خليل المعلمي
لن نتحرك إلى المستقبل إلا بأدوات العصر وعلى رأسها “العلم والمعرفة”، وسيظل العرب والمسلمون في سباتهم ما لم يولوا العلم الدرجة المستحقة من الاهتمام والرعاية، والسعي إلى نشر الثقافة العلمية بين أوساط الشباب وأفراد المجتمع.
ومع حالة العجز التي يعيشها العرب أمام التحديات العلمية التي يطرحها العصر، باتت الأسئلة تطرح لغياب الثقافة العلمية التي من خلالها نضع لنا قدماً في مستقبل العلوم في هذا العالم المتسارع علمياً وتقنيا.
ويأتي كتاب “الثقافة العلمية واستشراف المستقبل العربي” للإجابة عن الكثير من التساؤلات والتفسير لأسباب التداعيات التي أوصلت العقل العربي في نهاية المطاف إلى تلك الدرجة التي تحولت معها أمتنا من مصدر لنشر الإشعاع في سائر أرجاء الدنيا إلى مجرد مجموعة بشرية قابعة تحت ظلال طلل، خلفه الأجداد وتوقف عنده الأحفاد، دون أن يضيفوا إليه إلا النزر اليسير، ثم ظلوا على هذا الحال دون إفاقة، مجرد مستهلكين لما يقدمه الأخرون، وما تجود عليهم به قرائحهم.
الكتاب عبارة عن أوراق عمل لعدد من الباحثين والنقاد الذين شاركوا في إحدى الندوات العربية للبحث عن الثقافة العلمية الغائبة في العالم العربي ويحتوي على أربعة محاور: الأول رؤى وآراء، والثاني تكنولوجيا المعلومات ومستقبل الثقافة العلمية، والثالث تحديات الباحث العربي في المراكز العلمية، والمحور الرابع نشر الثقافة العلمية من خلال تطبيقات وتجارب لعدد من الباحثين والأكاديميين.
رؤى وآراء
يحتوي المحور الأول من الكتاب على عدد من الآراء والرؤى لعدد من الباحثين والذين أكدوا أن الثقافة العلمية في استشراف المستقبل موضوع متشعب، ومجال للحوار العريض والعميق في هذه الندوة، وكل ما يمكن التركيز عليه هو استشراف تشكيل مجتمع ديمقراطي يشارك الجميع في قراراته، وفي إنجاز مهماته بالعمل المنتج، وبالعدل في تحمل مغانمه ومفارقه، وينطلق من الاقتناع بأن النهج الديمقراطي ونظمه ومؤسساته قد غدت هدفاً إنسانياً وحاجة علمية راسخة ويستند هذا الاقتناع أيضاً على أن هذا النهج قد اختبره تاريخ الحضارات الإنسانية العالمية، فلم يجد أفضل ولا أعقل منه، بعد معاناتها للنظم الاستبدادية والطائفية والفاشية والنازية، وهو السبيل إلى كرامة الإنسان وإمكانية العيش المشترك بين كل الشعوب.
وتضمن المحور دراسة تاريخية تحليلية لتوطين العلوم في المجتمع العربي، وكذا آثار التراث والتفكير العلمي في المجتمع العربي المعاصر.
مستقبل الثقافة العلمية
لاشك أن عصر المعلومات هو الطريق إلى المستقبل، وقد أحدث نقلة علمية ملموسة وشطر مسار تطور العلم إلى شطرين، ما قبل عصر المعلومات وما بعده، ولهذا فإن التطور المتسارع في تكنولوجيا المعلومات له تأثير ودور في مستقبل الثقافة العلمية، يناقش المحور الثاني تطور العلم من منظور الثقافة العلمية في ظل تطور تكنولوجيا المعلومات، وولادة علم جديد في ظل عصر جديد، تسهم فيه تكنولوجيا المعلومات وتوفر الوسائل العلمية لإجراء الدراسات المقارنة في كثير من المجالات، وبشكل كبير ويظهر اقتصاد المعرفة الذي أصبح للعلم شأن كبير في مجال الاقتصاد.
وفي هذا المحور تم تقديم رؤية معلوماتية ونظرة تحليلية نقدية على أداء الإعلام العربي ومدى ارتباطه بقضايا التنمية من خلال دوره في التنمية البشرية والحديث عن أنماط خطاب الإعلام العلمي السائدة بالمنطقة العربية، كما تطرق المحور إلى أهمية الكتابة العلمية للأطفال من أجل خلق أجيال تهتم بالعلم والتكنولوجيا من خلال تنفيذ الكثير من المشاريع التي لاشك أنها ستؤتي فعلها في الأجيال الصاعدة وستغير من أفكارهم واهتماماتهم ومهاراتهم.
تحديات الباحث العربي
ويتناول المحور الثالث تحديات الباحث العربي في المراكز العلمية من خلال عدة مقالات تناولت إدارة المعرفة في مراكز البحث العلمي، وأخرى عن الصعوبات التي تواجه الباحث العربي والطرق العلمية للتغلب على هذه الصعوبات والمعوقات، وكذا معوقات انتشار الثقافة العلمية المترجمة والتطرق إلى معوقات الترجمة، ومعوقات الترجمة العلمية.
فقد أصبح الإقرار بدور مؤسسات البحث العلمي في توليد وبناء المعارف ونقلها وتوطينهـا وتطويرها حقيقة واضحة، غير أن تطوير هذا الدور ليشمل إدارة المعرفـة، يعد توجها حديثا وضروريا يجب إضافته إلى المهام السابقة، بغرض تحقيق التطور الشامل في المجتمع، وإدارة المعرفة العلمية هي عملية مركبة، وطريق للعقل القادر على الإبداع والابتكار والتجديد، فهي ليسـت جملة من قواعد البيانات الشـاملة، أو من الحقائق العلمية التوصل إليها فحسب، بـل هـي طريق وأداة مساعدة على استخدام وتوظيف تلك الحقائـق والمفاهيم التوظيف الأمثل والخلاق القادر على تحقيق الأهداف الموضوعة، في أفق من التطور لا حدود له.
ويمتد مفهوم إدارة المعرفة إلى المجتمع ليشمل سبل تهيئة البيئات الاجتماعية، وبيئات التنشئة الثقافية، والبيئات العلميـة في إطار عملية دينامية مترابطة تسهم في دعم مؤسسات البحث العلمي، وتوثق علاقاتها بمؤسسـات المجتمـع.
تطبيقات وتجارب
فيما يتناول المحور الرابع تطبيقات وتجارب في نشر الثقافة العلمية من خلال استعراض أدوار المؤسسات التعليمية والثقافية والبحثية، وقد تناولت العديد من المقالات الإشادة إلى بعض المراكز والمكتبات العربية العاملة في هذا المجال، ودور كبار الكتّاب والأكاديميين والمثقفين والأدباء في نشر الثقافة العلمية، وتناولت الأوراق العديد من قضايا النقد لهذه المراكز والجامعات وللبيئة العربية بشكل عام التي تعمل وفق تثبيط العقل العربي وعدم تحفيزه للإبداع والابتكار، وتم التطرق إلى الدوريات العلمية والمحكمة الصادرة عن العديد من المراكز البحثية، ومحدودية انتشارها.