السعودية وجرائم الحرب في اليمن

يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد


منذ جاء سلمان إلى سدة حكم المملكة حدث ويحدث في المملكة انقلاب على كل القواعد، وهو انقلاب في ظاهره تحديث وتجديد، وفي باطنه بعث لعوامل التفكيك التي سوف تصيب بنية المملكة في صميم البقاء، وقد تذهب بها إلى الفناء، بحكم التناقضات التي يمتاز بها العامل التاريخي، والذي كان الجامع له هو العصبية العقائدية، وحين يعمد ابن سلمان إلى خيار إصلاح البنية الاقتصادية، وينزع التمايز الاجتماعي من خلال تحرير الحياة الاجتماعية ، واعتماد سياسة العداوات الخارجية مع كل المحيط الإقليمي .
فالنشاط الأمني القلق في العراق، والعسكري المباشر في اليمن، وغير المباشر في سوريا، وإشعال فتيل الأزمات في المنطقة العربية مثل لبنان، وقطر، والصراع مع ايران في التنافس على المركزية الإقليمية، هذا كله بالإضافة إلى قيام ابن سلمان بهيكلة الحكام التقليديين وتحجيم دورهم، ودور المؤسسة الدينية التي يستند نظام آل سعود إليها كمرجعية آيديولوجية تبرر شرعية وجوده، مثل ذلك يفضي إلى نتائج سوف نشهد ملامحها في المستقبل المنظور، من خلال يقظة الهويات التاريخية، وصراع الوجود، وتقاطع المصالح، وهو الأمر الذي يقود إلى النهايات المحتومة للمستبد الذي يحاول أن يقفز على حقائق الواقع دون التدرج في التعامل معها، فقد دلّ التاريخ على أن المستبد الذي يحاول أن يكون شعبويا وفق النظريات الجماهيرية الاجتماعية الحديثة يفشل ويفقد سلطته، وهذا هو الحال الذي سوف يصل إليه محمد بن سلمان في قابل أيامه.
ما يجب أن ندركه أن نظام آل سعود شكّل حركة سياسية معيقة لليمن مذ تمَّ تأسيس هذا النظام مطلع عقد الثلاثينيات من القرن الماضي، ولذلك فنهوض اليمن يرتبط بفشل هذا النظام، وتفكيكه، وعلى القوى الوطنية أن تعي هذا المنحى وتوليه اهتماما خاصا، وذلك بالاشتغال على تناقضات هذا النظام وتغذية عوامل تفكيكه، فالحرب المعلنة على اليمن هي الناقوس الذي يفترض أن يدق في الذاكرة الحضارية كي تستعيد دورها ومكانتها في الخارطة الحضارية الجديدة .
لقد أنشأ عبدالعزيز نظامه على أسس عشائرية، وبالتعاضد مع التيار الديني الوهابي، الذي أصبح شريكا في الحكم، ويدير الشأن الديني، ويتحكم في مساره، وتمتد السلطة الدينية في سلالة محمد بن عبدالوهاب – مؤسس الوهابية، وآيديولوجية الوهابية تقوم على النصّية التي تعطل المدركات والعقل والتفكير، وتخلق لنفسها فضاءً نصيا تتحرك في مداره، وتدير من خلاله شأنها السياسي، لذلك كانت فكرة عدم جواز الخروج على الحاكم المستبد “وإن أخذ مالك، وجلد ظهرك ” فكرة رائجة تبرر للمستبد استبداده، وللطاغي طغيانه، وهي فكرة تهيأ لها المناخ البدوي العشائري لتصبح بعدا عقائديا راسخا في وجدان الناس، وفي المقابل وجد فيها العربي الصحراوي ضالته التي يبحث عنها لتبرير سلطته، وتبرير طول الأمد في البقاء فيها، في مقابل الحركة الحضارية والثقافية وتطوراتها في العالم الحضاري الذي يترك أثره علينا بشكل مباشر أو غير مباشر .
ظلت مملكة آل سعود منذ فجر تأسيسها تنحو هذا المنحى، وتمنح البعد الديني حضورا مكثفا، باعتباره سلطة مسيطرة على وجدان الناس وموجهة له، وتصد أي تفكير يخل بالبنيان الثقافي الذي تم تحديده سلفا، وتحضر الفتوى متى اقتضت الضرورة لتعيد المسار الذي ينحرف في البعد الحضاري المعاصر إلى سياقه المرسوم له بلا عوج ولا أمتى.
اليوم يقوم ابن سلمان بحركة انقلاب على كل المفاهيم والتطبيقات الاجتماعية الدينية والاجتماعية والثقافية في المملكة، وهو يسير وفق أسس ومنطلقات أحدث الاستراتيجيات الأمريكية، حيث أن سياسة هدم التطبيقات الإسلامية للمجتمعات العربية وتفكيك القناعات وإفساد الأجيال سياسة تضمنتها استراتيجية راند لعام 2007م والتي بدأ الاشتغال عليها منذ تفجرت أحداث الربيع العربي، وهي اليوم في مراحل بلوغ الغايات منها، بعد أن تم للغرب هدم النظام العام والطبيعي واستطاع تعويم المصطلحات والمفاهيم وعمل على تسطيح وعي الناشئة من خلال برامج مسابقات الفنون والشعر التي كانت تبثها الفضائيات فتترك أثرا تفاعليا في عموم الشارع العربي من أقصاه إلى أقصاه، وقد كنا في اليمن من أولئك الذين ينبهرون بالشيء فيقومون بالترويج له على مستويات متعددة من باب العصبيات وافتتانا بحالة الدهشة التي يحدها البرنامج في النفوس.
بلغ المستعمر غاياته ووصل إلى مراحل متقدمة، ونحن كأمة ننساق وراء الأشياء دون وعي، ودون إدراك لما يحدث، أو قراءة للأثر المترتب على التفاعلات، ولم نستبن الرشد إلى يومنا المشهود، وهو يوم يشهد كل التفاعلات الثقافية التي تستهدف القيم وتقاليد المجتمعات الإسلامية وتطبيقاتها، فالمرأة المحافظة بدأت تخرج في بث مباشر على منصات التواصل الاجتماعي كي تتحدث عن تجاربها المخلة بالشرف ومغامراتها العاطفية، في سابقة لم تكن معهودة في كثير من المجتمعات العربية .
لقد كان ابن سلمان مطية لكل غايات الغرب، وغايات الصهيونية، يمتطون حماقاته وتهوره، فهو حين يمارس غواية البدوي القديم في الغارة والسلب والنهب والتدمير لليمن، وحين يقصف صنعاء ويقصف جسورها وأنفاقها ومبانيها وفق طبيعة الهدم للعمران يشعر بسعادة، وفي مقابل تلك الحماقات تسكت المنظمات الحقوقية، وتسكت الأمم المتحدة، ويسكت المجتمع الدولي عن جرائم الحرب التي يرتكبها ابن سلمان في اليمن، لكن سكوتهم سكوت المتربص، وسوف نشهد عواقب تلك الأفعال وآثارها كأفظع وأشد وقعا وألما وابتزازا في المستقبل القريب، ليس على اليمن، بل على المملكة، وثمة مماثل حديث قد وقع لكنهم قوم لا يفقهون.

قد يعجبك ايضا