العلامة المجاهد عدنان الجنيد ل”الثورة”: الجهاد من منبر الكلمة .. واجبٌ لا يقتصر على العلماء فحسب، بل يشمل كل مؤمن ومؤمنة 

 

اضطلعتُ بتفنيد أباطيل الفكر الوهابي وتعريته منذ دراستي في المرحلة الثانوية
تعرضت للاعتداء عند خروجي من المسجد جرّاء إلقائي خطبة نارية تفند أضاليل الوهابية .. ورُصِدَت جائزةٌ ماليةٌ لاغتيالي
كنت أوفر من مصروفي المدرسي ومصروف الجامعة لشراء الكتب التي أستقي وأرفد بها فكريَ الجهادي
تعرضت للتحقيقات والسجن غير مَرَّة .. وكنت أخرج من السجن أكثر إصراراً وأفصح جهاداً

ما كل من حمل عِلماً فهو عالم، فالعالِم ليس من جمع المعلومات، بل العالمُ من عمل بعلمه. هنا يتضح الفرق بين من خدم الدين، وبين من سخر علمه لخدمته الشخصية وأهوائه ونزواته، أو لخدمة حزبه ورؤسائه.
في هذا الحوار الجهادي الشيق، نقف إجلالاً لواحد من أبرز علماء اليمن العاملين بعلمهم، المجاهدين بفكرهم ومواقفهم، الذين لم تُثنِهم عن دربهم الجهادي والصدع بقول الحق إغراءات المبطلين ولا إملاءاتهم، كما لم تُوقفهم تهديدات الجبارين ولا تهويماتهم..
العلامة المجاهد عدنان الجنيد . عرفته سنة 1996م أو 97 مجاهداً، يفند -بمعرفة وحصافة وإقناع بالحجة- كافة أكاذيب الوهابية، في فترةٍ كان الصدع بالحق في وجوههم أمراً غير وارد في تصورهم ووفق معطيات العقل والمنطق، نظراً لسيطرتهم على مقاليد الإرشاد والتعليم، إبّان دولة بايعتهم على ذلك رضوخاً لإملاءات مملكة قرن الشيطان، خشيةً على كرسي الحكم والسيادة التي لم يكن منها إلا الإسم والرسم، فقد كانوا يتغلغلون في كافة أرجاء الوطن، يبثون سمومهم الوهابية في العلن، باسم الدين، تطاولاً على رب العالمين، وعلى سيد النبيين..
حينها، وقف لهم عَلَمٌ من أعلام الحق، وسيفٌ من سيوف الله، العالم الرباني، والمجاهد القرآني سيدي العلامة عدنان الجنيد، مع من وقفوا من أعلام الهدى، بل كان له قصب السبق في مواقف وأطروحات عدة لا يستطيع أحدٌ إنكارها .. حتى إذا بزغت شمس المسيرة القرآنية، كان لها رافداً فذاً لا يستهان به، وركناً من أركانها لا يُستغنى عنه.
في هذه الحلقة من هذا الحوار، نتناول أبرز مراحل جهاده وتصدّيه لأعداء الأمة والدين، وفي الحلقات القادمة -بمشيئة الله تعالى- نبحر معه في آفاق علمه وتجلياته، ونستخرج من بحره ما شاءه الله من درر حكمته وفهمه.. فإلى الحوار:

حوار/
صلاح محمد الشامي

البعض يقصر معنى الجهاد على حمل السيف فقط ويهمل الجوانب الأخرى رغم أهميتها البالغة. ماهو مفهوم الجهاد بشكل عام؟
ما من شك بأن الجهاد في سبيل الله يُعَدُّ من فرائض الله تعالى التي لا يكتمل دين المرء إلا بها ،بالتالي فإن الجهاد لايقتصر على قتال أعداء الله بالسلاح فحسب، بل هو واسع الدلالة ومتعدد الأساليب خاصة أنه يعني في اللغة بذل الجهد أو بذل المجهود، فمنه الجهاد بالكلمة المتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والصدع بكلمة الحق في مواجهة الظالمين والفاسقين والمنافقين وهو ممّا يعد من أعظم الجهاد ، وهذه المهمة ليست مقصورة على العلماء فحسب ، بل هي مهمة كل مؤمن ومؤمنة، كل بأسلوبه الذي منحه الله إياه .. المهم أن يكون في إطار الشرع الشريف وتحت ظلال النص الكريم، ومن هذا المنطلق فقد قمنا بواجبنا بحسب طاقتنا ونسأل الله أن يتقبل ذلك ..
