يخلق من الشبه "أماكن":

جغرافية الدهشة.. بين الاسم والمسمى..!

 

 

المقالح عبدالكريم

– 1 –
بين اليمن والحضارة الإنسانية علاقة وطيدة على مستويات عدة.. فمنذ فجر التاريخ ولليمن حضورها الكبير ودورها الفعال واسهاماتها المؤثرة في صنع وتشكيل كثير من المسارات والأحداث والتحولات.. وهو ما حفظ لليمن الكثير من الأصداء في نواحٍ شتى.. وفي مختلف عصورها التاريخية.. سواء على صعيد الشخصيات من ملوك وملكات أمثال أسعد الكامل وسيف بن ذي يزن وبلقيس.. أو على صعيد الأحداث: إنفجار سد مأرب وهجرات اليمنيين إلى مختلف أصقاع الأرض.. تجارة البن واللبان والبخور.. نشر الإسلام.. إلخ
ولقد ظهرت في اليمن الكثير من الحضارات مختلفة السمات متفاوتة العهود.. تبعًا للدولة الناشئة والمسيطرة على مقاليد الحكم مثل: سبأ- حمير- معين- أوسان وغيرها.. وهو ما انعكس بدوره على كثير من التفاصيل الخاصة ذات الطابع اليمني من آثار وأوابد.. إضافة إلى العديد من الموروثات البيئية منعكسة الثقافة ومكوناتها على الإنسان والمكان.. وهو ما نتج عنه نوع من التراكم كماً وكيفاً.. أفرز تالياً أسماء ومسميات متشابهة وقريبة الشبه من بعضها وذلك في أمكنة متباعدة ومختلفة.. فعلى سبيل المثال: مستحدثات هندسية كالسدود والصهاريج والمدرجات.. تتشابه “اسمًا وشكلاً ووظيفة” في غالبية المناطق اليمنية.. وما ذاك إلا لأن اليمن كغيرها من الحضارات كانت الزراعة عمادها الأساس.
– 2 –
إنه مدخل حيوي.. يُغري بتتبعه ورصده.. خاصة مع تعدد البيئات المحلية واختلافها من مكان إلى آخر.. بطول اليمن وعرضه.. لكن ومع التعمق أكثر فيه.. يبدو هذا الفضاء الخصب وكأن لا طائل منه.. إذ أن كم الفائدة المعارفية التي سيخرج بها القارئ ليست بالشيء الكبير.. لأن نتائج الرصد في نهاية المطاف لا تعدو أن تكون معلومات عابرة.. أشبه ما تكون بفقاعات المياه الغازية والتي سرعان ما تفور بعد أن تفور لومضة وكفى..!
ثمة الكثير من التفاصيل المتشابهة اسماً ووظيفة لكن مختلفة الشكل.. وذلك على شاكلة: “الجامع الكبير”.. والذي تشترك فيه كثير من المحافظات والمدن، بل وحتى على مستوى المديريات والقرى.. وهو ما ينسحب على : الحمامات الطبيعية أو المعدنية.. أو الأسواق التي تحمل أسماؤها أحد أيام الأسبوع.. إلخ
وهكذا.. وعلى هذا المنوال.. سندرك في الأخير- وربما على نحو متأخر- أن لا جدوى من هذا كله.. لأنها عملية أشبه ما تكون بحصر وتعداد ما هو معروف ومتداول والأهم: مشترك في معظم أرجاء اليمن..!
لحظة…
لكن ماذا عن مدخل مغاير.. مهمته كشف النادر.. وإماطة اللثام عن مشترك معروف نعم لكنه مميز ومتفرد..؟؟!
عندها فقط.. سيكتسب الموضوع كله نكهة المغامرة ومتعة التجوال بين الأرجاء.. على بساط من سطور تستقصي ثلاث مفردات كل ما فيها مدهش ورائع..!!
– 3 –
الأوابد ستكون منطلقنا.. ولأنها الأميز على مستوى المكان.. سندنو إليها من حافة الخيال ونحن على ضفاف الأساطير.. وهو ما يعني الوقوف عند أمكنة عمرها بعمر الخرافة، ولها أسرارها وعليها ينعكس شيء من هيبتها.. سعياً وراء الإحاطة بفرادتها الاستثنائية.. تأسيساً على زفرة من زفرات خالد الذكر/ نزار قباني
والذي تنهد بها شاكياً باقتناع:
(أنتِ أحلى خرافة في حياتي
والذي يتبع الخرافات يتعب)
