زوجات ومطلقات: ما حصلنا عليه لا يلبي أدنى المتطلبات المعيشية الضرورية



شهدت المحاكم في مختلف محافظات الجمهورية خلال العقد الماضي ارتفاعاٍ كبيراٍ في إقبال النساء المتزوجات والمطلقات اللاتي يطالبن المحاكم بإصدار أحكام على أزواجهن ومطلقيهن بتقديم النفقة لهن جراء تركهم لسنوات عديدة دون تقديم متطلبات المعيشة لهن أو مقابل حضانتهن للأبناء صغار السن..
إلا أن الكثير منهن ورغم حصولهن على أحكام نافذة بحقهن في النفقة يشعرن بضآلة تلك المبالغ التي حصلن عليها وبانحياز القانون للزوج أو الطليق الأمر الذي يزيد الوضع اشتعالاٍ بين أفراد أسر الطرفين ( الزوج والزوجة) أو ( الطليق والمطلقة) وهذا ما يؤكده مضمون التحقيق التالي:
البداية كانت مع الأخت/ نجوى مبخوت التي روت قصتها مع مشاكل النفقة التي بدأت منذ تزوجت قبل عشر سنوات برجل من جيرانها عاشت معه لمدة عام فقط في حياة مأساوية أذاقها المر- حسب قولها- فهو لم يكن ينفق في ذلك العام إلا الشيء البسيط الذي لا يصل حد الكفاية في اقل صورها وان اغلب أيامه معها كان ينفق ما يحصل عليه في شراء عشبة القات والسجائر ويحرمها من متطلبات البيت الأساسية من مأكل ومشرب ومع ذلك صبرت وتصابرت في سبيل إن الله سيصلح الشأن وفي سبيل ان زوجها سيعود لرشده ويحس بالمسئولية غير أنها تفاجأت بعد عام من الزواج وهي في شهرها السادس من الحمل باختفاء زوجها وتركها في ظروف معيشية صعبة وعندما ذهبت للسؤال عليه لدى بعض أقاربه المتواجدين في صنعاء كان ردهم انه اخبرهم برغبته الهجرة إلى السعودية للعمل.
مشيرة إلى أنه منذ ذلك التاريخ لم يرسل لها أي مبلغ ولم ينفق عليها وابنتها منه التي بلغ عمرها اليوم تسع سنوات وهي لا تعرف أباها كما انه لم يسأل عليهما حتى اليوم فهي تعيش في إحباط نفسي ومعنوي وفي ضائقة مادية صعبة لتراكم الديون عليها.
نفقة وخلع
وتضيف نجوى قائلة: ان الحياء والأعراف والعادات والتقاليد آخر شيء طيلة تلك المدة من تقديم دعوى للمحكمة ضده بعد ان أهدر شبابي والآن نفذ صبري فتقدمت إلى المحكمة بدعوى نفقة وخلع أيضاٍ.
غلاء وظلم..
* اما مريم خالد البالغة من العمر 29 عاماٍ فتحدثت عن تدني مبلغ النفقة قائلة: بعد عام ونصف من رفعي دعوى نفقة على طليقي حكمت المحكمة بثلاثين ألف ريال نفقة شهرية لي ولابنتي إلا أن مبلغ النفقة المحكوم به ضئيل جداٍ مقارنة بدخل طليقي المادي الذي يعمل مدرساٍ ولديه راتب بالإضافة إلى أن لديه أموالاٍ يقوم بتشغيلها لدى بعض أصحابه في تجارة بيع وشراء السيارات يحقق من ورائها أرباحاٍ كبيرة- حسب قولها- غير أنه وبحيلة منه استطاع إقناع المحكمة ان ترسل مذكرة لجهة عمله لطلب نسخة من كشوفات الراتب لكي يتسنى للمحكمة معرفة مقدار راتبه وهو ما حدث بالفعل وقدرت المحكمة بموجب ذلك النفقة بثلاثين ألف ريال شهرياٍ وحينذاك ذكرت للقاضي ان طليقي يملك أموالاٍ أخرى غير مرتبه فطلب مني ان اثبت ما ادعيت به إلا أنني لم أستطع ان اثبت ذلك فقدرت المحكمة النفقة بموجب الراتب.
واستطردت بالقول: ان هدف طليقي من وراء ما حصل هو محاولة إجباري على التنازل عن حضانة ابنتنا لكنها طرحت عدداٍ من التساؤلات تتعلق كيفية الصرف على ابنتها وتلبية متطلباتهما ومتطلبات حياة كريمة ارجوها لهما ولي في ظل غلاء المعيشة¿.
