احتجزوا العطروش في مطار جدة 15 يوماً وحرموه من أداء فريضة الحج بسبب أغنية
المرشدي رفض شيكاً سعودياً على بياض .. و مرتزقة الرياض يمزقون صورته مقابل الفتات !
عام 2013 أصدر محافظ عدن قرارا بإطلاق اسم الفنان الراحل محمد مرشد ناجي على شارع أو كورنيش في المنصورة بمدينة عدن، مرت ثمان سنوات ولم ينفذ القرار.
يبدو أن المحافظ الحالي المعيَّن من الفار هادي أحمد الأملس الذي يعيش فراغا بلا عمل – وجد القرار في الدرج، نفخ الغبار من عليه ووجدها فرصة ليُذكّر أهل عدن بأنه عايش وحي يسترزق .
وجه الأملس برفع لوحة على الكورنيش باسم المرشدي وصورته .
وبعد بضعة أيام اسقطت اللوحة أرضا ومزقت الصورة، والفاعل قيادي كبير في الحزام الأمني الانتقالي ، حسب شهود عيان وأقارب المرشدي .
من يعرف تاريخ المرشدي ومواقفه السياسية وعلاقته بالسعودية سيجد أن حادثة إسقاط اللوحة وتمزيق الصورة هي انتقام سعودي من المرشدي الذي لم يستطيعوا شراءه وإسقاطه في حياته رغم كل الإغراءات .
عباس السيد
وهنا نقدم ملخصا لحكاية المرشدي مع السعودية ، وفيها الكثير من العبر والدروس للمرتزقة الذين يبعون شعبهم ووطنهم مقابل الفتات السعودي .
عام 1967 كان الفنان الراحل محمد مرشد ناجي ” المرشدي ” يمر بضائقة مالية ، فاضطر للسفر إلى دول الخليج ، وبدأ بزيارة السعودية.
وهناك عرض على الإذاعة السعودية شراء عدد من أغانيه المسجلة الجاهزة ، ونصوص لأغان أخرى يرغب في تسجيلها للإذاعة.
في اليوم التالي زار الإذاعة لمعرفة رأيهم، وهناك استقبله مدير الإذاعة بترحيب بالغ ، وقال له :
أغانيك المسجلة أجزناها ، وسنشتريها منك.
نصوص الأغاني التي ترغب في تسجيلها أجزناها أيضا.
واعتبرناك من فناني الدرجة الأولى ، أي أن المبلغ الذي ستتقاضاه مقابل ست عشرة أغنية سيكون كبيرا.
وأضاف مدير الإذاعة السعودية :
باقي مفاجأة أكبر.
سأله المرشدي وكله غبطة وسرور، وقد أوشك أن يودع سنوات الفقر والحرمان:
باقي كمان مفاجآت ، هاه، إيش هي؟!
أجاب مدير الإذاعة السعودية وهو يقدم للمرشدي شيكاً فاضياً :
أغنية للمملكة، واكتب الرقم اللي تبغاه في الشيك، ولك الخيار ، تكتب الكلمات أنت ، أونعطيك احنا الكلمات.
المرشدي ، سوّم واعتجم ، وما فاق إلا ومدير الإذاعة يسأله:
هاه ، إيش قلت ؟!
المرشدي ، بينه وبين نفسه ، لا حول ولا قوة إلا بالله. !
شعر المرشدي أنه في ورطة حقيقية ، وحاول خلق الأعذار والمبررات..
أنا مختلف عن الآخرين ، عندكم فكرة ناقصة عني.. إنتاجي الفني قليل جدا ، وأحتاج لوقت طويل بين العمل والآخر..
أنا مش محترف..
إجازتي قصيرة وسأفقد عملي في شركة “شل ” في عدن..
أنا.. أنا…
كانت أعذار المرشدي كلها بالنسبة لمدير الإذاعة السعودية واهية ومحاولة للتهرب والرفض.
استدار المدير بالكرسي ، وقال للمرشدي:
شوف يا أستاذ محمد ، أنا ممكن أخرج لك عشرات الأغاني من درج مكتبي هذا ” يقصد أن إنتاج المرشدي مش نادر ولا قليل “..
وأضاف محاصراً المرشدي:
وإن كان على الوقت ، خذ الوقت اللي يناسبك ، ولا تحمل هم تكاليف الفندق والإقامة…
وبعدين أنت غنيت للسلال والجمهورية و..
أغلق مدير الإذاعة كل المنافذ والذرائع ، لكن المرشدي قفز فوق كل ذلك ، وسأل المدير :
وماذا عن الأغاني التي وافقتم على تسجيلها وشرائها ؟!
أجابه المدير : مُر على مدير الموسيقى.
