الثورة / وديع العبسي
في تعاطي عربان الخليج مع تصريحات جورج قرداحي، يصل النزق السياسي- بسلوك السعودية «زعيمة» العدوان على اليمن، ودويلات الإمارات، الكويت، والبحرين – إلى قطع العلاقة الدبلوماسية وطرد السفير اللبناني.
ومثل هذا الفعل إنما يشير إلى حالة من الاستعلاء والغطرسة التي تعيشها أنظمة الخليج وفي مقدمتها السعودية، وهي كما قال رئيس الوفد الوطني المفاوض محمد عبدالسلام “لا تغطي على ما آل إليه عدوانها على اليمن من فشل ذريع”.
على أن المهم في الأمر أن جورج قرداحي لم يتجن بالمطلق في ما قاله وأكد عليه، من كون الحرب على اليمن إنما هي حرب عبثية ولابد أن تتوقف.
ومنذ أطلقت السعودية حملتها العسكرية على اليمن، والنتائج تؤكد حقيقة أنها حرب عبثية.
في تعريفه لهوية العدوان والبطاقة التعريفية له، أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي العام الماضي في كلمته في الذكرى السادسة لليوم الوطني للصمود بوجه العدوان 2021 – 1442هـ، أنه لم يكن هناك للسعودية أو الإمارات أو أمريكا ما يبرر لهم هذا العدوان على اليمن، «فالحالة كانت حالة اعتداء غادر بكل ما تعنيه الكلمة، من دون أن يكون هناك أي ملابسات، أو مشاكل، أو سوابق، ينتج عنها اصطدام، أو اشتباك، أو معركة، أو حرب».
إذن كانت حرباً عبثية منذ البداية، دافعها حسب السيد القائد «الطموحات المراهقة» للنظامين السعودي والإماراتي، فكلاهما «راهن ولديه طموح كبير على دور وفي دور إقليمي واسع بالوكالة، كلٌّ منهما يسعى أن يكون وكيل أمريكا في المنطقة، كلٌّ منهما يريد أن يكون حتى الوكيل الحصري لأمريكا في بلدان وشعوب أمتنا العربية والإسلامية، وأن يكون شرطيها، الذي تعتمد عليه في بلداننا، لتنفيذ المؤامرات والمخططات، ليس لكلٍ منهما أي مشروع ذاتي حقيقي وصالح؛ إنما كلٌّ منهما صمم وضعه ودوره في إطار الدور الأمريكي والإسرائيلي والغربي».
وفي معرض تساؤله الاستنكاري عن ما يبرر هذا الهجوم، يشير السيد القائد إلى «الاستهداف للأحياء السكنية والمنازل والقرى، وهذا مكثف منذ بداية العدوان وإلى اليوم، ومن أول غارة استهدفت الأحياء السكنية، استهدفت الناس في منازلهم، اليمني يُستهدف في كل مكان في بلده: في منزله، وفي خارج منزله، أينما كان يُستهدف، وأتت الغارات الجوية وبشكل وحشي لتدمر الكثير من المنازل، وتستهدف الكثير من المنازل في المدن، في الأحياء السكنية ، وفي القرى أيضاً، ونشرت الكثير من المشاهد، والضحايا من المدنيين: أطفالاً، ونساء، ومشاهد مؤلمة ومأساوية جداً»، يتساءل السيد القائد «أيُّ شيءٍ يمكن أن يبرر هذا، أو يشرعن هذا؟! غارات إلى وسط صنعاء، إلى وسط مختلف المدن، إلى القرى، في الأرياف، حتى في المناطق البدوية، حتى استهداف لخيام البدو، وقتل للبدو في خيامهم، وقتل لمواشيهم، أيُّ شيءٍ يمكن أن يبرر هذا، أو يشرعنه؟! وأيُّ غاية إيجابية ونبيلة يمكن أن تكون من وراء مثل هذه الجرائم، والتي نُشِرت عنها الكثير من المشاهد في التلفزيونات».
ويتساءل السيد القائد مستنكرا «هل ممكن أن يشرعن مثل هذه الجرائم شيء، أو يبررها تبريرا صحيحاً شيء، أو يمكن أن نقول: إنها لهدف لمصلحة هذا البلد، وأن من يفعل ذلك بهذا الشعب، ويقتل أبناء هذا البلد في منازلهم، وفي مساجدهم، وفي مستشفياتهم، وفي المراكز الصحية، ويستهدف المرضى، ويستهدف الجرحى، ويستهدف الكادر الطبي والصحي، هل يمكن أنه يفعل ذلك من أجل هذا البلد، ولخدمة هذا البلد؟!».
وقال السيد القائد ساخرا «الاستهداف حتى لمزارع الدجاج، ما الذي يبرر استهداف مزارع الدجاج؟! هل هي عسكرية؟! هل الدجاج لها طابع عسكري مخيف، يخافون أن تنقرهم، أم ماذا؟ الاستهداف لمزارع الدجاج، وللمواشي بشكلٍ عام، مزارع المواشي: مزارع الأبقار والأغنام».
