جرائم العدوان والنفاق الدولي الجديد
يكتبها اليوم / طه العامري
ذات يوم قال أحد الشعراء العرب (قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر.. وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر). ويبدو أن هذا الشاعر العربي كان يتنبأ بمعاناة الشعب اليمني، قبل أن تحل معاناة شعبنا بعقود على يد دول العدوان المسكونة بكل نذالة الكون وحقارة الدنيا وانحطاط القيم والأخلاقيات؛ ومن أين لدويلات الخليج أن تكون لها قيم أو أخلاقيات وهي انتقلت مباشرة من مهنة التقطع وممارسة الحرابة ونهب عباد الله إلى دويلات ومحميات استعمارية تدار من قبل حثالة القراصنة والقتلة من آل سعود وآل زايد من أحفاد ( إبراهام ليفي ) وصنائع ( مستر همفر ) .
بيد أن المثير ليس في موقف دويلات العدوان بل في مواقف المجتمع الدولي وأنظمته التي تخلت عن كل قيمها وشعاراتها وقوانينها الزائفة وهي التي ما برحت حتى وقت قريب في التشدق بكل قيم حقوق الإنسان والتباكي على قيم سعت لتكريسها وتجذيرها في أوساطنا كثوابتٍ لدرجة أن بعضنا في العالمين العربي والإسلامي تخلى عن شريعة الله لقاء تمسكه بشريعة الإمبريالية الليبرالية ومفاهيمها، ومن أجل أن ترضى عنه عواصم الانحطاط والنفاق الدولي، والتي فضحتها اليمن وهي تواجه العدوان والحصار وتخوض معركة حضارية وأخلاقية ؛ معركة لم تكن يوما (عبثية) بل هي معركة وجود وسيادة وكرامة وحرية لوطن وشعب سعت المحميات الخليجية انطلاقا من شعورها بالدونية والنقص إلى فرض خياراتها على شعبنا بقوة الحديد والنار، تجاهلت أن هذا الشعب الذي تمتد جذوره الحضارية والإنسانية في أعماق الوجود الإنساني لا يقبل على نفسه الضيم ولا حياة العبودية والارتهان ؛ هذا الشعب الذي قال ذات يوم أحد رموزه مخاطباً أحد الخلفاء ” وجنة بالذل لا نقبلها… جهنم بالعز أطيب منزل ” والمؤسف أن بعض السفهاء المحسوبين زورا على العرب والعروبة والإسلام والمسلمين توهموا أن أموالهم تغطي عيوبهم، وتجمل بشاعة أصولهم وتاريخهم .
هذا النفاق الدولي الجديد الذي يتعامل مع العدوان على بلادنا وشعبنا لم يكن مجهولا لغالبية أبناء شعبنا وأمتنا، على خلفية موقف هذا العالم المنحط من القضية العربية الأولى فلسطين التي صدر لأجلها أكثر من 250 قرارا من مجلس الأمن والأمم المتحدة لم ينفذ قرار واحد من كل هذه القرارات التي لم يحترمها المعني بها، وهو الكيان الصهيوني، ولم يحترمها من أصدرها بل كانت مجرد ذر للرماد على العيون .
ثماني سنوات وشعبنا يواجه العدوان والحصار والموت والجوع والقهر والخراب والدمار والتشرد والنزوح، فيما هذا العالم مكتفٍ بقبض ثمن صمته من خزائن حكام المحميات ؛ مقابل صمت هذا العالم وأنظمته ومنظماته عن جرائم مشهودة وغير مسبوقة في التاريخ الإنساني ؛ وهو الذي كان يصدر بيانات متتالية عن حقوق الحيوانات ويتباكى عن مسلمي الرهونجا والإيغور زورا وبهتانا وكذبا ودجلا وابتزازاً ولا يزال فيما لا يرى جرائم مشهودة تمارس بحق أقدم الشعوب في التاريخ وأكثرها أصالة وحضارة وإنسانية وهو الشعب اليمني الذي لا أصل لأي عربي إن لم يكن من اليمن .
ثماني سنوات، عانى فيها وطننا وشعبنا من الموت والدمار والحصار والتشرد والنزوح واللجوء فيما هذا العالم المنحط لا يحرك ساكنا مكتفياً بقبض ثمن صمته وسكوته من خزائن أشباه الرجال من حكام المحميات الذين لن ينسوا يوما أنهم كانوا، وحتى وقت قريب، يتسولون على أبواب حكام اليمن قوتهم اليومي من الحبوب والخضروات والفواكه قبل أن يترقوا ويتحولوا من قطاع طرق إلى حكام ومشائخ وأمراء بسبب اكتشاف النفط في صحاريهم القاحلة وشيدوا مدن كرتونية وزجاجية رغم أنهم مجرد حراس أوفياء على آبار النفط التي لا يملكونها ولا يملكون سيادتهم عليها، بل رغم ما فيهم لا يزالون مجرد عبيد في الإسطبل الأمريكي الصهيوني.
سنوات ثمان يواجه فيها شعبنا كل صنوف القتل والإجرام من قبل أعداء حاقدين ومنحطين ومجردين من كل الأخلاقيات الإنسانية، والعالم الأكثر انحطاطا منهم يوغل في نفاقه ويدين الضحية ويرضي الجلاد مقابل المال المدنس والمصالح الزائلة ليرضي عبيد الصهاينة ويستجدي رضاهم والحصول على أموالهم، ولم تسلم من دنس المال الخليجي حتى كوبا أرض الثورة والحرية وقلعة الصمود أمام الغطرسة الإمبريالية الصهيونية بزعامة فيدل كاستروا، لكن كاسترو ويبدو أن قيمه التي مكنته من الانتصار والصمود قد رحلت معه.