نعم سيدي العلامة. عرفتكم منذ 25 سنة مضت وأنتم من على منبركم الإرشادي تفندون أباطيل أدعياء الدين. هلا حدثتمونا عن أهم مراحل جهادكم بالكلمة، منذ تصدركم مشهد التصدي للوهابية، ومنافحتكم عن جناب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟
الحمد لله أولاً أن شرفني للجهاد في سبيله، وعلى ما منحني من فضله. وهنا سأعرض بإيجاز مراحل جهادي بالكلمة، وسأقسّمها إلى أربع مراحل، تمثلت بالآتي :
المرحلة الأولى
وقد بدأت مرحلتي الأولى فور تخرجي من المرحلة الثانوية العامة، واستمرت إلى أن أنهيت دراستي الجامعية، وقد تمثلت بالآتي :
بدأ جهادي بالكلمة بشكل أكبر فور انتهائي من المرحلة الثانوية العامة وبداية دخولي الجامعة ، وكان جُل جهادي آنذاك منصباً في تفنيد أكاذيب و أباطيل الفكر الوهابي وتعريته أمام عامة الناس ، فقد كان للفكر الوهابي -في تلك الفترة- حضور كبير وانتشار واسع النطاق في المحافظات اليمنية كافة ، وله قواعده ومؤسساته ومراكزه ومعاهده، ولا تكاد تخلو منطقة من معهد وهابي، ناهيك عن سيطرتهم على المساجد و وزارتي الأوقاف و التربية والتعليم – تصوروا حجم الكارثة في ذلك-، وقد تكلمت عن هذا الموضوع في بحثنا الموسوم بـ” الهوية اليمنية في مرمى استهداف الصهيو وهابية ” فارجع إليه لتعرف عن هذا الموضوع بشكل أوسع .
ولقد كان لي مع أتباع الوهابية حوارات و مناظرات استطعت من خلالها – بتوفيق من الله -إيصال هدى الله إليهم بقوة حجته القاهرة وبيان محجته الباهرة .. فعاد -ولله الحمد والمنة- الكثير من المخدوعين بالفكر الوهابي الخبيث إلى جادة الصواب ، ناهيك عن زيارتنا المتكررة لأصحابنا الذين ظلوا في حيرة عن معرفة الحق هل هو مع الوهابية أم مع غيرهم !!.. حيث قمت بزيارتهم بمعية بعضٍ من أصدقائنا ، وقد وفقنا بإقناعهم وإخراجهم من حيرتهم وإرشادهم إلى الصواب .
وفي تلك الفترة – تقريباً في عام 93م – بدأت تظهر في بعض مكاتب تعز كتب السيد حسن علي السقاف، وكذلك ظهر كتاب مهم وهو” كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبدالوهاب ” فكنت أسارع لشراء هذه الكتب وأقوم بتوزيعها بين عامة الناس حرصاً مني على هدايتهم إلى الإلمام بحقيقة هذا الفكر ومراميه الخبيثة .
هل كان هناك مصدر ما للدعم، تستعينون به على جهادكم، خاصة وأنتم في هذه المرحلة لا تزالون في مرحلة الدراسة، أي بلا عمل؟
كنتُ أحرص كثيراً على تقنين مصروفي اليومي – أيام دراستي الجامعية – لدرجة أجبرتني إلى حرمان نفسي وزوجتي وأولادي للكثير من احتياجاتنا سعياً لادخار الجزء الأكبر منه كي أشتري به مثل هذه الكتب.
ماهي أبرز أعمالكم البحثية في هذه المرحلة؟ وما هي ردود الفعل التي تعرضتم لها؟
كانت بداية كتاباتي في أيام دراستي بالجامعة لا سيما في السنة الأولى، حيث بدأت بكتابة البحوث في الرد على الوهابية مثل : بحثي الموسوم بـ : ” الصاروخ العدناني على ابن تيمية والألباني ” ..
