يقال، يبدأ الشيء من حيث ينتهي، والملاحظ أن العدوان بدأ فجأة من واشنطن، وأجد يقيناً أنه سوف ينتهي من حيث بدأ وبنفس الصفة «فجأة «، وبدون مقدمات، كما بدأ فجأة وبدون مقدمات، الموضوع ليس كما يتصوره المرتزقة الذين غاب عنهم أن العالم من حولهم يتحرك وفق مصالحه وليس وفق مصالحهم فوقعوا في مصيدة التوظيف لمصالح الآخر، فكان عقوقهم لليمن هو اللعنة التي سوف تلاحقهم إلى قبورهم وتجعل منهم أوراقاً غير قابلة للاستمرار اليوم وفي قابل الأيام .
لقد بدأت أجندات الغزاة لليمن تتغير وبالتالي صاحبها حركة تبعيد وإقصاء لجماعات وأفراد وأحزاب ومكونات، والحركة في أوج نشاطها اليوم في مناطق الاحتلال، والكثير من المحللين يرون أن الإخوان هم على قائمة المستهدفين ليس على المستوى اليمني، بل على المستوى العربي، فقد كانت تجربة مصر هي الدليل الذي يسير عليه قيس بن سعيد في تونس، وربما سوف يحدث في اليمن نفس السيناريو في ليبيا، أو يحدث في ليبيا نفس السيناريو، بالقياس على تقييم التجارب بين الحالين بما يتسق وأهداف المستعمر .
الكثير من المحللين يربط بين التقارب التركي الإماراتي وبين إعلان الاستغناء عن خدمات الإخوان، وهي خدمات تركزت في تفكيك الأنظمة العامة والطبيعية في المجتمعات العربية وفي استهداف التطبيقات الاجتماعية للإسلام التي بدت – مذ قاد الاخوان حركة الاضطرابات والقلاقل والثورات – وكأنها تهديد واضح للمستويات الحضارية الحديثة وخطر محدق بالإنسان، ومهدت لفكرة (سايس بيكو 2)التي يشتغل عليها النظام العالمي اليوم تحت لافتات جديدة , حيث بدأت بمصطلح الشرق الجديد، ففشلت ثم تغيرت إلى مشروع الخلافة وكانت تركيا هي محور الارتكاز للفكرة ومنها بدأت ومنها سوف تنتهي .
تحرك ابن زايد جاء وفق استراتيجية هو نفسه لا يملك خياراً فيها، بل لا يسعه فيها إلا التنفيذ ليس أكثر من ذلك، فالليرة التركية بدأ جدارها يتصدع إلى درجة أن الكثير من قادة الإخوان خرجوا على منصات التواصل الاجتماعي صارخين في لهفة المستغيث بضرورة إنقاذ الليرة التركية، بل قرأت لأحدهم تغريدة تقول «أنقذوا الليرة التركية ما لم سوف تنتهك أعراضكم»، هم يتوجسون خيفة من ابن زايد الذي يقود مشروع تفكيك وجودهم الاجتماعي والسياسي الذي تمتن بعد عام 2007م، وزاد تمكناً بعد أحداث الربيع العربي الذي اجتاح الشارع العربي وكان الاخوان هم قادته، وهم الفاعلون فيه، والمتحكمون في مساراته، والقابضين على زمام مقاليده، وقد بلغت أمريكا والصهيونية غايتهما منهم، ولذلك لن يتجاوز مصيرهم مصير كل العملاء الذين عبروا في التاريخ .
قيمة الكيانات والجماعات والأفراد تكمن في ذواتهم وفي تفجير طاقاتهم النفسية والفكرية والابداعية، وفي الاعتزاز بهويتهم الحضارية والثقافية والتاريخية والايمانية، ولذلك نرى من يتكامل في الآخر ولا يجد نفسه إلا تابعاً أميناً، ويتحرك في مسارات مرسومة ولأهداف مشبوهة يصبح هباء منثوراً في فضاء التاريخ والأحداث .
من حين اشتغل النظام العالمي على فكرة شبكة الإسلام المعتدل نرى الجماعات والكيانات والتنظيمات المرتبطة بالجهاز الاستخباري تظهر فجأة وتختفي فجأة، تنشط متى يراد لها النشاط وتخمل متى أريد لها الخمول، والملاحظ أن فكرة محاربة الإرهاب توارت من الخطاب الإعلامي والسياسي أو كادت، وحضرت فكرة الصراعات والنزاعات الوطنية وتفكيك البناءات الثقافية وتنمية التمايز الطبقي والعرقي والثقافي، وبدأت فكرة عولمة القيم وتنمية حالة الانهيار الأخلاقي في المجتمعات، فالصهيونية تشتغل على معايير ثقافية ومعالم معرفية للوصول إلى فكرة التخلص من شرور العالم من خلال تنمية أسباب ظهور المخلص وفق معتقداتهم ومن أسباب الظهور شيوع الفساد في البر والبحر والانهيارات المتوالية في القيم والأخلاق، وكثرة سفك الدماء .
هذا الاشتغال مشهود في بقاع شتى من العالم وفي الوطن العربي على وجه الخصوص، وقد سبق لنا الكتابة عن الظواهر الأخلاقية التي شاعت أثناء مهرجان الجونة بمصر.. وها نحن اليوم نشهد من منظم المهرجان – رجل الأعمال سايروس- هجوما كاسحا يستهدف الرموز الفنية التي تحترم الفن وتراه رسالة وقيمة وليس فسادا، الأمر الذي يؤكد أن المهرجان لم يكن بريئا البتة , بل كان ممولا من جهات مشبوهة لغرض حجم التأثير للرموز الفنية على المجتمعات، وليس ببعيد عن البال ما يحدث وحدث في ذات التوقيت مع مهرجانات الترفيه بالسعودية، أما الإمارات فالحديث عنها أصبح من النوافل باعتبار ذلك التفسخ والانحلال من أساسيات نهوضها وهو الشرط نفسه الذي تفاعل معه ابن سلمان حين أطلق خطة 2030، واختط مدينة نيوم كمدينة منفتحة على كل الموبقات .
الحرب المستعر أوارها اليوم في عموم الجغرافيا العربية واليمنية على وجه الخصوص هدفها استمرار التيه والضياع وشيوع الفوضى حتى يصل العالم إلى قناعة بأن العرب أمة متوحشة تشكل خطرا على الحضارة الإنسانية، وهي غير قادرة على التعايش مع المتسق ثقافيا معها، فضلا عن المختلف ولذلك لابد من احتلالهم .
وأجد نفسي منحازاً إلى فكرة أن العدوان على اليمن سوف ينتهي فجأة في البدايات الاولى للعام الميلادي الجديد كما بدأ فجأة لكن دون الوصول إلى تسوية سياسية تساهم في عملية الاستقرار بل قد أعدوا العدة لصراع طويل الأمد يهدف إلى استنزاف القدرات البشرية وزعزعة القناعات الفكرية والثقافية وتعويم المصطلحات حتى يبلغ المستعمر غاياته وأهدافه، وقد صرخنا طويلا وقلنا إن معركتنا في الجبهة الثقافية لا تقل أهمية عن الجبهة العسكرية ولا بد من الاشتغال على ذلك ليس في مستوى واحد ولكن في كل المستويات .