي قد يتطور مستقبلاً إلى صراع سياسي – عسكري كبير.
الأوروبيون بدورهم يدركون ويعون حجم هذه الخلافات ،ويدركون جيداً أيضا أن هدف تلك الاتصالات كان فقط لضبط إيقاع الخلافات الروسية – الأمريكية – الصينية ،كي لا تتطور إلى نزاع عسكري سيفرض عليهم أن يكونوا جزءاً منه، لأنهم بدورهم حاولوا قدر الإمكان التخفيف من حدة التوترات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين واشنطن من جهة وموسكو وبكين من جهة أخرى ،وهذا الأمر ينسحب أيضاً على بريطانيا التي توترت علاقاتها في الفترة الأخيرة مع روسيا ،فهي الأخرى تريد لهذا التوتر بينها وبين روسيا أن يبقى بإطار سياسي “مرحلياً ” ولا تريد بالمطلق أن يتطور إلى صراع عسكري ، لأنها تدرك جيداً أن أي صراع عسكري روسي صيني – غربي ،ستكون نتائجه كارثية على الجميع .
وعندما نتحدث عن حقائق الخلافات بين الروس والصينيين من جهة والأمريكان من جهة أخرى والتي يدركها الأوروبيون جيداً ،فهذه الخلافات كادت أن تتطور في المرحلة الأخيرة لتصل إلى صدام عسكري “نووي – كارثي “مباشر “وهي مازالت مرشحة لذلك حتى لهذا التطور ” ،وخصوصاً عندما هدد بوتين بالرد على أي هجوم أمريكي عسكري نووي يستهدف موسكو أو حلفاءها ” وهذا الملف بذاته هو الذي دفع نحو عقد الاتصال بين بايدن وبوتين ،فالأمور كادت أن تنفلت من أيدي الجميع ،وتتطور نحو سيناريو عسكري كارثي سيشمل القارة الأوروبية بمجموعها وستكون من أهم مسارح هذا الصراع العسكري ،فالاتصالات وكما تحدثنا كان هدفها ضبط إيقاع الخلافات بين الروس والأمريكان، وهذا لم تنجح فيه .
الأوروبيون ،بدورهم يعون جيداً أن الخلافات الروسية – الأمريكية، لا يمكن أن تحل باتصال أو بقمة رئاسية ولا بمجموعة قمم وأن نهايتها “ستكون المواجهة العسكرية المباشرة “،ولكن هم يسعون قدر الإمكان لتأخير هذه المواجهة ويحاولون ضبط إيقاعها ، رغم أن الروس والصينيين في هذه المرحلة تحديداً ، وأكثر من أي وقت مضى أصبحوا بشكل اكثر واقعية تحت مرمى وتهديد مشروع أمريكا ، فالروس اليوم باتوا بين مطرقة الدرع الصاروخية الأمريكية التي باتت بحكم الواقع قريبة من الحدود الروسية، وتشكل خطراً محدقاً بأمن المنظومة العسكرية الروسية ،وخطر خسارة أوكرانيا لصالح الغرب، واحتمال فقدها لكثير من مناطق نفوذها في الشرق الأقصى والشرق الأوروبي والشرق العربي، وسندان تقويض جهودها التوسعية والوصول إلى مناطق ومراكز نفوذ جديدة والاستغناء عن مراكز نفوذها القديمة لصالح القطب الأوحد الأمريكي والانكفاء على نفسها ، وليس بعيداً عن كل ذلك الملف السوري وغيره من الملفات خصوصاً الثروات الطبيعية وملفات حقول الطاقة في الدول التي تتحالف مع الروس “الثروات الطبيعية الإيرانية- كمثال” ، ومن جهة أخرى يدرك الروس حجم المؤامرة الأمريكية التي أفرزت ما تسمى بـ“حرب النفط” ، والتي تستهدف إركاع القوة الروسية ، والحد من تصاعد النفوذ الروسي في الإقليم العربي.
وهنا وعند الحديث عن الصين أيضاً، فالأوربيون بدورهم يدركون حجم الخطورة التي ستفرزها الضغوطات الأمريكي والعقوبات الاقتصادية على الصين، خصوصاً بعد تجميد الحلول السياسية «مرحلياً» بخصوص ملفي بحر الصين الجنوبي وتايوان، فالأوروبيون يدركون أنّ النظام الأمريكي الرسمي وحلفاءه في الإقليم الآسيوي المحيط بالصين يستعملون سلاح الممرات البحرية والمعابر الدولية ومناطق النفوذ والتهديد الأمني كورقة ضغط على النظام الرسمي الصيني، للوصول معه إلى تفاهمات حول مجموعة من القضايا والملفات الدولية العالقة بين الطرفين ومراكز النفوذ والقوة والثروات الطبيعية وتقسيماتها العالمية ومخطط تشكيل العالم الجديد وكيفية تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى على الصعيد الدولي، وعلى رأس كلّ هذه الملفات الوضع في بحر الصين الجنوبي، ومن هنا أدرك الصينيون مبكراً أنّ أمريكا وحلفاءها في الإقليم الآسيوي يحاولون بكلّ الوسائل جلب النظام الرسمي الصيني وحلفائه إلى طاولة التسويات المذلة، ليتنازل الصينيون وحلفاؤهم عن مجموعة من الملفات الدولية لمصلحة بعض القوى العالمية وقوى الإقليم الآسيوي، ولذلك قرروا الذهاب نحو رفع سقف التهديد بالخيار العسكري ضد واشنطن في الفترة الأخيرة ، وبالطبع بالتنسيق مع الروس .
وهذه الضغوط التي تمارسها واشنطن على موسكو وبكين يعرف الأوروبيون أن الوصول إلى مسار تفاهمات حولها بين الروسي والأمريكي في هذه المرحلة هو “شبه مستحيل، فهذه الملفات تحتاج إلى تفاهمات “كبرى “((لا يريدها الأمريكي بالمطلق))” وهنا من الواضح أن هناك جملة من التعقيدات الأمريكية التي تمنع الوصول إلى هذه التفاهمات، هذه التعقيدات تدفع نحو تأكيد صعوبة بناء وثيقة تفاهم أمريكية – روسية صينية، قادرة على ضبط إيقاع الصراعات الدولية بما ينعكس على حلول سريعة لمعظم الأزمات المحلية والإقليمية والدولية.
ختاماً.. من المؤكد أن أزمات وصراعات الروس والصينيين والأمريكان لن تستطيع أي قمة بين بايدن – بوتين وضع أي حلول لها، فالعالم بمجموعه بدأ يتجه نحو سباق تسلح “غير معهود ” وسط فقدان قدرة العالم على ضبط الرقابة على هذا التسلح ونوعيته وكميته، ما يؤكد أن العالم يسير بخطى متسارعة نحو حرب عالمية ثالثة “نووية -بيولوجية”، “والأمور تكاد تنفلت من عقالها” أو بالأحرى أنها انفلتت “.
كاتب وناشط سياسي – الأردن.