وفي تلك الفترة كان يغلب عليَّ طابع الحدة في وضع العناوين للبعضٍ من بحوثي، ولهذا قمت بتغيير عناوين مثل هذه البحوث التي يظهر فيها نوع من الحدّة فرضتها المرحلة .. وفور انتشار بحثي المذكور آنفاً بدأ عداء الوهابية لي يظهر جلياً، تمثل ذلك في مجيء مجموعة من الوهابيين -عددهم يقارب الثلاثين شخصاً- إلى منزل والدي يحملون معهم كرتوناً كبيراً يحوي كمية كبيرة من كتيبات وكتب الوهابية بهدف إقناعي بضلال الصوفية وصوابية آراء ابن تيمية والألباني في ذلك، ودار النقاش بيني وبينهم من الساعة الثالثة عصراً إلى وقت أذان المغرب، ثم خرجوا بخفي حنين، وكان ذلك في نهار رمضا .
هذا وفي تلك الفترة كان أغلب الدكاترة الذين كانوا يلقون دروسهم علينا في كلية التربية بتعز من المنتمين لتنظيم الإخوان المسلمين ، وكان غالبية الطلاب الدارسين هناك من المتأثرين بفكر الإخوان ، وكانت تحدث نقاشات كثيرة بيني وبينهم جعلت الكثير منهم يحملون لي العداء ظهر ذلك في كلامهم.
هلا ذكرتم أحد تلك المواقف؟
كان لي مواقف مع بعض الدكاترة ، أحدهم مصري، كان – ذات يوم -يلقي محاضرة علينا في القاعة، فكان مما قال : إن فاطمة أخطأت بطلب إرثها (أرض فدك) من أبي بكر ، وإن أبا بكر كان محقاً عندما منع إعطاءها ذلك…
ولما سمعته يقول ذلك لم أتمالك نفسي من الغضب فقلتُ له : إن فاطمة -عليها السلام – بضعة من رسول الله وهي محقة في طلبها ، وإذا كان أبو بكر أغضبها فما تقول في الحديث الذي رواه البخاري : ” فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد أغضبني ” ؟!
فسكت الدكتور برهة من الزمن ثم أخرجني من القاعة هروباً من الجواب على سؤالي..
وأصبحت في نظره و في نظر الطلاب صوفياً رافضياً ..
وهكذا ظللت جل أوقاتي -طيلة فترة دراستي في الجامعة- أقضيها في نقاشات ومشادات كلامية، وبعد جهد كبير استطعتُ أن أكسب الكثير من الطلاب بأفكاري وأطروحاتي ونقاشاتي المثمرة .
وأثناء تلك الفترة كنتُ خطيباً لمسجد الحارة ” جامع الهدى ” ، وكان مسجداً صغيراً لكنني استطعت من خلاله – بتوفيق من الله- أن أصدع بفكري الحر ، وفنّدتُ كثيراً من أفكار الوهابية.
وذات مرة كان موضوع خطبتي في الجمعة عن معاوية بن أبي سفيان ، حيث بينت للناس جرائمه المريعة وفواقره العظيمة، وبعد الانتهاء من الصلاة حاول البعض أن يعتدي عليَّ ، فحدث في المسجد اشتباك بين المؤيدين لي وبين المخالفين الذين حضروا المسجد من خارج منطقتنا..
وقد كان لي مواقف كثيرة مع خطباء الوهابيين ، فمن هذه المواقف -على سبيل المثال لا الحصر- أني ذات مرة سمعت محاضراً متطرفاً يحاضر المصلين بعد صلاة المغرب في مسجد الهادي الذي يبعد عن منزل والدي مسافة كيلومتر ونصف تقريباً ، سمعته عبر مكبر الصوت “الميكرفون” وأنا في منزل والدي وهو يسيء بكلامه إلى الإمام أحمد بن علوان – قدّس الله سره- فلم أستطع الصبر حتى ذهبت مسرعاً إلى المسجد وقلت له -أمام الحاضرين وكان بينهم بعض الصوفية- : اتق الله ولا تسئ إلى أولياء الله، فأنت لا تعرف عن ابن علوان أي شيء ، فكيف تنسب إليه الجهل؟! فأنت تهرف بما لا تعرف ..
ثم ألتفتُ إلى بعض الصوفية الحاضرين وقلت لهم : كيف تسكتون وتصغون إلى هذا الكلام الباطل ؟! فالساكت عن الحق شيطان أخرس.. ثم خرجت وعدت قافلاً إلى منزلي.