وهناك ، عرف جواب سؤاله:
تسجيل وشراء أغانيك الـ 16 مرهون بأغنيتك للمملكة.
استعاد المرشدي أعماله ، وغادر الإذاعة مع اثنين من أصدقائه المغتربين اليمنيين ، كانا برفقته.
وفي الطريق ، كان الوجوم والاستغراب يخيم على رفيقيه من تصلب مواقفه ، ورفضه فرصة ثمينة لم تعرض على غيره من قبل.
لكن المرشدي بدد حيرة رفيقيه ، وهو يشرح أبعاد العرض السعودي وتكلفته.
يقول المرشدي:
لم ينس السعوديون أغنياتي لثورة سبتمبر والسلال رغم مرور خمس سنوات عليها.
إنهم يريدون مسح تلك الأغاني من وجدان اليمنيين..
يريدون إظهاري كمرتزق.. ومثل ما غنى للثورة في بلاده ، ها هو يغني للمملكة.
المرشدي. . مرة أخرى في السعودية
عام 1977، عاد المرشدي إلى السعودية بجواز يمني شمالي ، بحثا عن فرصة عمل بعيدا عن مجال الفن والغناء الذي قرر اعتزاله.
وفي مدينة جدة تهافت عليه مسؤولو الجالية اليمنية والمغتربون يدعونه إلى المشاركة في حفل كبير يجري الإعداد له بمناسبة عودة الملك خالد بن عبدالعزيز من رحلة علاج في الخارج استغرقت أشهرا.
عرض عليه مسؤولو الجالية 50 ألف ريال سعودي ، تُدفع مقدما ، ثم رفعوا المبلغ إلى مائة ألف ، دون أن يشترطوا أغنية للملك أو المملكة.
لكن المرشدي كان يرفض العرض ويشترط موافقة سفير ” اليمن الديمقراطية ” في الرياض ..
اتصلوا بالسفير ، وأنا معنديش مانع.
يتصل مسؤولو الجالية ، فيرد عليهم السفير:
هو حر ، القرار يعود للمرشدي. ويغلق التليفون.
يعودون للمرشدي :
مالك وما للسفير ، ويشرحون له أهمية مشاركته في الحفل ، وأثرها على مستقبل الجالية اليمنية في المملكة ، ثم يتركون له تحديد المبلغ الذي يريد.
يتمسك المرشدي بموقفه ، ويتهرب بذكاء قائلا:
اتصلوا بالسفير مرة ثانية ، ويواصل البحث عن فرصة عمل للخروج من ضائقته المالية.
عاد الملك ، وأقيم الحفل بحضور كبير للجالية اليمنية ، وغياب المرشدي..
الفنان محمد عبده .. وساطة لم تنجح
لاحت أمام المرشدي العديد من فرص العمل ، لكن شهرته الفنية كانت تفشل تلك الفرص. وقبل أن يستبد به اليأس ، وجدها أخيرا.. وظيفة جيدة للعمل كمترجم في شركة الخطوط الجوية السعودية.
وبعد استيفاء الشروط واجتياز امتحان القبول ، تبقى فقط ” إذن الإقامة ” وقد كان الحصول عليها آنذاك أمرا في غاية اليسر، لكنها بالنسبة للمرشدي تحولت إلى شبه مستحيلة.
فشل كل الوسطاء الذين حاولوا مساعدته ، وبينهم رجال أعمال بارزين من اليمنيين الحاصلين على الجنسية السعودية ، وسياسيون سابقون مقيمون في المملكة.
وخلال إقامته في جدة زاره الفنان السعودي محمد عبده ، واستضافه في بيته الفخم، وقد كان الفنان محمد عبده يتهيأ للسفر إلى صنعاء للمشاركة في الاحتفالات بذكرى ” 13 يونيو التصحيحية ” وهي ذكرى تسلم الرئيس ابراهيم الحمدي السلطة.
كانت أغنية المرشدي” ضناني الشوق ” من بين الأغاني التي يعتزم الفنان محمد عبده أداءها في صنعاء، وعرض على المرشدي البروفات الأخيرة للأغنية ، للاستفادة من رأيه وملاحظاته ، فالمرشدي في نظر محمد عبده ” أستاذ ” ، وهكذا كان يخاطبه.
نمت بين الفنانين علاقة ثقة ومودة شجعت المرشدي على البوح بمشكلة الإقامة لمحمد عبده.
وعده الأخير بحلها ، حال عودته من اليمن ، واصفا إياها بالسهلة، وكيف لا تكون سهلة وهو الذي لا يُرد له طلب من أي أمير.
وحين عاد من اليمن ، كانت المفاجأة ، ليس للمرشدي فقط ، بل لمحمد عبده نفسه..