رغم تباعدهما جغرافياً.. إلا أن “بئر الهرامسة” في عدن و”بئر برهوت” في حضرموت.. أقرب ما يكونان من بعضهما البعض.. إذ أن لهما مكاناً مشتركاً في ذاكرة الأساطير.. وإلى درجة تكاد تكون بالفعل استثنائية.. على مستوى الآبار في العالم قديمها وحديثها..!؟
أما المفارقة المثيرة فهي عثورنا على البئرين في الأحاديث النبوية الشريفة.. في صورة تكاد تكون نسخة طبق الأصل من حيث المضمون الذي ينحو منحى مؤطراً في إطار مظلم قائم على تفاصيل تثير الخوف والرهبة، وربما الرعب في نفس من يطالع تلك الصورة القائمة..!
فكما يروي الحديث النبوي.. سيخرج من”بئر الهرامسة” يوم القيامة ( نار تسوق الخلق إلى أرض المحشر)..!
أما “بئر برهوت” فيروي عنها حديث نبوي آخر أنها ( مجمع أرواح الكفار) وقد روى الهروي عن إلامام علي رضي الله عنه وأخرجه الطبراني في معجمه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( شر بئر في الأرض برهوت)..! كما يُروى عن علي كرم الله وجهه أنه قال:( أبغض البقاع إلى الله تعالى بئر برهوت.. ماؤها أسود منتن.. تأوي إليها أرواح الكفار.. والموكل بها ملك يسمى دومة)..!
– 4 –
وكما أن الأسطورة عامل مشترك بين بئري الهرامسة وبرهوت.. نجد أن الثنائية التالية تجمعهما “صخرة”.. وتعمل على التقريب بينهما رغم التباعد الجغرافي بينهما.. والحديث هنا عن : “دار الحجر” و”حصن الغويزي”.. فالأولى تقع في وادي ضهر شمال غرب العاصمة صنعاء.. وقد أقيمت على تلة من صخور الجرانيت والتي تبدو كصخرة واحدة.. حملت اسمها: دار الحجر.. أما حصن الغويزي فقد أقيم على صخرة مشرفة على الوادي والطريق المؤدي إلى المدخل الشمالي الشرقي لمدينة المكلا بحضرموت.
وثمة قاسم مشترك بين الدار والحصن غير الصخرة التي أقيما عليها.. وهو تاريخ بنائهما.. وذلك خلال القرن الثامن عشر الميلادي.. فبينما شيد حصن الغويزي في بداياته.. أي العام 1716م.. نجد أن دار الحجر قد تأخر تاريخ تشييدها إلى أواخر القرن الثامن عشر..!
وهكذا فهما يختلفان من حيث الوظيفة أو هدف الإنشاء.. إضافة إلى اختلاف آخر.. وهو المتعلق بالشكل الخارجي ومادة البناء ومكونات كل واحد منهما.
– 5 –
وإلى ثنائية أخرى.. أوجه الشبه بينهما كثيرة.. اسماً وتاريخاً ووظيفة ومكاناً.. أما الاختلاف فضئيل بينهما.. لا يكاد يذكر.. فما بين محافظتي : حجة شمالاً وتعز جنوباً.. تبرز قلعة واحدة مشهورة في كلا المحافظتين.. لها ذات الاسم هنا وهناك..إنها : قلعة القاهرة.
لقد اتفقت غالبية المراجع التاريخية على أن بناء القلعتين تم خلال فترة زمنية واحدة هي حقبة حكم الدولة الصليحية في اليمن.. وذلك قبل نهاية العقد الثالث من القرن الخامس الهجري.. (وتحديداً في 439-532 هـ.. الموافق لـ 1045- 1138 م) ولعل من قام ببنائهما هو ذاته الذي شيد قلعه تعز- حسب المثبت تاريخياً – وهو السلطان عبد الله بن محمد الصليحي.. والذي كان شقيق الملك المؤسس للدولة الصليحية.
وقد مرت القلعة في تعز وحجة بأطوار من التجديدات والإصلاحات والإضافات عبر مختلف العصور التاريخية.. إضافة إلى تحولاتها الوظيفية من قصر منيف يسكنه حاكم اليمن وقتها..
إلى حصن منيع تتمترس فيه القوات المدافعة عن المدينة.. وأخيراً إلى سجن رهيب يكتظ بمئات المعارضين للحكام وسياساتهم التسلطية.
من كتاباته الأخيرة.

قد يعجبك ايضا