وكان ديدني إذا سمعت خطيباً يقوم بتكفير الصوفية أو ينشر آراءه الضلالية، كنتُ أقوم بمواجهته ومقارعته بالحُجّة وبالدليل ، حتى تمكنت من تحصين حارتي ومنطقتي (الجحملية) -وهي جنوب مدينة تعز- ولهذا ظلت عصية على دواعش الوهابية ..
كنا في تحرك توعوي متواصل سواء عبر مجالس و مسجد منطقتنا ، أو من خلال ذهابنا إلى بعض القرى ونشر الفكر التنويري ودحض أفكار الوهابية ، إلى جانب نشر المنشورات التي كان لها دور كبير في فضح الفكر الوهابي..
المرحلة الثانية
بعد أن أنهيت دراستي الجامعية التحقت بسلك التعليم مباشرة فعملت معلماً لمادة التربية الإسلامية لمرحلة الثانوية العامة في مدرسة الفاروق سنة 97م ، وبدأت بالكتابة في الصحف لا سيما في صحيفة الأمة التابعة لحزب الحق آنذاك ..
وأما جهادي من موقع عملي فقد كان لمنبر التعليم الأثر الكبير في دحض أباطيل الوهابية، وتفنيد الأحاديث التي تتعارض مع القرآن الكريم وتتنافى مع أخلاق وقدسية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وبالمقابل نشر حب آل البيت وفكرهم..
والكلام يطول حول المواجهات والاعتداءات التي شنهاَّ عليَّ المتطرفون والوهابيون..
وأما كتاباتي في الصحف فكانت أغلبها إما ردود وتفنيد شبهات، وإما نشر أفكار تجديدية تتعارض مع عقلية الفقهاء المقلدين ، فمنذ سنة 98م إلى 2004م كانت كل رسائلي وبحوثاتي تنزل على شكل حلقات في صحيفة الأمة تناولت خلالها مواضيع عديدة تصب في مجملها حول تصحيح الموروث الديني .
وكان الشهيد القائد – حسب ما بلغني عنه – يأمر طلابه بأخذ صحيفة الأمة التي يتم فيها نشر مقالاتي، فمعظم طلاب العلم من الزيدية في شمال الشمال كصعدة وما جاورها من المحافظات كانوا يحتفظون بكل مقالاتي ، حتى قال لي بعض علماء الزيدية آنذاك: ” لقد تكلمت بما كنا نريد أن نتكلم به ، ولكنك كنت أكثر جرأةً منا ” ..
وبعقلٍ راسخ وقلبٍ شجاع لا يهاب في الله لومة لائم واصلت الكتابة ، ولاقيتُ الأذى الكثير من فقهاء الوهابية والإصلاح ، وانضم إليهم بعض فقهاء الشافعية بسبب غيرتهم على صحيحي البخاري ومسلم.
المرحلة الثالثة
من سنة 2005م إلى 2006م : تعرضتُ خلالها لتهديدات كثيرة بالتصفية الجسدية، وذلك عقب كتابتي لمقال في صحيفة المستقلة، وزجوا بي في غياهب سجون الأمن السياسي، وقطعوا راتبي، وحاولوا مطاردتي والنيل مني .. وقبلها كان قد استدعاني محافظ محافظة تعز للتحقيق معي، وكذلك مدير الأمن العام، ومدير عام التربية آنذاك (حسين حازب)، وهو الوحيد الذي وقف بجانبي..
أما ما كان من مدير الأمن السياسي فهو قيامه بالتحقيق معي أكثر من مرة،
حتى وصل به الأمر إلى إجباري بالتبرؤ من الحوثي، وأن أبيِّن للناس فساده وخروجه على الدولة !!..
ولكني لم استجب لطلبه ، بل ألقيت خطبةً بعكس ما أراد ضارباً بأوامره القسرية عرض الحائط ، وبهذا أصبحت تهمتهم لي بأني حوثي !!..
