هذه بيعةٌ يمانيةٌ تتجدَّد كل عامٍ يا رسول الله
بقلم / رئيس التحرير – عبدالرحمن الأهنومي
احتفل اليمنيون بمولد المصطفى رسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يوم، أمس، في مشهد غير مسبوق في اليمن ولا معهود في غيرها ، وقد سجلت احتفالات المولد النبوي الشريف هذا العام حضوراً مليونياً غير مسبوق في الأعوام السابقة ، فمن حيث عدد الساحات امتدت الساحات لأكثر من 30 ساحة في أرجاء العاصمة والمحافظات الحرة ، ومن حيث الحضور والمشاركة شهدت الميادين والساحات، يوم أمس، سيولاً بشرية تدفقت إليها من المدن والقرى والعزل والأرياف والسهول والوديان احتفالاً وحباً وتقديراً ومحبة وتوقيراً لأفضل خلق الله وأعظم رسل الله وأزكى وأطهر البشر ، رسول الله محمد صلوات ربي عليه وعلى آله وسلم.
لمحمد النبي الأعظم فلتحتشد الحشود المليونية ، ولرسول الرحمة والهدى صاحب الخلق العظيم فلتملأ الساحات بَشَراً والقلوب حباً وعشقاً، وللنبي الخاتم المبعوث في ديار العرب إلى العالمين فليترنم الشعراء والمنشدون ولتعزف الأهازيج والزوامل والمعازف ، وللمبعوث رحمة للعالمين وعزا للعرب وفخرا ورفعة وعلوا وسيادة وريادة فلترفرف الرايات وترتفع الأعلام على المواكب وتحمل على الأكتاف وفوق الهامات عالية ، ولمحمد رسول الله ونبيه وخير خلقه وأفضل رسله وأطهر البشر وأزكاهم وأرشدهم فلتجدد عهود البيعة والولاء والانتماء ، ولمحمد النبي الرسول العظيم المنقذ الذي بُعِثَ لإخراج الناس من الظلمات إلى النور صاحب الأنوار السماوية فلتتزين السماوات ولتتشح الديار العامرة والأرض والقفار والمواكب بالأضواء المتلألئة ، وبمولده فلتحتفل الدنيا وتشعل الأنوار وتزين الحياة كلها وبالصلوات عليه تسكن النفوس وتهدأ وتقر الأرواح ، وبحمد الله يسجل الشعب اليمني صدارة على الصعيد العربي والإسلامي احتفالا واحتفاء وحبا وتأسيا واقتداء وانتهاجا عمليا بالقيم الرسالية والمبادئ المحمدية الإسلامية.
وهذه المحطة السنوية المتجددة تأتي لتكرس المعاني الأسمى ، والمبادئ الأرقى ، وفضائل ومكارم الأخلاق ، وتحفز الأمة إلى النهوض لبلوغ ذروة المعالي وعزة الأحوال والسيادة والريادة والتفوق ، ولتفتح أعينها على أعظم خلق الله وأطهرهم وأعلاهم شأنا وأرفعهم منزلة وأجلهم حكمة ووقارا وسيادة ، وتعود إليه كمنهاج وقيمة ومعنى وقدوة وأسوة ورمز خالد، والحق أن الواقع البائس للأمة يقتضي هذه العودة بل ويفرضها.
متى يعرف العرب والمسلمون أنهم أضاعوا سيادتهم على العالم حينما انصرفوا عن هذا النبي وعن منهجه ورسالته ودينه وجعلوا منه طقوسا عبادية لا تمت لحياتهم بصلة ، فالله بعث محمدا من العرب وأرسله إلى العالمين أجمعين برسالة ودين شامل للبشرية جمعاء ، والله اختار الجزيرة العربية مكانا ومولدا ومنشأ وعاصمة لهذا النبي المبعوث للعالمين ، والله حبا هذه المنطقة التي بعث منها النبي بالخيرات الوفيرة وبالأموال ورزق أهلها من الطيبات التي تمكنهم من حمل هذا الدين إلى العالم أجمع ، وتمكنهم من قيادة ركب البشرية كلها ، والله بعث محمدا وأنزل معه القران كمنهاج شامل لأمور الحياة الكاملة فيه السعادة وفيه الرفاه وفيه التقدم وفيه التطور والحضارة والعلو والرفعة والقوة وفيه السياسة وفيه الأخلاق وفيه كل شيء ، والله بعث محمدا ليكون عزا ورفعة وسيادة وقوة وربط كل هذه المقومات وركائز التفوق والخيرات بعلاقتنا بهذا النبي الذي أعز الله به العرب ، ولا يمكن للمقومات الأخرى أن تكون قوة بدون محمد ، ولهذا ورغم هذه الثروات والخيرات والمقومات الإلهية نجد الفقر والبؤس والحرمان يتفشى بين العرب بشكل أكبر مما هو في الأمم الأخرى.
