غارات وقرارات: مجلس الأمن شريك في العدوان على اليمن (الحلقة الثانية)

مجلس الأمن منصة دولية لتبرير العدوان والحصار على اليمن

صلاحيات وواجبات مجلس الأمن في إطار ميثاق الأمم المتحدة

الثورة /

أ- مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة:
تأسست هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بهدف حفظ السلم والأمن الدوليين، والتأكيد أن نشاطها لتحقيق ذلك يرتكز على مبادئ أساسية أهمها: حل النزاعات الدولية التي قد تؤدي للإخلال بالسلم (1)، وذلك بهدف منع الحروب وحل المنازعات الدولية عبر الطرق السلمية وعلى وجه لا يجعل السلم والأمن الدوليين عرضة للخطر، كما فرضت – من خلال ميثاقها الأساسي – على جميع أعضائها أن يمتنعوا “جميعاً”، في علاقاتهم حتى عن التهديد باستعمال القوة، عوضاً عن منع استخدامها الفعلي ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة، وتلك الحقوق تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين الدول (2)، ولم تمنح الأمم المتحدة لنفسها حق التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبما لا يتعارض مع قراراتها ذات الصلة وأيضاً حق الشعوب في تقرير مصيرها(3).
مبدأ عدم تدخل الأمم المتحدة في شؤون الدول الداخلية وضعت له في ميثاقها شرطاً واحداً وهو ألا يخل هذا المبدأ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع من الميثاق، وهو ما أعطى مجلس الأمن صلاحية التدخل في حالات استثنائية بما لا يخالف مقاصد ومبادئ الأمم المتحدة ولا الضوابط الواردة في ميثاقها.
وبالعودة إلى المادة (1) من الميثاق ـ وهي مادة حاكمة ولا يوجد فيها أي استثناء – نراها أكدت على أهمية اتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم وإزالتها، وذكرت تدابير قمع أعمال العدوان، وهذا يؤكد أن المقصد الرئيسي من أي تدخل هو إحلال السلم ومنع بل وقمع أي عدوان من دولة على دولة، ومصطلح “القمع”، الوارد في الميثاق يتضح من المادة (1) أن المقصود به قمع الأفعال التي تصنف تحت فعل “العدوان”، وبالتأكيد ليس المقصود به إعطاء الصلاحية لقمع أفعال لا تصنف بالعدوان ولا تهدد السلم والأمن الدوليين بشكل حقيقي.

‌ب- مجلس الأمن الدولي مهامه وصلاحياته:
بموجب ميثاق الأمم المتحدة، يضطلع مجلس الأمن بالمهام، ويتمتع بالسلطات الآتية:
• المحافظة على السلام والأمن الدوليين، وفقا لمبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها.
• التحقيق في أي نزاع أو حالة قد تفضي إلى خلاف دولي.
• تقديم توصيات بشأن تسوية تلك المنازعات أو بشأن شروط التسوية.
• وضع خطط لإنشاء نظام لتنظيم التسلح.
• تحديد أي خطر يتهدد السلام أو أي عمل عدواني، وتقديم توصيات بالإجراءات التي ينبغي اتخاذها.
• دعوة جميع الأعضاء إلى تطبيق الجزاءات الاقتصادية وغيرها من التدابير التي لا تستتبع استخدام القوة للحيلولة دون العدوان أو وقفه.
• اتخاذ إجراءات عسكرية ضد المعتدي.
• التوصية بقبول الأعضاء الجدد.
• الاضطلاع بمهام الأمم المتحدة للوصاية في “المواقع الاستراتيجية”.
• تقديم التوصيات إلى الجمعية العامة بشأن انتخاب الأمين العام، وانتخاب – جنبا إلى جنب مع الجمعية – قضاة المحكمة الدولية.