هذا ولما رأيت التهديدات تصلني عبر الصحف، وعبر رسائل الجوال، اضطررت إلى نقل عملي إلى إحدى مديريات صبر …
وكانت منابر المساجد لا تخلو جمعة من التحريض ضدي في أغلب المحافظات ، وفي إحدى مساجد الضالع بذلوا مليون ريالٍ لمن يقوم بتصفيتي، ومع كل ذلك لم تثنني تهديداتهم عن الكتابة ، بل ظللت أكتب في صحيفة المستقلة وصحيفة البلاغ وغيرها من الصحف…
ولقد زادت التحريضات ضدي لا سيما بعد ما قام به حزب الإصلاح عبر صحيفته الموسومة بـ ” صحيفة الناس ” من نشر كمّ هائل من الردود عليَّ وإنزال صورتي في كل عدد،
وقد ظلت صحيفتهم بحربها الشرسة عليّ إعلامياً قرابة عدة أشهر ، ناهيك عن كتب الوهابية التي أصدروها ضدي مثل كتاب ” السهم الصائب على كبد الجنيد ” لعدنان المقطري، وكتب أخرى لغيره لا مجال لذكرها هنا .
كما قاموا بنشر مجموعة من الخطب تم تسجيلها على أشرطة الكاسيت وكلها في التحريض ضدي ، بل ووصل بهم الأمر إلى أن وزعوا جوائز لمن يجيب عن سؤال في صورة كلمات متقاطعة عبر الأوراق التي نشروها وفحوى السؤال يقول : “رافضي في اليمن يتألف اسمه من خمسة حروف” فمن هو؟!
ومن يكتب الإسم بالورقة ينل جائزة (قارورة عسل)..
وهم يقصدون بذلك اسمي لأنه يتألف من خمسة أحرف ..
وقد ظلت هذه الحرب المستعرة ضدي من سنة 2005م إلى سنة 2007م، ومع ذلك واصلت مشواري الفكري والصدع بكلمة الحق من خلال الخطب والكتابات، وإقامة المناسبات الدينية التي كنت أقيمها في منزل الوالد، فلم تمنعني تهديداتهم تلك من مواصلة مسيرتي الفكرية حيث لم أكن أعيرها أي اهتمام!!
ولما رأى حزب الإصلاح وعلماؤه المتطرفون مدى تأثيري القوي وحضوري اللافت للأنظار في تعز، استخدموا شتى الوسائل للتقليص من نشاطي .
و مما قاموا به : لجوؤهم إلى هدم المسجد الذي كنتُ أخطب فيه بحجة توسيع الطريق ،ثم قاموا بإنشاء مسجد كبير على نفقة بيت هائل ، وأتوا بخطيب للمسجد ينتمي لفكرهم الوهابي..
وكنت في كل مناسبة دينية أقوم بإحيائها في منزل والدي أستدعي إليها خطيب المسجد كي يشاركنا في المناسبة، وألقي محاضرة أمام الحاضرين، وأقوم بتفنيد بعض الأحاديث والآراء التي كان خطيب المسجد يأتي بها في خطبه دون التصريح به ، بل أجعل محاضرتي عامة ، ولهذا تثقف أبناء منطقتي والوافدون إليّ من مناطق أخرى من خلال المحاضرات التي كنت ألقيها في كل مناسبة وفي كل ليلة جمعة..
ما هو الأثر الذي لمستموه على الناس الذين يستمعون إلى محاضراتكم؟
بالتأكيد كان هناك أثر كبير، لأن الحق إن وجد قلباً سليماً ينطبع عليه ويوافقه .. المهم كان الناس عندما يسمعون خطيب الجمعة يستشهد بتلك الآراء الزائفة أو الأحاديث المزيفة ، كانوا بعد صلاة الجمعة ينكرون على الخطيب ذلك، وكانت النتيجة تنحيته واستبداله بآخر غيره..
وهكذا استخدمنا هذا الأسلوب مع كل خطيب وهابي ، ولمّا يئسوا من تحقيق هدفهم عبر المسجد الذي أنشأوه اضطر مكتب الأوقاف بتعز أن يأتي بخطيب شافعي وهو الشيخ العلامة (رضوان المحيا) من خريجي جامعة الحديدة ، فكان خطيباً مناسباً معتدلاً، وحدثت صداقة بيننا وبينه ، وهو الآن يعد من كبار الناشطين في الجانب التوعوي مع أنصار الله، وأشهر من نار على علم في تحركه والقيام بواجبه الديني والسياسي على أكمل وجه ، وظل معنا، ولم يزل في جهاد الكلمة حتى هذه اللحظة..