كل من طرق بابهم الفنان السعودي المدلل رفضوا وساطته ، ليعود إلى المرشدي عارضا عليه ” أغنية للمملكة”.!
ابتسم المرشدي وقال:
إذن ” شرط 67 لا يزال قائما..! وكرر نفس موقفه عام 67 أمام مدير الإذاعة السعودية.
حاول محمد عبده تخفيف الشرط:
سأهون عليك ، أنت تلحن الأغنية ، وأنا أغنيها، ما رأيك؟!
تمسك المرشدي بموقفه وقال:
يا حبيبي الطيب ، الموقف واحد ، ومهما كانت الحاجة ، لا أقبل أن يفرض علي أحد ما يريد ، وأعلمك أن الجوع والأذى وغيرهما مما لقيته في بلدي ، لم يغيروا في موقفي من ” تمجيد السلطة ” في بلدي ، فكيف أقبل بذلك خارج بلدي ؟!.
“أبو علي قال” .. واحتجاج السفير السعودي *
عاد المرشدي فقيرا إلى وطنه الفقير ، لكنه ظل شامخا ، لم يجاف وطنه نكاية بحكامه ، ولم يعتزل فنه، وأعاد شد أوتار عوده بين نقم وشمسان.
ومع حلول الذكرى الـ 21 لثورة 26 سبتمبر كتب حلمه الكبير شعرا .. شد أوتار عوده بين شمسان ونقم وغنى رائعته ” أبو علي قال ” :
باها عروس بايُهز الكون يا خُبرة
من صعدة للحد لا صيرة إلى جيدون
با تفتهن بعدها نفسي من الشجرة
والأهل والناس و” الشاني ” يقع مطحون.
وفي اليوم التالي ، احتج سفير ” الشاني ” على الأغنية ، لتواصل دولته حقدها على المرشدي ووطن المر شدي.
في السابع من فبراير 2013 م رحل المرشدي ” أبو علي” عن دنيانا بعد أن تحقق حلمه بوحدة اليمن ، رحل ” أبو علي” فقيرا تاركا لنا إرثا فنيا عظيما لا يقدر بثمن. لكن ذلك الإرث ، كان هو الآخر ” جواهر عند فحام “.
بعد سنوات على رحيله ، فجر ” الشاني ” مخزون حقده في سمانا وأرضنا وبحرنا ، وها نحن نوشك على أن ندخل العالم الثامن ، ولازالت حمم حقده تنهمر علينا.
يصعب علينا إحصاء حجم الدمار وأعداد الضحايا ، كما يصعب علينا أيضا إحصاء أعداد المرتزقة من أهلنا الذين جندهم ” الشاني ” في معركته لمحاربتنا بثمن بخس.!
فما الذي حدث ، وكيف استطاع الشاني شراء كل هذه الجحافل من المرتزقة ؟!.
هناك أسباب كثيرة ، ولا مجال هنا لبحثها هنا ، وكي نبقى في رحاب المرشدي ، سنكتفي بعرض تساؤلاته التي قدم فيها مقارنة مثيرة ومحيرة بين مواقف السعودية ، ومواقفنا نحن في اليمن منه ومن أغانيه ، كنموذج يمكن القياس عليه لتقييم أنفسنا ، ومعرفة بعض من أسباب إخفاقاتنا ، وهي تساؤلات دوَّنها في كتابه ” صفحات من الذاكرة ” وتحمل بداخلها مفاتيح الإجابات ،إذ يقول:
” كم عجبت لموقف دولة بحجم السعودية من مغن ، لم تستطع السنوات أن تنسها اسمه. ولست أدري مبعث إصرارها المستديم على أن يمجدها هذا المغني المحدود الشهرة والانتشار في الجزيرة والخليج..”
ويمضي المرشدي في تسآؤلاته:
” شيء محير..من لديه التفسير لموقف الإدارة السعودية ، فليتفضل مشكورا ليريحني ، لأني عجزت عن تفسيره. !”.
ويضيف بسخرية مريرة:
” كما أن بعض الكتَّاب اليمنيين لا يكتبون اسمي من ضمن المطربين الذين غنوا للثورة اليمنية على اعتبار أن ما غنيته مسخ لا قيمة له ، عدا المملكة الشقيقة التي تعتبر أغنياتي خطيرة للغاية.. شيء محير. !! “.
رحمة الله تغشاك أيها المرشد العظيم .. كم أنت كبير بفنك المبدأي الملتزم ، كبير بوعيك ، بوطنيتك ، بانتمائك ووحدويتك . أنت الأصل والفن وهم المسوخ.
الفنان محمد محسن عطروش .. وحكاية أخرى مع السعودية
الفنان محمد محسن عطروش احتجز في مطار جدة 15يوما وحرم من أداء فريضة الحج بسبب اغنية .