‌ج- متى يستخدم مجلس الأمن الفصل السابع؟
مهام المجلس وصلاحياته تتعلق بشكل أساسي في حماية السلام والأمن الدوليين وليس في التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول، على الرغم من أن تشكيل مجلس الأمن ولجنته الدائمة مخالف لمبدأ المساواة(4).
من خلال مهام وصلاحيات مجلس الأمن – التي يؤكد عليها المجلس وينشرها في أدبياته – التي مصدرها ميثاق الأمم المتحدة وأولها وأهمها “المحافظة على السلام والأمن الدوليين وفقا لمبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها”، كمهمة رئيسية تنفذ في إطار مبادئ الأمم المتحدة وليس كما يشاء أعضاء المجلس ووفقاً لمصالحهم المتقاطعة.
ووفقاً للمهام المعلنة فإن صلاحية مجلس الأمن محصورة في النزاعات التي قد تفضي إلى “خلاف دولي”، بأن يقوم بالتحقيق فيها و”تقديم التوصيات بشأن تسوية تلك المنازعات”، وليس له الحق في التدخل لدعم أحد الأطراف، الأمر الذي قد يشعل حدة النزاع ويوسع رقعته، فوسائل التسوية السلمية هي التي تعزز السلام والأمن الدوليين خاصة في نزاعات محدودة الجغرافيا والأثر.
أما القسم الثاني من مهام مجلس الأمن الأساسية، فتتعلق بمواجهة خطر يهدد السلام أو أي عمل عدواني، ويقصد به هنا خطر على السلام والأمن الدولي وليس الداخلي المحدود للدول والذي يقع على عاتق سلطة الدولة السيطرة عليه وضمان عدم توسعه خارج حدودها، ولقد فسر القرار (3314/RES/A) المقصود بالعمل العدواني وكيفية تصنيفه، بأنه فعل يصدر عن دولة ضد دولة أخرى من خلال استهدافها بكل أو أحد الأفعال التي تصنف كعدوان، وهي: القصف والغزو والاحتلال والحصار وتدمير البنية التحتية والعسكرية وتجنيد المرتزقة واستخدام أراضي الدولة أو دول أخرى لارتكاب هذه الأفعال المجرمة، وفي هذه الحالة يقدم المجلس توصياته ويطالب الأعضاء بتنفيذ الإجراءات العقابية الاقتصادية أو العسكرية “ضد المعتدي”، بهدف واحد فقط هو “الحيلولة دون العدوان أو وقفه”(5)، وليس في ميثاق الأمم المتحدة ما يخول مجلس الأمن استخدام هذه الصلاحيات الواردة ضمن الفصل السابع من الميثاق إلا في هذا الإطار ووفق ميثاق وقرارات الأمم المتحدة التي تجرم استخدام القوة أو التهديد بها أو التدخل في شؤون الدول الداخلية بما يقوض من سيادتها أو يهدد سلامة أراضيها وحرية شعبها، بل يجب عليه في حال النزاعات أن يدعو المتنازعين لأخذ ما هو ضروريٌ من تدابير مؤقتة لتحقيق السلام، مع التأكيد أن تدابيره المؤقتة لا تخل بحقوق المتنازعين ومطالبهم ومراكزهم(6).
الهوامش
(1) المادة 1 من ميثاق الأمم المتحدة: مقاصـد الأمـم المتحدة هي:
1 حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرّع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.
(2) المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة: تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة في المادة الأولى وفقاً ‏‏ للمبادئ الآتية:
1 – تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها.‏
2 – لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن نية ‏بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق.
3 – يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر.
4 – يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد “الأمم المتحدة”..
5 – يقدّم جميع الأعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى “الأمم المتحدة” في أي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق، كما يمتنعون عن مساعدة أي دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملاً من أعمال المنع أو القمع.
6 – تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم ‏والأمن الدولي.‏
7 -ليس في هذا الميثاق ما يسوغ “للأمم المتحدة” أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن ‏هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع.‏
(3) الفقرة 1 من إعلان عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول: ” 1- لا يحق لأي دولة أو مجموعة من الدول أن تتدخل، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأي سبب كان، في الشؤون الداخلية والخارجية للدول الأخرى؛”
(4) ناجي البشير القحواش ، “تأثير الفيتو على قرارات مجلس الأمن الدولي” رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، 2015.
(5) وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (3314)، فإن أشكال جريمة العدوان تتمثل في الأفعال الآتية:
1 -“قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتًا، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة.
2 -قيام القوات المسلحة لدولة ما بقذف إقليم دولة أخرى بالقنابل، أو استعمال دولة ما أي أسلحة ضد إقليم دولة أخرى.
3 -ضرب حصار على موانئ دولة ما أو على سواحلها من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى.
4-قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية أو الأسطولين التجاريين البحري والجوي لدولة أخرى.
5 – قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة، على وجه يتعارض مع الشروط التي ينص عليها الاتفاق أو أي تمديد لوجودها الإقليمي المذكور، إلى ما بعد نهاية الاتفاق.
6 -سماح دولة ما وضعت إقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة الأخرى لارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة.
7 – إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قِبَل دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الأعمال المعددة أعلاه، أو اشتراك الدولة بدور ملموس في ذلك.”
(6) نصت المواد 39 و40 على:
المادة 39 يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
المادة 40 منعاً لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقوم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضرورياً أو مستحسناً من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه.

قد يعجبك ايضا