المرحلة الرابعة
عندما قامت ثورة الرابع عشر من فبراير 2011م، تلك الثورة التي التفّ عليها حزب الإصلاح ، قمتُ بدفع الشباب إلى ساحة التغيير في تعز ؛ كي ينضموا إلى حركة الصمود التابعة لأنصار الله ، وقمنا بأنشطة كثيرة واجهتنا خلالها الكثير من مضايقات حزب الإصلاح، كان آخرها -عند استحواذهم على مجريات الأحداث- قيامهم بمنعنا من إلقاء خطاباتنا ونشر بعض مقالاتنا ولافتاتنا الثورية في الساحة .
وفي سنة 2012م- 2013م قمنا بإنشاء ملتقى التصوف الإسلامي في تعز، وأقمنا له مؤتمر التأسيس الذي ضم كبار مشايخ الصوفية ، ومن خلال الملتقى شرعنا بإعداد الكثير من الأنشطة والندوات ، وأقمنا العديد من المناسبات الدينية التي استطعنا من خلالها لمّ شمل الصوفية وتوحيد صفوفهم، كما انصبّ اهتمامنا بتوثيق وأرشفة الكثير من الآثار الصوفية المتمثلة في (أضرحتهم ، قبابهم ، مساجدهم ، زواياهم و ….. إلخ) في محافظة تعز .
كما كانت لنا الكثير من المشاركات في مؤتمرات علمائية داخلياً وخارجياً، وكنتُ دائماً عند عودتي من أي مؤتمر خارجي يتعمد الأمن القومي بصنعاء احتجازي لساعات، ثم سرعان ما يبادرون إلى إطلاق سراحي جرّاء ما يشاهدونه من تنديدات واستنكارات من قبل قناة المسيرة وغيرها تطالب بسرعة إطلاق سراحي .. هكذا كان الأمن القومي يتعمّد احتجازي عند عودتي من أي سفر ، وكنت أقول لهم : أنا جئت من مؤتمر انعقد في إيران وليس في تل أبيب ، فيبادرونني بقولهم لي : تل أبيب أهون من إيران !!..
وفي نهاية عام 2013م تم اغتيال بعضٍ من طلابي الذين كانوا يقفون لهم بالمرصاد كلما سنحت لهم الفرصة!!.
ماذا عن مرحلة انتصار الثورة الشعبية وبداية العدوان الذي لا نزال نعاني منه حتى الآن؟
عندما قامت ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر سنة (2014م ) كنا من أوائل المنضمين لها ، وخطبنا في شارع المطار في (جمعة الحسم) بأمر من السيد القائد، واستمرينا بنشاطنا الثوري عبر كل الوسائل المتاحة لنا سواء نشاطنا الفردي ، أو نشاطنا عبر ملتقى التصوف الذي نترأسه .
ولما بدأ العدوان على بلادنا اليمن قمنا بالتحرك الميداني التوعوي قبل نزوحنا إلى صنعاء ، وكانت الجحملية هي المنطقة الوحيدة داخل المدينة التي ظلت مقاومة لمرتزقة العدوان في تعز ، ولم يتمكن دواعش القاعدة من دخولها إلا بعد أن قتل المئات منهم ..
وقد استشهد الكثير من أبناء الجحملية وهم يدافعون عن أنفسهم وأعراضهم و كرامتهم بكل شجاعة وإقدام .
وبعد نزوحنا إلى العاصمة صنعاء كتبنا العديد من المقالات التي هدفنا من خلالها إلى استنهاض الناس في مواجهة العدوان وحثهم على إرفاد الجبهات بالمال والغذاء والرجال ، ناهيك عن اللقاءات بالقنوات الداخلية والخارجية والإذاعية والمقابلات الصحفية وغيرها من الأنشطة الثورية متعددة المجالات واحدية الهدف .
أضف إلى ذلك زيارتنا الميدانية التي قمنا بها وشملت المناطق التي يتواجد فيها الصوفيون قصدنا فيها زيارة مشايخ وعلماء الصوفية ، وتكرر ذلك مراراً، حرصنا خلال ذلك على حثهم إلى القيام بواجبهم الديني والمسؤولية المناطة بهم، وتكلل كل ذلك – ولله الحمد – بالنجاح..
وما كتبناه هنا ليس سوى غيض من فيض .

قد يعجبك ايضا