إن يوم الشهيد هو يوم ُعيد وتكريم وتبجيل للشهداء وأسر الشهداء الذين قدموا غوالي النفوس والأرواح في سبيل الله الملك القدوس .
إن يوما ًكهذا حُق لنا أن نسعد فيه ونحن نتذكر ُ مآثر الشهداء وبطولاتهم وتضحياتهم وفداءهم، إن يوما ًكهذا هو يومُ نتعرّف فيه على منن الله ونعمه التي وهبها للشهداء الأبطال الذين باعوا لله أرواحهم ونفوسَهُم الغالية وأراقوا دماءهم الطاهرة الزكية في بطن كل واد ٍ وعلى قمة كل جبل لتكون َكلمة الله هي العليا وافتداء ًللعِرض والأرض من تدنيس شذاذ الأرض وأدعياء الشيطان.
لقد منح الله الشهداء َحياة ًلا تبلى ولا تنتهي ونهانا عن أن نتفوه بكلمة موت في حقهم، فقال عز ُمن قائل (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِنْ لَا تَشْعُرُونَ) وقال تعالى (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ليس من السهل أن ينالَ المسلم ُ الشهادة في سبيل الله، إنما الشهادة اختيار ُواصطفاء ُ واجتباء واتخاذ ُمن الله لمن ارتضى له الشهادة حيث ُيقول الله تعالى (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ولا تكون الشهادة ُإلا لمن سلك بنفسه مسالك الصادقين في الله حق صدقه إرضاء ًله وتعبدا ًخالصا لابتغاء مرضاته، فهي إذا ً-أي الشهادة- لا تكون إلا لمن تعشّقها من خلال التزاماته الدينية من أوامر ونواهٍ فيوفقه الله لنيلها والفوز بها، إذ أن سلوكهم في الحياة الدنيا كان ينأي بهم عن مواطن الفساد والعجب والرياء وكثيراً ما كنا نرى أبناءنا الشهداء في الحياة الدنيا يتميزون عن غيرهم في أخلاقهم وسلوكهم وتعاملاتِهم مع الأقربين والأبعدين ومع من حولهم أجمعين كانوا أكثرَ تواضعا ًمع الناس واكثرَ إحسانا ًللمحتاجين وأكثرَ رأفة بالضعفاء والمساكين وأكثرَ انتصارا للمستضعفين، دون عُجب ٍأو رياء إنما ابتغاء مرضاة الله، وكانوا أصدق َ تعبدا ًلله في كل تحركاتهم وسكناتهم وكان ذلك التعبد ُ والارتباطُ بالله سرا ًاكثرُ منه علانية ً خوفا ًمن زهو النفس واطناب الناس فتذهب عباداتهم رياء، وكنا نراهم يمقتون الطغاة ويثورون على كل مظاهر الظلم والفساد .لقد علمَّوا المجتمع كيف يكون المرء ُ مظلوما ًفينتصر اقتداء ًبسيد الشهداء وإمام الأصفياء الإمام الحسين حفيد المصطفى صلوات الله عليه وعلى آله.
لقد استلهموا من مظلومية الشهيد ِ القائدِ السيد حسين بدر الدين الحوثي -سلام الله عليه- ومن حياته الجهادية وصبرِه ِ واستبساله ِ وتضحيته ِ وفدائه العظيم كيف ينتزع الحق َ انتزاعا ًمن أيدي الطغاة والجبابرة تعلموا الاّينام المؤمنُ مظلوما ًوسيفه في قرابه .
لقد علمونا أن الارتباط بالله ليس تمتمات ولا طقوس مجردة من العمل والتحرك في سبيل الله علمونا أن الإيمان بالله ما لم يصبحْ مجاهدةً وبذلاً وعطاءً وإيثاراً وإحساناً وما لم يكن ثقةً بالله وتوكل عليه وجهاد في سبيله فليس من الإيمان في شيء، وهو كمن يحرث في البحر .
فلنعلم جميعا ً أن الزمان دار دورته ووفّق الله الأمّة المحمدية بأعلام الهدى من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن جرّبنا كل الحكام من كل التوجهات، فماذا كانت النتائج سوى المهانة والمذلة والاستضعاف أما اليوم فقد هيأ الله لأولي البأس الشديد من أبناء الأمة أن من َّ عليها بقيادة مؤمنة تأخذ بيدها وترشدها إلى سبيل الهدى والفوز والفلاح لتخرجها من متاهات السُبل والضلال إلى أفق الطريقة السمحة وهيّأ الله كلَ أسباب ِ الفوز العظيم بمرضاة الله، فمن تعلق بهم نجا ومن تخلف عليهم غرق، إن الحُجّة قد قامت والمحجّة قد ظهرت ساطعة كالشمس في رابعة النهار ﴿ويحذركم الله نفسه﴾.
الله الله في ألاّ نبرح دنيانا حتى ننال ما وعدنا الله به ونفارق ما حذرنا منه لقد وعدنا الله إحدى الحسنيين فلا يردُّونا عن ديننا وحذّرنا من القعود والتخلف فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) صدق الله العظيم.
إن آباء َ الشهداء وأمهاتهم وأبناءهم وإخوانَهمُ وأهلهم همُ الأولى بالوفاء، الأولى بالرعاية، الأولى بالاهتمام والتقدير ما داموا أوفياء ً لدماء شهدائِهم سائرين على طريقهم معتقدين بصوابية نهجهم عاملين بها كيف لا وهم قد وهبوا لله َ فلَذَات أكبادِهم وأغلى أبنائِهم إننا نرى الوجودُ ينحني إجلالاً لأرواح الشهداء وتغيب الشمس خجلاً لبزوغ ِ شموسِهم الخالدة وواجبنا أن لا نظلم شهداءنا في محو آثارِهم وإماتةِ ذكرهم ونسيان ِبطولاتِهم ودفنِ تضحياتِهم وهضم فدائِهم بل علينا أن ننقش تاريَخهُم في قلوبنا اقتداءً وتأسياً وأن نحيي أنفسنا بذكر أخلاقهم ونستنهض هِمَمَنا بفدائهم العظيم ونبعث فينا تضحياتهم فنقفوا خُطُواتِهم ونقتص آثارَهُم ْ ونمد ُ يد العرفان والامتنان لأُسرهم وذويهم وفاء ًلصدقهم وتضحياتهم.
إن هذه الانتصارات التي نتفيأ ظلالَها الوارفة َ ماهي إلا نعمة من نعم الإله صيغت بدماء أبنائكم الشهداء، أيها الصادقون من أسر الشهداء يا رفاقهم يا جيرانهم يا أبناء وطنهم كونوا على صدق ما عاهدتموهم عليه والحقوا بالركب الذي استبشر بكم واعملوا بوصاياهم تفوزون غدا ًكما فازوا.