وتختتم مريم بالقول: هناك الكثير من الرجال ظالمين في بلادنا ودول العالم الثالث وعديمي الشعور بالمسئولية الدينية والأخلاقية تجاه أبنائهم وبناتهم الذين يتركونهم عند أمهاتهم المطلقات دون تقديم النفقة الكافية لهم كما أنهم يمعنون في ظلمهم بقصد قهر مطلقاتهم وإذلالهن ومعاقبتهن رغم أن أكثر المتضررين من ذلك هم الأبناء لأنهم يعيشون لدى الأم في مستوى معيشي ضعيف في حين أن آباءهم ميسورو الدخل..
غرفة مظلمة وضرب
* ومن جانبها تقول الشابة س – ع البالغة من العمر احدى وعشرون ربيعاٍ: تزوجت قبل حوالي خمس سنوات في مكان لا يصلح أن يكون منزلاٍ فهو عبارة عن غرفة مظلمة وبلا تهوية وصالة صغيرة مع حمام صغير وأن مسمى ذلك بالمنزل لا يصلح لسكن الآدميين- حسب قولها- فلا مقارنة لا من قريب ولا من بعيد بمنزل والدي الذي كنت اسكن به ولا أي منزل آخر بذلك المنزل ومع ذلك صبرت وتحملت العيش في مثل هكذا مكان إلا ان تضحيتي تلك لم تشفع لي عند زوجي الذي كان يسيء معاملتي ويعتدي علي بالضرب باستمرار.
وأوضحت قائلة: ما زاد الطين بله ان زوجي من ثاني شهر بعد الزواج لم ينفق علي ريالاٍ واحداٍ وحتى اليوم ومنذ ذلك التاريخ كان والدي هو من يقدم لي المساعدة وينفق علي ويوفر لي متطلبات المعيشة والسكن من غذاء وإيجار معتقداٍ بأن ما ينفقه مسألة وقت حتى يحصل ذلك الزوج على عمل أو وظيفة إلى أن طفح به الكيل بسبب استهتار زوج ابنته واستغلال طيبته فهو لم يتعب نفسه للبحث عن وظيفة ناهيك على أنه يسئ معاملة ابنته ويصل به الأمر إلى ضربها وسبها وهو ما يجعل والدي يأخذني لمنزله قبل حوالي العام والان قام برفع دعوى نفقة عليه معللاٍ ما قام به بأنه بسبب ما لحق بي من ظلم وقهر وليس لغرض النفقة أو المال فهو من كان ينفق علي منذ دخول الشهر الثاني من الزواج ولا يمانع في الاستمرار لو كان ذلك الزوج مخلقاٍ ويحترمه ويحترمني كما إصر والدي ان لا ارجع لزوجي إلا بعد ان يقوم بتوفير منزل مناسب ولائق لي بالإضافة إلى دفع نفقة عام كامل حسب ما هو مقرر قانوناٍ.
رأي القانون
* وعن رأي القانون بقضايا النفقة ومدتها تحدث المحامي/ ياسر محمد الروضي بالقول: تعد قضايا النفقة التي يستقبلها مكتبي هي من هذا النوع أما القضايا المدنية والجنائية التي تأتي للمكتب فتعتبر قليلة نسبياٍ وهذا لا يعتبر مقياساٍ فهناك اختلاف من محام إلى آخر في ذلك.
وأضاف: كما أن النفقة ليست واجبة في كل الأموال وقد وضح القانون ذلك في العديد من مواده وفقراته وعلى سبيل المثال لم يجز القانون النفقة للزوجة في حال امتناعها عن الانتقال إلى بيت الزوجية أو إذا تركت بيت الزوجية من دون عذر شرعي كما أن القانون أكد على عدم استحقاق الزوجة للنفقة اذا عملت خارج المنزل دون موافقة زوجها وكذلك اذا امتنعت عن السفر مع زوجها دون عذر شرعي وفي حالات أخرى فرض القانون النفقة على الزوج لزوجته وعلى سبيل المثال في حال ترك الزوج لزوجته في منزله او في منزل والدها دون أن يوفر لها متطلبات المعيشة.
وأضاف الروضي: ان القانون حدد المدة التي يحكم للزوجات بالنفقة عند رفعهن دعوى قضائية وهي نفقة سنة سابقة على المطالبة القضائية فقط وان ذلك ما تجهله الكثير من الزوجات اللاواتي يتأخرن عدة سنوات عن المطالبة بحقهن في النفقة عن طريق المحكمة معتقدات خطأ بأنهن سوف يحصلن على نفقة تلك السنوات عند مطالبتهن بالنفقة قضائياٍ ومن ثم تفاجأن عند صدور الحكم بإلزام الأزواج بنفقة عام سابق على رفع الدعوى فقط.