ذلك لأن العرب انصرفوا إلى غيره ، وتركوه وراء ظهورهم فتاهوا وانحطوا وسقطوا في حضيض الأمم بل وتحت أقدام من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة يتوددونهم ويوالونهم.
متى يعرف العرب والمسلمون أن الله جعل عزتهم ورفعتهم وتقدمهم وازدهارهم وقوتهم أمام الآخرين مقرونة بعلاقتهم وبإيمانهم العملي بهذا النبي الرسول الخاتم المرسل إلى العالمين جميعا وبالعودة إليه ، فما من عزة وما من رفعة وما من قوة يمكن لأي عربي أن يحصل عليها من غير محمد كقيم ودين ومبادئ وشريعة ، حتى لو امتلك كنوز الدنيا وخزائن الأرضين.
لقد بعث الله محمدا رسولا عربيا من نسل اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام ، فأنزل معه الكتاب والإيمان والحكم وخصَّه بالرسالة الخاتمة للحياة الدنيا ، في زمن كان العرب يعيشون أسوأ الانحطاط والفوضى والتيه والبؤس والظلام والجاهلية الجهلاء ، لكنهم جعلوا من نبيهم قصة تكتب وتطبع للقراءة والاطلاع لا للاقتداء والتأسي والسير على هداه ونهجه وليكون الرمز والقدوة والقائد والهادي والأسوة الحسنة ، واستبدلوا به رموزاً أخرين منحطين ، فحصل التيه والضعة والتردي والهوان والانتكاسات الكبرى منذ ما بعد وفاته صلوات ربي عليه وآله وسلم.
إن الاحتفالات المهيبة التي شهدتها اليمن أمس بمناسبة مولد المختار محمد رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم ، وبما يجسد الارتباط والانتماء وبما يعلي من شأن نبيبنا ورسولنا الخاتم لرسول الله وبما يعبر عن محبتنا وتوقيرنا له وشكرنا لنعمة الله به علينا ، كاف وضامن لنا أن نكون شعبا ليس في صدارة شعوب الأمم احتفالا ، بل في صدارتها قوة ورفعة وعزة ومعنى وسيادة ، وضامن لنا بأن نكون الأعلون عند الله والسادة في هذه المنطقة إن لم يكن العالم.
ما شهدناه في هذه المناسبة وفي ما سبق أيضا ، يجسد حقيقة معنى قول رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم لأصحابه ، الإيمان يمان والحكمة يمانية» وقوله «إذا هاجت الفتن آخر الزمن ، فعليكم بأرض اليمن فإني أجد نفس الرحمن في اليمن» والحق نقول اليوم هذا هو نفس الرحمن يا رسول الله وهذا هو يمن الإيمان والحكمة والأنصار والمواسين.
كان رسول الله يخرج إلى حجاج بيت الله في كل عام ، ويلتقي بهم قبيلة قبيلة عله يجد قبيلة تحمل الرسالة وتحتضن الدعوة الإسلامية بعدما نشبت قريش حربها وحرابها ضد المصدقين المؤمنين به ، ثم يعود عاما بعد آخر ، فبعض القبائل تقبل بشروط مجحفة ، أما الأخرى فترفض بشكل صارخ ، لكن الله هيأ له أنصارا يمانيين من الأوس والخزرج، القبيلتان اللتان سكنتا يثرب منذ عهد الملك اليماني تبع الحميري ، وما إن التقى رسول الله بزعماء الأنصار حتى بايعوه بيعة يمانية خالدة تتجدد في كل أوان وزمن وحين إلى يومنا هذا ، وفي هذا الزمن وإن تاه العرب وضلوا فقد هيأ الله شعب يمانيا مفعما بالإيمان والحكمة يحمل مجددا هذا النسيم ويتلاقى مع الأجداد الألى الذين بايعوا وآووا ونصروا وجاهدوا وآثروا في الضيق والخصاصة ، ولسان حالنا كما حال أجدادنا الأنصار
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكـر عليـنا
مـا دعــــا لله داع
أيّها المبعوث فينا
جئت بالأمر المطـاع
جئت شرّفت المديـنة
مرحباً يـا خير داع