إن ثماني سنوات من العدوان الهمجي البربري المنحط استخدمت خلالها أسلحة دمار شامل ومحرمة دوليا لو استخدم 5% منها ضد المحميات الخليجية المعادية لمسحت من على وجه الأرض وأبيدت بمن فيها ومن عليها ؛ لكنه اليمن العصي على الانكسار ؛ اليمن الذي يقاوم الجغرافية ويطوعها لتكون في خدمته ؛ وها هو يطوع العدوان ليجعل منه نموذجا في كيفية المقاومة والتصدي والتحدي والصمود في وجه عالم منافق وزنديق ؛ عالم يقتات اليوم من دماء الشعب اليمني .
نعم بدماء شعبنا يقتات العالم رزقه، ويقتات المرتزقة أرزاقهم، على حساب دماء اليمنيين ؛ لن أتحدث عن بشاعة الجرائم والمجازر التي أرتكبت خلال سنوات العدوان ؛ لن أتحدث عن انحطاط المنظمات الإقليمية والدولية بدءاً من جامعة ( العهر العبرية ) مروراً بالمنظمات الأممية وصولاً لمجلس الأمن الدولي الذي منح للعدوان شرعية إبادة شعب ودمار وطن وهو الذي كان لا يتردد في إصدار البيانات إذا رجل (طلق زوجته) هنا أو هناك .
اليوم العالم كله سقط ،وسقطت معه كل قيمه وأخلاقياته، تحت أقدام حافية تعلّم العالم معنى الحرية والسيادة والكرامة وشرف الانتماء والدفاع عن الأوطان ؛ بل حتى شعوب العالم باستثناء القلة منها سقطت في وحل العمالة والارتزاق والخيانة لكل القيم والأخلاقيات الحضارية والإنسانية والدينية ؛ إذ لم نر أو نسمع عن مظاهرة تحركت هنا أو هناك للتنديد بالمجازر التي تُرتكب بحق الشعب اليمني الأصيل من قبل عدو أحمق وغبي _ باستثناء بعض جماهير امتنا في فلسطين وبعض الفعاليات النخبوية في بعض أجزاء من أقطارنا العربية وخاصة في دول محور المقاومة وجمهورية إيران الإسلامية التي بدت عروبية في مواقفها أكثر من عواصم الفعل العربي التي كنا نعتبرها كذلك ..ومع ذلك فإن العدو سيدفع ثمن عدوانه غالياً، وسيدفع ثمن عنجهيته وغطرسته ؛ ليس دول العدوان وحسب بل سيدفع العالم المنافق ثمن نفاقه وفي مقدمتهم أمريكا، رأس الشر وعنوانه، وكيانها الصهيوني الهزيل وأذنابها من أنظمة الخيانة والانحطاط .
أما دول العدوان، وخاصة النظامين السعودي والإماراتي، فإنهما سيدفعان ثمنا باهظا ليس اليوم، ومن خلال رد الفعل والدفاع المشروع لشعبنا وهو دفاع أقرته كل قوانين السماء والأرض، بل وعلى مدى المستقبل القريب والبعيد سيدفع العدو ثمن كل جرائمه فغطرسة القوة التي يشعر بها العدو لن تمكنه من تطويع إرادة شعب، بل نحن من سيطوع هذا العدو ونظهره بحجمه وحقيقته بدون رتوش، وستذوب مدن الملح بنيران الغضب اليمني، فالشعب الذي صمد ثماني سنوات بإمكانه الصمود عقوداً لأنه الحق وصاحب الحق وسيد نفسه الذائد عن كرامته وحريته الرافض للتبعية والارتهان لأشباه الرجال ؛ العصي على العبودية لحثالة من العبيد .
ليذهب العالم بنفاقه ومواقفه للجحيم ؛ ولتذهب دول العدوان إلى سقر وبئس المصير، وسيبقى شعبنا عزيزاً كريماً شامخاً كشموخ تاريخه وجباله الشماء .
أما التلويح والترهيب بإدراجنا، أو بعضاً منا، في قوائم الإرهاب فإن وصفهم لنا بهذا الوصف هو وسام شرف نعلقه على صدورنا، وطالما هذا العالم المنافق والمنحط والمجرد من الأخلاقيات يصفنا بالإرهاب فهذا شرف نعتز به، فالخوف هو أن يوصفنا بغير ذلك مثل أن يوصفنا بالأصدقاء أو الحلفاء فهذا هو الوصف الذي نخشى منه لأنه سيلحق بنا العار والخيانة لله ورسوله ولكل القيم الأخلاقية والدينية والحضارية والإنسانية. وسنقصف بإذن الله ورسوله مدنهم الكرتونية وسنحرمهم متعة الأمان وسنجعلهم في خوف دائم يستنجدون مرتزقة العالم لحمايتهم من غضبنا. إن هذا العدوان لن يكون عابرا أو قابلاً للنسيان، بل سيضع حدا لعلاقتنا مع أعدائنا وخاصة جيران السوء والخيانة لصوص اللصوص الذين يسعون من وراء كل عدوانهم هذا سرقة ثروات شعبنا والتحكم بجغرافيتنا، بالتعاون والتواطؤ مع بعض المرتزقة منا، ممن تربوا على خيانتنا وخيانة وطننا، والمتاجرة بأحلام شعبنا.