هكذا أصبحت عدن بعد أن قتلوا كل شيء جميل فيها
أبناء عدن يتهمون تحالف العدوان ومرتزقته بتدمير المدينة وتحويلها إلى قرية
لم تعد شواطئ مدينة عدن جميلة، ورمالها لم تعد ذهبية كما كانت.. عدن صارت موئل العابثين، وقِبلة الحاقدين.. اليوم تحوّلت عدن من عروس جميلة إلى عجوز شمطاء، تكسو جسدها الجروح والدمامل بعد أن تم تمزيق ملابسها، واغتصابها، وانتهاك حرماتها..
بهذه العبارات المؤلمة وصف صحفيون وناشطون من أبناء مدينة عدن المحتلة، حال مدينتهم التي أكدوا أن قوى العدوان والاحتلال ومرتزقتها، أعادتها مائة عام إلى الوراء، وحولتها خلال ست سنوات، من المدينة الأولى في الجزيرة العربية إلى قرية نائية تعيش في العصور الوسطى والأزمنة الغابرة.الثورة / عادل محمد باسهيل
أحلام زائفة وواقع مرير
في يوليو من العام 2015م رسمت وسائل إعلام العدوان وأدواته صورة لمدينة عدن أكثر جمالاً وازدهاراً مما ينتظره ويتخيله السكان لمدينتهم عدن، بل وجعلتهم يعتقدون أن دخول قوات الاحتلال الإماراتي يعني دخول المدينة في عصور من الازدهار والرخاء، وأن قوات الاحتلال الإماراتي جاءت لتصنع «دبي» جديدة في عدن، لكنهم سرعان ما رأوا أحلامهم تحترق بفوهات البنادق والمدرعات الإماراتية وتداس تحت جنازير دباباتها وتتبخر وتتلاشى في ظلام ليالي عدن الحالكة السواد، وأن قوات الاحتلال جاءت لتدمر عدن وتصنع مليشيات وأدوات قتل تستهدف المواطنين وتحول بندر عدن إلى قرية مثقلة بالفقر والبؤس والحرمان، تتجسد فيها صورة دبي في القرن التاسع عشر.
مدينة عدن ومنذ ست سنوات تعيش كغيرها من المحافظات المحتلة أوضاعا إنسانية غاية في السوء، بسبب انهيار وانعدام الخدمات الأساسية والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وانتشار الأوبئة والأمراض الفيروسية المختلفة، التي تفتك بالمواطنين الذين يصطادهم الموت في الطرقات وخلف جدران المنازل.
وفي الوقت الذي تزداد فيه معاناة المواطنين ارتفاعاً وتزداد الأوضاع المتردية تفاقماً، تحول ملف الخدمات إلى فتيل أشعل حرباً تصاعدت وتيرتها، بين مرتزقة الرياض ومرتزقة أبوظبي، لكن معارك هذه الحرب ظلت تستهدف المواطنين وتفتك بهم، وتضاعف معاناتهم وأوصلتهم إلى مرحلة لم يعودوا يدركون عن أي المستحيلات وأولويات الحياة يبحثون، هل عن الخبز المغمس بالمرارات أم عن الخدمات والراتب أم عن الحرية المسلوبة أم عن الأمان الضائع في ميادين الصراعات المتواصلة بين أدوات ومرتزقة العدوان؟.
ولاءات مشبوهة تعبث بعدن
ما تعرضت وتتعرض له مدينة عدن أثار غضب الكثير من الناشطين السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، الذين اتهموا تحالف العدوان ومرتزقته بتدمير مدينة عدن واستهداف مؤسساتها وتجويع وإذلال وقتل أبنائها لإجبارهم على القبول بمشاريعها التوسعية.
وقالت القيادية في الائتلاف الوطني الجنوبي كوثر شاذلي: لقد ألبسوا عدن ثوب الحداد.. أعوام مرت وما زالت عدن في حداد.. نهبوا عدن وأجهزوا على ما يستر أهلها من راتب لاشهري يكاد يسد الرمق، وأبوا إلا أن يحولوها إلى قرية.