يروي الفنان محمد محسن عطروش حكاية رحلته إلى السعودية لغرض اداء فريضة الحج ، فيقول :
عام 2018 ذهبت الى الحج مثلي مثل أي مسلم وهذا حقي كما أمر ربي ..
وصلت مطار جدة و وقفت في طابور الختم على الدخول ، ولما جاء دوري أخد الضابط السعودي جواز سفري كي يعاينه ويختم عليه ولكنه طوّل في الفحص وظل يقلب الجواز ويتفحص فيه ويلتفت إلى وجهي بنظرات لا أجد اي تفسير لها ، بعدها قال لي :
أنت الفنان محمد محسن عطروش ..؟ فرديت عليه: نعم أنا بكله.
ثم رمقني بنظرة غريبة وأخذ جوازي إلى غرفة مجاورة ..!
أنا هنا فرحت وقلت في نفسي الجماعة عرفوني ومعجبون بفني وأكيد الاشقاء قدروا وجودي اليوم في جدة كما قدروا فني قبلها .. ويبدو أنهم ضباط ذوو ثقافة فنية غير عادية ..
واستغرب رغم كبر سني وكبري أنهم لم ينسوني وعرفوني من أول مرة وأول لقاء …! وكان عندي احساس أنني سوف أجد معاملة غير عادية وحسن ضيافة منهم .. ولك الحمد يا رب .
يضيف العطروش :
وبينما أنا انتظر عودة الضابط والكرم والضيافة والتقدير فإذا بالضابط الذي أخذ جوازي يناديني ؛ تعال.. تعال يا عطروش …! قلت له إلى فين يا ابني ؟ فقال ؛ لمقابلة الضابط الأمني في المطار….!
دخلت على الضابط الأمني مباشرة وإذا به يردد أغنيتي التي غنيتها أنا وأكاد اكون قد نسيتها مند عام 1972م.
الضابط السعودي ردد مقطعاً قصيراً من الأغنية التي تقول كلماتها (( قل للسعودي كل واحد مننا قد حفر قبره )) .
وبعدها سألني الضابط السعودي وقال لي هذه الاغنية لك يا عطروش ..؟!
فرديت عليه: نعم هي لي في السبعينات، والدنيا تغيرت ونحن إخوة وأظن أن ذاك الزمن ولى وانتهى والله يصلح بين المسلمين ..!
هنا رد الضابط السعودي وقال لي :
شوف يا عطروش اعتبر حالك في اليمن ، ولن تدخل أراضي المملكة ، واعتبر نفسك ضيف غير مرغوب فيه هنا ، وعقاب لك ، لن نسمح لك بأداء مناسك الحج !
وسوف تجلس هنا خلال الخمسة عشر يوماً المقبلة من أيام مناسك الحج المتبقية هنا في مطار جدة، ولن ترى مكة بيت الله أو حتى خارج بوابة المطار …!
وبعدها صادروا جواز العطروش وتركوه في المطار دون أي احترام أو تقدير لكبر سنه وتاريخه الفني أو احترام للأيام الحرم المقدسة والمكان المقدس الذي يرفض النعرات والاحقاد ويدعو للسلام والإخوة والتسامح ..
تحمل العطروش المعاملة القاسية والمؤلمة نفسيا عليه بصبر الرجال وتحمل الاهانة بحلم المؤمن الصابر وقد بلغ من العمر عتيا، وهو صوت كان يشكل ثورة أحرار الأمة بكلها.
وبعد انتهاء الحجيج من أداء مناسك الحج سلَّموا الفنان عطروش جوازه وقالوا له : توكل وغادر أراضي المملكة ورحلتك ستكون في العصر .
ذلك حقدهم على أغنية غناها العطروش في السبعينات …! وقبله على المرشدي . واليوم يظهرون حقدهم على اليمن والشعب اليمني بأكمله .
هوامش وملاحظات :
* اغنية (أبو علي قال) ، تجدونها في أول تعليق ، وقد وصلتني هدية مع عدد من الاغاني العاطفية والسياسية قبل نحو سنتين من أحد أحفاد المرشدي.
* أغنية العطروش ” قل للسعودي…” فقد أختفت من اليوتيوب !!!
* أغنية السلال التي ذكرها مدير الإذاعة السعودية لتذكير المرشدي ، يقول مطلعها:
أنا فدا صنعا فدا بلادي
فدا حقول البن في كل وادي .
أنا فدا السلال بكر ينادي …
* معظم المعلومات التي وردت أعلاه مصدرها كتاب من تأليف المرشدي نفسه أصدرته جامعة عدن ، وهو بعنوان : صفحات من الذكريات .