سامي الحوثي

(شهيدٌ.. على لسانِ أبيه)

 

 

رحلتَ ولكن حيثُ لستَ مُفارقا!
فصبرًا وإن لم أبدُ للصبرِ طائقا..
وقد ضرّني أنّي للمسِكَ عاجزٌ
وأنّ الهواءَ الآن أصبحَ عائقا!
فما زلتَ تأتي كلَّ يومٍ تزورُني
بحُلمٍ، كما بالبالِ ما زلتَ طارقا!

و لي من ضريبِ الشوقِ صبرٌ ولهفةٌ
أحالا ٱعتقادي في ٱحتضانِكَ مارقا
فإن لاحَ لي في البعضِ منكَ تشابُهٌ
أظنُّ بكُلِّي أنه أنتَ – واثقا !!

أَمَرُّ الليالي إن مررتُ بشارعٍ
على صُحبةٍ، ما عُدتَ فيها مُرافقا
وأكثرُ ما يُؤذي الثواكلَ وعيُها
وطيفُ فقيدٍ لا ينامُ دقائقا

يقولون لي: ما زال حيًّا.. لأنه
شهيدٌ. وبالآياتِ جادوا فوارقا
فقلتُ: بلى.. أدري.. وأُقسِمُ أنه
بلا آيةٍ حيٌّ. وهاكَ وثائقا:
أراكَ دخلتَ اليومَ عرصةَ بيتِنا
على كتفِكَ (الآليُّ) يزهو ذوائقا 1*
وكنتَ بها تمضي ذُهُولًا كأنّما
وجدتَ حصاها والطُلُولَ حدائقا!
وما ٱبتَسَمَتْ إلّا لأنّكَ عائدٌ
من الجبهةِ الوثقى عزيزًا وصادقا
لأنّكَ كالهيجا.. لها مُتردِّدٌ
لقد كنتَ في اللُّبسِ المُمزَّقِ رائقا!
تقدّمتَ حتى لم تَبِنْ كيف أشرَقَتْ!
وأقبلتَ حتى لم تكن فيكَ سائقا!
وسلّمتَ حتى لم نُصدِّق سماعَنا
سلامًا بصوتٍ كان بالشوقِ خانقا..
كذا حينما أسلمتَ ما كُنتَ حاملًا
تعجبّتُ كيف الشوقُ ما زال عالقا!
فإنّكَ قد هرولتَ تهوي مُقبِّلًا
علينا بما ٱشتقنا وتدنو مُعانقا
عليكَ سلامُ اللهِ ما سرتَ هاديًا
وما ٱصطدتَ منهم خائنا ومُنافقا..

فتقضي شُهُورًا غِبتَ فيها بليلةٍ
وفاءً.. كأنَّ البُخلَ قد باتَ لائقا!
ولولا شَغافُ القلبِ في اللهِ خارقًا
لما أَفلتَ المشتاقُ للناسِ شائقا!
لأنَّ الهُدى أمرٌ تحكّمَ بالفتى
عصيّاتُ أمرِ النفْسِ صارت رقائقا
وليس شعارًا في السلاحِ مُرصَّعًا
عن الحقِّ يُغني أو يُزكّي المُراهقا!
و في كل حالٍ أو على أيّ حالةٍ
يظلُّ الفتى في أوّل الخطِّ خافقا
إذا ما الفتى خِذلانهُ سارَ في الثرى
– ولو بُرهةً – تلقى البلادُ مزالقا
وإن تهوِ أركانُ البلادِ.. ترَى الشقا،
وإن يهوِ رُكنُ الذِّكْرِ تنسَى المناطقا
*
على مثل هذا الدهرِ يأتيكَ راتقٌ
ترى خلفَهُ خمسين فَتقًا وفاتقا
ولكنّنا رَغمَ السلامِ الذي بهِ
أَتَى يدّعي.. نرعى السلامَ “بنادقا”
على مثلِ هذا الدهرِ تطغى مكايدٌ
فنرنو على رَغمِ الظلامِ الحقائقا!
وتجلو الأعادي في الشقائقِ فتنةً
ونلمسُ في غير الأهالي الشقائقا
تحالفتِ الدنيا على سحقِ صوتِنا
وإنَّ أجلَّ القصفِ لم يُمسِ بارقا!
فهل غيرُ صمتِ الناس لم يرمِ شعبَنا؟!
وأذكى من الصاروخِ بالفتكِ ساحقا؟!
وهل غيرُ جُندِ اللهِ مَن أخذوا على
عواتقِهم مَن رامَ في اللهِ عاتقا؟!
بنفسي رجالًا كالسماءِ قلوبُهم
(خفافًا ثقالًا) في العُيُونِ شواهقا
عِظامًا كرامًا – يا بُنيَّ – أعزّةً
ملائكَ حقًّا إن يكونوا خلائقا
فأكبرُ مَن فيهم شهيدُ قضيّةٍ
وأضعفُهم تلقاهُ للحربِ عاشقا
وإيّاكَ من وجهٍ؛ يُضلُّكَ بٱسمِهِ،
فليسَ مِن الأحرارِ مَن ظلَّ “دانقا”
وليس مِن الفُرقانِ مَن قامَ ظالمًا
وليس مِن “الأنصارِ” مَن باتَ سارقا
وإيّاكَ مِن لونِ الحيادِ.. كأنّهُ
بياضٌ، وإن أمعنتَ تُبصرْهُ غاسقا!
على مثلِ هذا الدهرِ إمّا فكن لهُ
وإمّا عليهِ.. رافضًا أو موافقا
فإمّا قتيلًا قد تكونُ وقاتلًا
وإمّا شهيدًا، أو برغمِكَ ناعقا..
لكَ الفخرُ أن ترقى شهيدَ كرامةٍ
و ليْ الفخرُ أن لو كنتُ بعدكَ لاحقا
زمانٌ تعدّى حدَّهُ كيف ننكفي
لهُ ؟! كيف لا نطوي الغُرُوبَ مشارقا؟!!
*
و رُحتَ.. و عَدَّتْ في غيابِكَ مُدّةٌ
ذُبُولًا، وما زال ٱنتظاريَ عابقا..
و عُدتَ.. ولكن؛ ما كما عُدتَ سابقًا!
وتبدو كما قد كنتَ في العَوْدِ سابقا
ترى كلَّ هذا أُمُّ عيني وكم لها
ترى كل شيءٍ في سُكُوتِكَ ناطقا..
(شهيدٌ.. على لسانِ أبيه)
22.ديسمبر.2020م ت النشر

قد يعجبك ايضا