وأضافت: «تتلاعب بعدن المصالح والولاءات والأموال المشبوهة.. وطالما ظلت النار بعيدة عن تلابيبهم وعن أولادهم، وأطفالهم وأعز ما يملكون، فحتماً لن يتوقف قتل الأبرياء الذين لا عزاء لهم… لقد أصبحت اللعبة مكشوفة ولا تحتاج لذكاء، جريمة تُنسي جريمة وتتصدر الإدانات والشجب والاستنكار وكل طرف يلقي بالتهمة على الآخر محاولاً إدانته، فيما أهل عدن بين هذه الأطراف ضحايا بلا قصاص، قتلى أو جرحى مقطعة أوصالهم، مهدومة سقوفهم لا أمن ولا أمان، لا نصير لهم ولا عقاب لكل من مست يداه المدنستان أرواحهم وحقوقهم الإنسانية.. ولا يكاد الناس يستفيقون من جريمة لتحل محلها أخرى ولا مغيث لهم ».
وتتابع كوثر شاذلي: «عدن الجريحة المكلومة تئن.. تستغيث.. فهل بقي في صدر أحدكم قلب يحس ويتوجع؟! هل بقي في داخلكم ضمير يتألم؟! هل تخيلتم أولادكم وفلذات أكبادكم تتطاير أجسادهم وتحترق بلا ذنب ولا جريرة؟! هل تعانون ما يعاني الناس في عدن أيها المسؤولون؟! أكيد لا..».
وانتقدت الذين يدعمون سياسة العدوان وأدواته بالقول: «في بلاد العالم لا يبقى مسؤول متربع على عرش السلطة يحشو بطنه بما لذ وطاب وشعبه جائع مسحوق يشكو الظلم.. ولا يظل في منصبه وهناك جريمة واحدة تمس حياة الناس، فما بال البعض يبرر ولمن؟! إلى متى أجيبونا؟! إلى متى؟! ولماذا عدن وأهلها وأرضها مرتع لأطماعكم وحقدكم وفيدكم؟! إلى متى هذا التدمير والتهميش والقتل وتصفية الحسابات على أرض عدن وعلى حساب ناسها الطيبين؟! لماذا عدن؟! أجيبونا، لماذا؟!..»
انقذوا عدن
تصاعدت الدعوات والاستغاثات المنادية لإنقاذ مدينة عدن المحتلة وانتشالها من المستنقع الذي جرها إليه، حيث دعا صحافيون عدنيون إلى سرعة إنقاذ ما تبقى من عدن، التي تتعرض لسياسات ممنهجة تستهدف تدميرها وتشويه معالمها التاريخية ووجهها الحضاري.
ووصف الكاتب الصحافي، أيوب عامر -مدير مؤسسة تحديث للتنمية- ما تعيشه عدن في الوقت الراهن بأنه “ألعن” فترة مرت على المدينة في التاريخ.. مطالباً بسرعة إنقاذ ما تبقى من المدينة قبل فوات الأوان، داعيا في منشور له على “فيسبوك” إلى الوقوف صفاً واحداً إلى جانب عدن وأهلها، للخروج من الوضع المُزري الذي تشهده منذُ فترة طويلة.
من جانبه، أكد الكاتب صديق الطيار، في مقال له، إن عدن اليوم لم تعد ثغر اليمن الباسم، ولم تعد موئل الحب والجمال، ولا الأمن والسلام وقِبلة الزائرين ومقصد الحالمين بحياة كريمة، مشيراً إلى أن شواطئ عدن لم تعد جميلة ولا رمالها ذهبية كما كانت، منوهاً إلى أن المدينة صارت موئل العابثين، وقِبلة الحاقدين، وأنها تحوّلت من عروس جميلة إلى عجوز شمطاء، تكسو جسدها الجروح والدمامل، بعد أن تم تمزيق ملابسها، وتم اغتصابها، وانتهكت حرماتها حسب تعبيره.
وتعيش العاصمة المؤقتة عدن، التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الموالي للإمارات، أوضاعاً مأساوية، وانعداماً للخدمات وغياب السلطات الأمنية، وانتشاراً غير مسبوق للعصابات المسلحة، وتتعرض معالمها التاريخية وحدائقها العامة وشواطؤها للبسط والاستيلاء من حين لآخر.
زمن الانبطاح
وفي السياق، أكد الكاتب فواز رشيد- في مقال- إن مدينة عدن تعيش أوضاعاً مأساوية، جراء خنقها على صعيد واسع بحرب الخدمات، في ظل سيطرة قوات الانتقالي التابع للإمارات عليها، مشيراً إلى أنه يتصدر مرتبة الفشل في معالجة أبسط حقوق المواطن البسيطة.
