القرآنُ الكَريم.. و مُواجهَة الغَزو الثّقافِي والحَرب الناعمَة

مطهر يحيى شرف الدين

 

 

قد يكون البعض أو ربما الكثير من أبناء الأمة الإسلامية جنوداً للباطل وقد يعملون في خدمة ومصالح الطغيان والاستكبار بصورةٍ غير مباشرة دون إدراك ذلك ودون معرفة مدى خطورة الموقف والوضع الذي نحن عليه من عادات مكتسبة مخالفة للفطرة وتأثُّر بثقافات دخيلة هابطة ، وقد نعيش ظروفاً اجتماعية محيطة بنا أو محدقة و متربصة دون أن نعي أو ندرك المستنقع الذي ممكن أن نقع فيه أو حجم المؤامرة وأنواعها ودون أن نكون عند مستوى التخطيط لمواجهتها والوقوف أمام وسائلها الخبيثة وأساليبها المدمرة أو على الأقل المؤثرة والمضللة وتبعاتها وتداعياتها على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع والأمة
ويزيد من تلك الأخطار والتحديات طبيعة الآليات التي يستخدمها العدو وتوظيف مضامينها من استهداف للعواطف والمشاعر إلى استهداف للعقول والأفكار والتأثير في الثقافة الإسلامية مستغلاً بذلك ضعف الوازع الديني و حالة الفراغ الاجتماعي والثقافي السائدة في أوساط الكثير من أبناء المجتمعات العربية والإسلامية .
الحديث في هذا المقام هو عن مسألة مهمة متعلقة بكيفية تحصين أبناء الأمة فكرياً وثقافياً ودينياً من شِراك التضليل والباطل والانحلال الأخلاقي وأيضاً بكيفية مواجهة الغزو الثقافي الذي يعتبر سلاحاً ناعماً صامتاً يسعى إلى الإفساد والتيه والانحراف عن الحق والاستقامة والعدول عن هدى الله وصراطه المستقيم .
وبالمناسبة فقد تحدث القرآن الكريم عما يرمي إليه أعداء الأمة من المغضوب عليهم والضالين المضلين أهل الكتاب اليهود والنصارى من باؤوا بغضبٍ من الله وضُربت عليهم الذلة والمسكنة من خلال قتالهم ومواجهتهم للأمة الإسلامية ، وقد كشفت الآيات الكريمات أهداف العدو المستكبر في حالات ومواضع كثيرة
بيّنت أنواع العصيان لله و مستويات إجرام وإفساد أعداء الله ورسوله منها :
إطفاء نور الله والارتداد عن دين الله وتلبيس الحق بالباطل والتشكيك في وعد الله وصدق رسول الله والعمل على إخراج الناس من النور إلى الظلمات وإضلالهم وانحرافهم عن منهج الله وكتم ما أنزل الله من الهدى و البيّنات ، والعمل على إخضاع أبناء الأمة الإسلامية لتكون تحت رحمة وتبعية القوى الاستكبارية من اليهود والنصارى وعملائهم من الأعراب الأشد كفراً ونفاقا ، وفي ذلك يقول الحق سبحانه :
” يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ” وقوله تعالى : “يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ”
ولذلك حريٌّ القول بأن الإنسان عموماً له قابلية في أن يتجه في اتجاه الخير أو اتجاه الشر ، وللتقوى وزكاء النفس نجاةٌ و استقامة وفوز وفلاح لمن يتخذها ركناً وصراطاً قال تعالى :
«وهديناه النجدين»
وقال سبحانه :
«ونفسٍ وما سوّاها فألهمَها فجُورها وتقواهَا»
وفي واقع الحياة تجارب وسوابق كثيرة تعرفنا كيف كان حقد وكراهية أهل الباطل لأهل الحق وحملة الهدى والنور وكيف كانت أفعال وممارسات من يمثّلون محور الشر تتركز في الإفساد و الشرك بالله بالولاء لغيره سبحانه والاعتقاد بأن سوى الله غني و عظيم وقوي وكبير ويضر وينفع ،
وكذلك أفعالهم الشيطانية الخبيثة المسخّرة في إضلال الناس وانحرافهم وفي إظهار الاستعلاء والاستكبار على عباد الله المستضعفين والاستهانة والاستهتار بحرمات الله بتهيئة المجتمعات المستهدفة لتقبل الحرام وتصوير ذلك بأنه شيء طبيعي بمبرر الحداثة والتطور والعمل على إعدام الزكاء في النفوس بالترويج للإباحيات والبرامج الساقطة و نشرها عبر وسائل الإعلام المجتمعية والجماهيرية الأمر الذي وقع كثير من أبناء الأمة في مستنقع الإنحلال والفساد والتيه والبعد عن الله ورسوله والمؤمنين واتخاذ الكافرين أولياء وأوصياء
ولذلك نلاحظ كيف يعمد الأعداء إلى شنِّ الحروب الثقافية والإعلامية الناعمة لتشويه الإسلامِ ورموزهِ الحيَّة الذين رأوا في مَنهجِ وتشريع هذا الدين الإسلامي خطراً كبيراً عليهم فما كان منهم إلا أن رفعوا رايات التشويه والإساءة حفاظاً على علاقة العداء وتمكيناً للحقد المتملك في قلوبهم وأفئدتهم ليواصلوا ما بدأه أسلافهم منذ بدء الرسالة التي حملها نبي الرحمة والعدالة والإنسانية محمد صلى الله عليه وآله وسلم النبي الذي جاء مصدقاً لما معهم من الكتاب فكان الخطر الذي يهدد مصالحهم ويسقط عروشهم ويكسر شوكتهم واستكبارهم ولكن يأبى اللهُ إلا أن يُتمّ نورهُ وَلو كرهَ الكافِرون الظالمون المفسدون في الأرض
ولذلك علينا كأمة إسلامية أن نقف ونتحرك أمام الغزو الثقافي وأن نكون عند مستوى المسؤولية وحمل الأمانة وتلقي الرسالة لنكون خير أمةٍ أُخرجت للناس وليس أذل وأحقر أمة ولندرك ضرورة ترسيخ الوعي الثقافي في أوساطنا بالمخاطر والتحديات التي نواجهها لنعلم علم اليقين أن من أهم أهداف رسالة النبي صلوت الله عليه وآله تحرير العباد من العبودية لغير الله و سيادة العدالة وتمام الأخلاق وتعاظم القيم وكمال الإنسانية والتي تتحقق بها شخصية الإنسان المؤمن بفضائله ومكانته عند الله ومواقفه من القضايا المصيرية المتصلة بشؤون الأمة
قال تعالى :
«هُو الذي بعثَ في الأميينَ رسُولاً منهم يَتلو عليهِم آياته ويزكِيهم ويعلمُهم الكتابَ والحكمَة وإن كَانو مِن قبلُ لفي ضُلالٍ مُبين «.

قد يعجبك ايضا