اعتقاد خاطئ
* الأخ/ خالد محمد السعواني احد الآباء لستة من الأبناء ثلاثة يعيشون معه وثلاثة في حضانة والدتهم بعد أن طلقها تحدث قائلاٍ: إن زوجتي كانت تختلق المشاكل والشجار لغرض الطلاق والاستفادة من الفلوس التي ستحكم بها المحكمة لها مقابل نفقة حضانة أولادي الصغار إلا أن ذلك لم يكن بالسهولة التي تصورتها حيث تقدمت إلى المحكمة بدعوى نفقة وفسخ عقد النكاح وبعد قرابة العامين من الصراع حكمت لها المحكمة بالفسخ وحضانة الثلاثة الأبناء الصغار وبنفقة خمسة وعشرون ألفاٍ شهرياٍ على ان تسمح لي بزيارتهم يوم في الأسبوع وحينذاك التزمت بتشريف ذلك الحكم وتنفيذ ما جاء فيه مع العلم أنني قد عرضت عليها حل المشكلة ودياٍ من البداية قبل الدخول في خصومة أمام المحاكم وعرضت عليها إذا كانت مصرة على الطلاق فلا مانع لدي ومستعد للطلاق الودي وان أسلمها خمسة وثلاثون ألف ريال نفقة للأولاد الصغار شريطة ان يقضوا معي يوماٍ كاملاٍ في منزلي أسبوعياٍ غير أنها رفضت ذلك فقمت بتوسيط بعض الأقارب لإقناعها بما عرضته لكن دون جدوى متحججة بأن المحكمة من ستأخذ بحقها معتقدة خطأ بأن المحكمة ستحكم لها بنفقة لا تقل عن خمسين ألفاٍ غير أن ذلك الحكم جعلها في حالة هستيرية فالحلول الودية التي عرضتها كانت أفضل لها مما جاء في الحكم وهو ما ادى بها إلى منعي من رؤية أبنائي الصغار نهائياٍ قاصدة من ذلك الفعل إجباري على دفع ما قد عرضته من نفقة سابقاٍ.
وأضاف السعواني: بعد أن ” مرمطت” بي ثلاث سنوات في المحكمة لا استطيع الآن دفع ما عرضته عليها سابقاٍ بل أنني أصبحت أعاملها بالمثل ورفضت دفع ما حكمت به المحكمة من نفقة بالإضافة إلى منع أولادي الكبار من زيارتها حتى تسمح لي برؤية أبنائي الصغار الذين حكمت المحكمة لها بحضانتهم.
وأشار قائلاٍ: إن تعنت طليقتي وعدم تنفيذها للحكم الصادر عن المحكمة جعل الكثير من الأهل والأصدقاء ينصحوني باللجوء إلى المحكمة لتقوم بإنصافي منها إلا إنني رفضت تلك النصيحة حفاظاٍ على مشاعر أبنائنا وحتى لا أكون مثلها حين لجأت إلى المحكمة بدون أسباب مقنعة وكذلك احتراماٍ للعشرة السابقة ولاعتقادي بأن الزمن كفيل.
في أن يردها إلى رشدها.
وفي الختام توجهنا بسؤال للقاضي فوزي علي أحمد حول مدى إقبال الزوجات على المحاكم من أجل المطالبة بالحكم لهن بالنفقة ومقدار النفقة وهل يختلف ذلك المقدار من شخص إلى آخر فرد قائلا: إن قانون الأحوال الشخصية أوجب على الزوج النفقة للزوجة من وقت العقد اذا اشترطت ذلك والا فمن تاريخ الزفاف وتتمثل تلك النفقة في الغذاء والمسكن والمعالجة والملبس كما ان القانون أوجب أن تقدم نفقة الزوجة على غيرها من النفقات الأخرى.
وأضاف: وخلال العقد الماضي شهدت المحاكم ارتفاعاٍ كبيراٍ في عدد الزوجات اللاتي لجأن إلى مختلف المحاكم في إنحاء الجمهورية للمطالبة بالنفقة مقارنة بما قبله من العقود السابقة أما مقدار النفقة واختلافها من شخص لآخر فالجواب على ذلك هو أن تقدير النفقة سلطة تقديرية للقاضي والعبرة في ذلك بحال الزوج يسراٍ وعسراٍ أي ان دخل الزوج المادي هو المقياس.

قد يعجبك ايضا