وقال رشيد: «اقتصاد ينهار بشكل متسارع، كهرباء لا تعمل، ماء لا يوجد، خدمات معطلة تماماً، ما الذي يدور في عدن؟! إنهُ زمن البؤس والحرمان من أبسط الحقوق، زمن الذل والارتهان والانبطاح للخارج، لم يتبقَّ شيء في عدن سوى أتباع الدُّمية الإماراتية، للحفاظ على المخ المغسول الذي أفرغته الإمارات من أي واجهة فعلية على مبدأ الأهداف والإصلاح في مؤسسات الدولة..».
وبدوره قال الأكاديمي في جامعة عدن، الدكتور وائل لكو، إن مخطط تحويل مدينة عدن إلى قرية نجح بامتياز، مشيرا إلى أن المدينة أصبحت تفتقر لأدنى مظاهر الحضارة والمدنية.
وأكد الدكتور لكو، أن القيم والمبادئ غابت بشكل كلي في مدينة عدن، في إشارة إلى الانفلات الأمني وعمليات الاغتيالات والاختطافات والفوضى، والنهب والسطو على الممتلكات العامة والخاصة، بالإضافة إلى انتشار المخدرات في أوساط الشباب، نتيجة ارتفاع معدل البطالة، الأمر الذي أدى إلى توسع دائرة الجرائم، بينما كانت عدن نموذجاً للمدن المتحضرة والحديثة، التي يأمن فيها الناس على ممتلكاتهم وأرواحهم.
تدمير عدن
من جانبه حذر رئيس تحرير صحيفة الجيش، الصحافي علي منصور مقراط، من تفاقم الأوضاع في مدينة عدن، مشيراً الى أن المشهد الراهن في عدن يدعو إلى الأسى والحزن الشديد، بعد أن أصبح كل شيء فيها شبه منهار ومباح.
وقال الصحافي مقراط: إن الأمور تسير بالبركة، فلم يعد هناك غير الخوف والهلع والفقر، ولم يعد فيها أثر حتى لبقايا سلطة أو أجهزة أمن تحمي حياة المواطن وتحفظ كرامته باستثناء أطقم وفصائل مسلحة تجوب المدينة وتستبيح الأحياء السكنية تشتبك مع بعضها وتقتل الناس في الشوارع وأمام منازلهم.
وأكد مقراط انتشار ثقافة العنف والفوضى والانتهاكات والبسط والنهب للأراضي والممتلكات بقوة السلاح والاستقواء بشعارات الجنوب وقضيته التي أضحت مجرد عنوان يمتطي عليه الهمجيين والسفاحين والسفهاء، مشيراً إلى أن الناس في عدن يعيشون أسوأ الأوضاع الأمنية والمعيشية التي لم تحدث في تاريخ المدينة المنكوبة وبات الفقر والعوز والجوع يهدد الآلاف من الأسر بالموت وعلى رأسهم العسكريين الذي تم إيقاف رواتبهم منذ سنوات.
وفي سياق متصل اتهمت الناشطة الحقوقية، عفراء حريري، تحالف العدوان الذي تقوده السعودية والإمارات بتدمير مدينة عدن، وإنهاء كل مظاهر الحياة التي كانت تتمتع بها قبل دخول قوات التحالف إليها في عام 2015.
وأكدت الناشطة عفراء حريري، أن ملامح الحياة الكريمة في مدينة عدن انتهت وتدمرت بشكل كلي، داعية مرتزقة العدوان المقيمين في الرياض وأبو ظبي إلى أن يتقوا الله في مدينة عدن وأهلها، منوهة إلى أن عدن أصبحت تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الضرورية.
عدن للعصور الوسطى
نجحت قوات الاحتلال الإماراتي السعودي في تنفيذ مخططاتهما في تحويل مدينة عدن إلى قرية تعيش في العصور الوسطى وها هي مظاهر سياساتها تتجسد في شوارع المدينة أو بالأصح «قرية عدن» التي تتجول الأبقار في شوارعها وسواحلها، وعاد سكانها لاستخدام الحمير والجمال كوسيلة للمواصلات ونقل البضائع بسبب الأزمات الخانقة وانعدام المشتقات النفطية.
كما دفعت أزمة الغاز المنزلي وانعدامه وارتفاع أسعاره، إلى لجوء سكان مدينة عدن إلى الاحتطاب وقطع الأشجار في الحدائق والمتنفسات العامة، بل إن قوافل الجمال عادت لنقل الحطب من أبين ولحج إلى مدينة عدن، ولا عجب إن رأيت مشاهد لم تكن تراها إلا في الأفلام التاريخية تتجسد أمامك وتتحول إلى واقع تعيشه مدينة عدن كل يوم.