وقال «نحن ظُلِمنا، وقوتلنا بغير حق، وأعتدي علينا بغير حق، وأتوا هم، وأُعلن هذا العدوان من آخر الدنيا، من غرب الأرض، ثم أتت جيوشهم، أتت طائراتهم، أتى مرتزقتهم، أتى كل الذين جندوهم، للاعتداء علينا، إلى بلدنا، إلى قرانا، إلى مدننا، واجتاحوا البلد من أطرافها».
ويصف مركز البحوث والمعلومات الحرب بأنها «حربا مدمرة وعبثية».
وقال المركز في تقرير له «إن حرب ابن سلمان العبثية في اليمن كانت بمثابة ثقب أسود التهمت من خلاله مقدرات الدولة السعودية، واستنزفت بشكل كبير الاحتياطي النقدي الذي تم ادخاره خلال العقود السابقة».
وفي موضوع نشره الـ”واشنطن بوست” وصف العدوان بـ”الحرب العبثية الكارثية”، وتساءل في تقرير «لماذا تُرتكَب كل تلك المجازر بحق المدنيين بإسراف كبير طالت الأسواق والمخيمات والمستشفيات وصالات الأفراح والعزاء والمدارس والأحياء السكنية؟ لماذا تُحاصَر البلاد جوًا وبرًا وبحرًا خلال كل هذه الفترة؟!».
وقال التقرير «سيكون من العبث الاستمرار في هذه الحرب التي صرّح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنه لا يمانع أن تستمر أعوامًا أخرى، الأمر الذي يوضح مدى استهتار النظام السعودي بأرواح اليمنيين!»
في ديسمبر من العام 2017م، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إنهاء ما وصفها بـ «الحرب العبثية» في اليمن.. وقالها صريحة أعتقد أنها حرب عبثية.. أعتقد أنها حرب ضد مصالح السعودية والإمارات وشعب اليمن.. ما نحتاج إليه هو حل سياسي».
وقال غوتيريش «هذه الحرب تسببت، برأيي، بمعاناة مروعة للشعب اليمني.. من مصلحة الجميع إيقاف هذه الحرب».
وتصنف الأمم المتحدة الأزمة في اليمن بأنها «أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم»، بسبب العدوان.
الجميع اتفق على أنها حرب عبثية، فهي لم تكن لسبب مقنع، ولم يمس السعودية ما يمكن أن تقوم على إثره برد الفعل، متمثلا بالترتيب لحملة عسكرية على اليمن، ثم أنها -الحرب- وخلال سنوات لم تسجل أي نقاط لصالح هذا التحالف سوى قتل البشر وتدمير الحجر، وخلقت أسوأ أزمة إنسانية في العالم حسب تقييم الأمم المتحدة، وهذه النتائج هي التي استندت إليها تلك التوصيفات من قبل قادة وشخصيات بارزة على مستوى العالم، مستهجنة هذه الحرب والعدوان.
كان واضحا أنه مع تجاوز الأسابيع الأولى التي حددها ابن سلمان عُمرا لحملته العدوانية دون نتائج تذكر، تبدلت خطة الحملة لتبدأ مرحلة الطيش والعبث الطويلة في استهداف كل شيء في هذا البلد الذي تأمروا عليه لعقود كي يبقى فقيرا متخلفا يستجدي المعونات والمساعدات من الوقوع في الحاجة والكوارث الإنسانية.
في الأعوام القليلة الماضية تبنى عدد من السياسيين الأمريكيين – وكذا البريطانيين والفرنسيين والأمنيين وهم أقطاب هامة في هذا العدوان – حملة ضد استمراره، مستشهدين بمشاهد لحجم الكارثة التي خلفتها الآلة العسكرية، ورافعين شعار أوقفوا «الحرب العبثية على اليمن»، لم يكن جورج قرداحي هو الأول ولن يكون الأخير في إطلاق هذا الوسم على عدوان السعودية، كما أنه لم يكن بالمبرر المنطقي لهذا الشكل من رد الفعل تجاه لبنان، لكنها التي أراد بها ملوك الرمال ممارسة الضغوط على لبنان الذي يتحلل من التبعية لبراميل الخليج.
يثيرهم أن لبنان لا يزال يقاوم رغم المحاولات المستميتة في إغراقه في الأزمات وجرّه إلى المربع الأول من الحرب الأهلية والمنازعات، دمروا اقتصاده وأوصلوا سعر الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها، حاولوا تفجير مواقف بعمليات اغتيال وتقطع وخلقوا طوابير الحاجة في الشوارع لمتطلبات حياة الناس، وهدفهم «إما الانصياع للإرادة الخليجية أو الموت جوعا»، إلا أن لبنان بكل أبنائه الشرفاء كانوا بالمرصاد دائما لتلك المحاولات وكان «حزب الله» بقيادة نصر الله الصوت المستنهض والمحيي لحسّ البصيرة لدى اللبنانيين أن احذروا «إن هناك أمراً يُراد».