الآثار الاقتصادية للربا تُؤثّر في طريقة تخصيص الموارد وكيفية توجيهها للاستثمارات
الربا حرب الاقتصاد مع الله
التمويل في الاقتصاد الرأسمالي يعتمد بصورة أساسية على الاقراض الربوي و يفتقر إلى الكفاءة الاقتصادية
توقيف ما يقارب 70% من كتلة الدين العام عن المعاملات الربوية
استراتيجية وطنية للتحول الشامل نحو الاقتصاد الحقيقي
استفحل الربا في المعاملات الاقتصادية وسيطر على الاقتصاد حتى أصبح ركيزة أساسية في الاقتصاد العالمي فأرهق الناس واذاهم في معيشتهم وارهقهم اجتماعيا واقتصاديا ، كما إن انتشار هذه الظاهرة، والتساهل في شأنها؛ هو نذير شؤم على المجتمع بأسره فضلا عن أفراده ومؤسساته، وما تعانيه المجتمعات الإنسانية اليوم من حصار خانق، وأزمات اقتصادية حادة طالت كافة فئات المجتمع ؛ إلا بسبب محاربة الباري سبحانه بهذه الجريرة الماحقة للمال ورافعة البركة عنه ، الممحقة للرزق ، ولا أدل على شناعة الربا وفداحة تعاطيه من اتفاق شرائع الأنبياء على تحريمه وتجريمه ، والمؤلم في الأمر أن تجد النظام الربوي في الوقت الحاضر هو أساس التعامل للنظم الاقتصادية المعاصرة ، وانطلاقا من المسؤولية الإيمانية والوطنية هناك توجهات كبيرة في اليمن على مستوى القيادة الثورية والاقتصادية للحد من التعاملات الربوية في البنوك والمصارف والتعاملات المالية ..
الثورة / أحمد المالكي
.. السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أكد في المحاضرة الرمضانية الـ12 لعام 1440 هجرية أننا بحاجة إلى معالجة مشكلة من أخطر وأسوأ المشاكل الاقتصادية المدمرة والكارثية المتمثلة بالربا والتي تعد من أكبر الجرائم على الإطلاق.
وقال: إن الكثير من المرابين لا يستوعبون خطورة هذه المسألة، فالمرابي بحسب الشرع الإسلامي يعتبر مجرماً من أسوأ وأكبر المجرمين، وأننا بحاجة ماسة إلى مكافحة هذه الجريمة، وأن على الدولة أن تتخذ إجراءات حاسمة وجادة أولاً تجاه مؤسساتها التي تتعامل بالربا ومنعها نهائيا من التعامل بالربا، ثم على التجار أن يتقوا الله ويتوقفوا عن التعامل بالربا فإن لم يفعلوا فيجب أن يعاقبوا ويمنعوا رغما عنهم.
وفيما يتعلق بالإصلاحات والإجراءات التي يتخذها البنك المركزي والوسط الاقتصادي لإيقاف التعامل بالأنظمة الربوية أوضح هاشم إسماعيل محافظ البنك المركزي والقائم بأعمال رئيس اللجنة الاقتصادية العليا أن البنك أوقف ما يقارب 70 % من كتلة الدين العام عن التعاملات الربوية ولم يتبق إلا الـ 30 %. مشيراً إلى أن القطاع المصرفي اليمني بني على أسس ربوية استجابة للعولمة والرأسمالية واللحاق بركاب الغرب، وقال : نحن وتنفيذا لتوجيهات السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي في البنك المركزي نؤكد أننا نعد الآن استراتيجية للتحول الشامل نحو الاقتصاد الحقيقي، وهناك كثير من الأفكار للمشاريع والبرامج التي يجب أن نقوم بها، ونحن حالياً بصدد إعداد مسودة الاستراتيجية للتحول نحو الاقتصاد الشامل وسنشهد حتى شهر رمضان القادم حراكاً كبيراً وستتابعون أنشطة واسعة ومختلفة جدا في القطاع المصرفي لإعادة الوضع الصحيح نحو الاقتصاد الحقيقي، بدلاً من التعاملات الربوية الجوفاء التي حرص العدو الأمريكي والصهيوني على ترسيخها لمحق البركات من الله تعالى ويعتمد التمويل في الاقتصاد الرأسمالي بصورة أساسية على الاقراض الربوي، تنتج عنه آثار واضحة على الاقتصاد ككل وحتى على صعيد الأفراد في المعاملات الشخصية، ونورد فيما يلي الآثار الاقتصادية للربا:
أولاً: التمويل الربوي يؤدي إلى تركز الثروة من أبرز الآثار الاقتصادية للربا، أن الأموال تسير في اتجاه واحد، وهو اتجاه الوحدات التي تكسب دائما “الجهة المقرضة“، في حين يجب على الوحدات المقترضة أن تلتزم بتسديد القرض بالإضافة إلى الفوائد، سواء كانت هذه القروض توجه للاستهلاك أم للاستثمار، وسواء هذا القرض حقق ربحاً أم ثمة خسارة خلال استثماره.
ينتج عن ذلك تركز الثروة في المجتمع، وينتج لدينا مجتمع طبقي حيث يمتلك غالبية الثروة نسبة صغيرة من السكان، يشير العالم الإيطالي باريتو إلى أن 20 % من السكان يمتلكون 80 % من الثروة.
كلفة عقدية
ثانياً: كلفة الفائدة الربوية كلفة عَقدية مرتفعة يحمّل الإقراض الربوي العملية الإنتاجية كلفة إضافية يدفعها المنظم “صاحب المشروع” للممول “المقرض”، ترحل هذه الكلفة إلى المستهلكين من خلال الأسعار التي سترتفع بالتأكيد بسبب ارتفاع التكاليف.
وبما أن رأس المال عنصر لا يمكن للعملية الإنتاجية الاستغناء عنه، سيعنى ذلك أن التمويل الربوي سيكون سبباً في حدوث ما يسمى تضخم جذب الكلفة، تخيل عزيزي القارئ أنه في ستينيات القرن الماضي تم تقدير حصة الفائدة من تكاليف الإنتاج بما يقارب 20 %، أي خمس تكاليف الإنتاج يعني أن خمس سعر السلعة سيكون نتيجة للتمويل الربوي.
ثالثاً: التمويل الربوي يفتقر إلى الكفاءة الاقتصادية لا يُوجد التمويل الربوي دافعاً عند الممول ليقوم بإعادة توجيه الموارد المالية إلى الاستخدام الأكثر جدوى اقتصادية، لأن العائد على التمويل الربوي مضمون ولا يتأثر بنتيجة الاستثمار، هذا سوف يكرس بقاء المورد المالي مع المتمول “المقترض” طالما التزم بدفع الفائدة وقدم الضمانات اللازمة للمقرض، وبالتالي لن يكون المقرض مهتماً لطريقة استثمار المال بيد المقترض، في حين أن التمويل بالمشاركة يدفع الممول للبحث بصورة مستمرة عن فرص استثمارية أفضل.
وعليه فإن الآثار الاقتصادية للربا تؤثر في طريقة تخصيص الموارد، وكيفية توجيهها للاستثمارات.
رابعاً: التمويل الربوي تمويل لمن يملكون الأموال غالباً ما ينحاز التمويل الربوي إلى وحدات الفائض “من يملكون المال” ولكنهم بحاجة إلى السيولة، وذلك لأنهم ببساطة يملكون الضمانات والرهون التي تقنع المقرض بإعطائهم القرض، وبالتالي سينحصر منح التمويل لفئة الأغنياء وهذا يرسخ الطبقية. في حين أن هناك وحدات عجر “لايملكون المال” وليس لديهم ضمانات كافية لإقناع الممول، وقد يمتلكون كفاءة عالية لكنهم لا يحصلون على التمويل!.
خامساً: التمويل الربوي ليس عادلاً في توزيع المخاطر من الآثار الاقتصادية للربا أنه يحمل التمويل الربوي جميع المخاطر للمقترض في حين لا يحمل المقرض أي من المخاطر، فالمقرض يحتاط لنفسه بالرهون والضمانات بحيث تقل فرصة عدم الوفاء بالقرض لأبعد الحدود، في ذات الوقت يتحمل المقترض كافة مخاطر الاستثمار وفي حال خسارة المشروع سيكون المقترض عاجزاً عن سداد أصل الدين وسداد الفوائد المترتبة عليه.
تحميل جميع المخاطر للمقترضين يجعل النشاط الاقتصادي رهين تفاؤل أو تشاؤم المنظمين المتمولين وتحليلهم لمستقبل استثماراتهم مما يتسبب في دورات الأعمال، في حين لو أن رأس المال شارك في الربح والخسارة سيكون ذلك أكثر أمناً ويوفر جو أكثر صحية للاستثمار.
سادساً: الفائدة عقبة في وجه الاستثمار الحقيقي عندما يقوم المستثمر باتخاذ قرار الاستثمار فإنه يقارن بين كلفة التمويل “سعر الفائدة” وعائد الاستثمار الذي يتوقع الحصول عليه جرّاء عملية الاستثمار، فإن كان عائد الاستثمار أكبر أقدم على الاستثمار، لكن في حين لم يكن الفارق بين كلفة الاستثمار وعائد الاستثمار مقنعاً للمستثمر فلن يقدم على الاستثمار، ويخسر النشاط الاقتصادي فرصة استثمارية.
فمن الآثار الاقتصادية للربا أنه أصبح قيدًا على الاستثمار الحقيقي وعائقًا له، في حين لو أن التمويل كان بالمشاركة عندها ستكون البيئة الاستثمارية أكثر أمنًا، لأن رأس المال سوف يشارك في تحمل مخاطر استثمار.
سابعًا: يميل التمويل الربوي إلى التمويل قصير الأجل يتجه التمويل الربوي إلى الاستثمارات قصيرة الأجل والتوظيف المالي ويبتعد عن التمويل الحقيقي طويل الأجل، وذلك على الرغم من أن النشاط الاقتصادي الحقيقي يعتمد على الاستثمار طويل الأجل، ويحقق الاستقرار الاقتصادي في المجتمع.
ثامنًا: يسبب التمويل أزمات اقتصادية ومن أهم الآثار الاقتصادية للربا حدوث أزمات اقتصادية ومالية ودورات أعمال، حيث ربط بعض الاقتصاديين حدوث دورات الأعمال بالتمويل الربوي لأن الربا يعطي الحصة الأكبر من قيمة الناتج للأغنياء ويفقر جموع المستهلكين الذين يشكلون الجزء الأكبر من المجتمع، وحين يعجز المستهلكون عن شراء السلع سوف تتكدس السلع في الأسواق ويدخل الاقتصاد الركود ومن ثم الكساد.
وفي تفسير آخر لدورات الأعمال أشار الاقتصاديون إلى أن طريقة منح المصارف التجارية القروض للمستثمرين لا تتوافق مع أهداف المجتمع التي يعمل البنك المركزي على تطبيقها، فالبنوك التجارية تتوسع في الإقراض عندما يجنح الاقتصاد للتضخم مما يفاقم المشكلة، وتقلص القروض عندما يميل الاقتصاد للانكماش، وفي كلتا الحالتين هذا السلوك يكرس المشكلة ولا يوافق مصالح المجتمع.