(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)( الانبياء 107)
يقول الله – جل جلاله – لرسوله الأعظم , محمد ( صلى الله عليه وسلم ) , وما أنزلنا إليك القرآن الكريم , وما اصطفيناك لنشر الدين الإسلامي الحكيم , وما جعلناك خاتماً للأنبياء والمرسلين , وما أخترناك سيداً وقائداً للبشيرة كلها، أي وما أعطيناك تلك المكانة الإلهية الخالدة إلا لتكون رحمة عظيمة ونعمة كريمة لجميع سكان المعمورة بشتى قومياتهم وأجناسهم ولغاتهم وبكافة بلدانهم وأقطارهم وأوطانهم المتعددة منذ إبلاج فجر الإسلام وحتى يوم القيامة .
ومن هنا يتضح تمام الوضوح أن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) حمل الرسالة الإلهية الخالدة وقام بنشرها في كافة أنحاء العالم وسعى إلى إنقاذ المجتمع الإنساني, وتخليصه من ويلات الجهل والظلم والطغيان , وقام بتنويره بأنوار القرآن الكريم , وتعريفه بخيرات الدين الإسلامي القويم , والارتقاء به إلى مصاف الحياة الكريمة والسعادة المباركة في الدنيا والآخرة .
ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الرحمة الإلهية المباركة , التي وهبها الله تبارك وتعالى وأعطاها للرسول العظيم محمد (صلى الله عليه وسلم ), تستمد أنوارها المجيدة من وحي القرآن الكريم , وتستلهم مقوماتها الحقيقية , من روح الدين الإسلامي الحكيم , وتستوحي مفاهيمها الثابتة من صميم المبادئ والقيم الإسلامية والإنسانية الأصيلة , ويتجلى ذلك واضحاً من خلال القيام بتعريف القرآن الكريم , وشرح خصائصه الإنسانية الشاملة, وتوضيح مكانته العالمية العملاقة, وذلك وفقاً للعرض التالي :
أولاً : إن القرآن الكريم , هو رسالة الله – جل جلاله – إلى جميع عباده , وهو كلمته الخاتمة والتامة , والشاملة , والمطلقة , التي لا كلمة بعدها أبداً , وهو حجته الغالية الباقية , منذ نزوله , وحتى يوم القيامة .
ثانياً : إن القرآن الحكيم، هو كتاب الرسالات السماوية الخالدة , ورمز الحضارات العالمية العملاقة , ومرجع الوحدة الإنسانية الشاملة , ومصدر العلاقات الدولية المشتركة , وموئل القيم الإنسانية الأصيلة.
ثالثاً : إن القرآن الكريم، هو كتاب الأسرة العالمية الواحدة – بكافة ألوانها وأجناسها وأعراقها وقومياتها ولغاتها المختلفة وهو نور دينها وعقيدتها وقيمها الخالدة , ومنبر علمها وفكرها وحكمتها العالية , وضوء عقولها وقلوبها وضمائرها الحية , ومنهج تقدمها وتطورها ونهضتها العملاقة , وسلاح قوتها ونصرها وعزتها المجيدة , وحصن أمنها واستقرارها ووحدتها الشاملة , وجوهر شرفها وكرامتها وحريتها المقدسة , وشمس مجدها وتاريخها وحضارتها التليدة , ودستور حاضرها ومستقبلها وتطلعاتها الواسعة النطاق .
رابعاً: إن القرآن الحكيم , هو المنهج الإلهي العظيم , الكفيل ببناء النظام العالمي الجديد , وتحقيق النهضة العالمية الشاملة , وترسيخ الحوار الحضاري الدولي المشترك , وبناء المستقبل العالمي البهيج , وتحقيق الأمن والتعاون والسلام العالمي.
خامساً : إن القرآن الكريم، هو نور الأمة الإسلامية الواحدة , وجوهر العقيدة الإسلامية المجيدة , وشمس العلوم الإسلامية الواسعة , وضوء العقول الإسلامية الخلاقة , وبيان الدعوة الإسلامية المباركة , ودستور الوحدة الإسلامية الشاملة , ومنهج النهضة الإسلامية العملاقة , وبنك الثروات الإسلامية الغالية ونهر النعم الإسلامية الجزيلة , ومفتاح أبواب الجنة الخالدة .
سادساً : إن القرآن المجيد، هو التنزيل الإلهي الحكيم , الكفيل – بصفه تامة وكاملة ومطلقة- بإنقاذ العالم الإسلامي , وتخليصه من جحيم الحروب والصراعات والأزمات المتفجرة اليوم فوق رؤوس أهله وسكانه , والجدير بإخراجه إلى بر الأمن والأمان والسلام , وتحقيق وحدته وتقدمه ونهضته الشاملة , (الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية والإعلامية والثقافية والعلمية والتكنولوجية … الخ) وترسيخ مكانته الإقليمية والدولية العملاقة , والارتقاء به إلى مصاف إنجازات العصر العالمي الجديد , وآفاق تحولاته المستقبلية الكبرى .
***
ومن الأهمية بمكان القول، إن بلادنا اليمن بقيادة سماحة السيد العلم عبد الملك بدر الدين الحوثي- حفظ الله تبارك وتعالى تحتفل اليوم بذكرى المولد النبوي الشريف 1443هـ وتسعى إلى إحياء هذه الذكرى الإسلامية العظيمة بجهودها الذاتية المحدودة , وفي ظل تعرضها لأشد أنواع الحروب والدمار والحصار من قبل القوى (السعودية والإماراتية والأمريكية ) المعادية .
وتعمل بلادنا اليمن في الوقت الراهن, على إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف والاحتفال بها , بصورة واسعة النطاق , وبطريقة ليس لها مثيل في أي دولة من دول العالم الإسلامي , البالغ عددها (57) دولة وبشكل يهدف – غاية ما يهدف- إلى تحقيق الغايات والتطلعات التالية :
أولاً : تعظيم الرسول (صلى الله عليه وسلم ) , وتعميق المشاعر الإيمانية الخلاقة لدى عامة الشعب اليمني الواحد, ونشر الفرحة والبهجة والسرور في جميع محافظات الجمهورية .
ثانياً : نصرة الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم ) , والدفاع عن مكانته الإسلامية المقدسة وشخصيته الإنسانية الخالدة ورسالته العالمية الشاملة والذود عنه في مواجهة الحملات الأجنبية المعادية التي ترمي إلى النيل من سمعته وهيبته ومكانته العملاقة .
ثالثاً : إنعاش الأمة المحمدية المباركة وتفجير طاقاتها الإسلامية الخلاقة , وتكوين إرادتها العامة , وتنشيط ذاكرتها المجيدة , ورفع روحها المعنوية العالية ومن ثم القيام بتحريكها لحمل راية الرسالة المحمدية الخالدة ونشرها في مختلف أقطار العالم.
***
وختاماً يمكن القول إن الواجب الإسلامي المقدس يفرض على جميع دول العالم الإسلامي, ويدعوها إلى أن تقوم بإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف كل عام , كما يدعوها إلى أن تقوم بتسخير كافة وسائلها الإعلامية واستخدامها من أجل إحياء هذه الذكرى المجيدة والتعامل معها بروح العصر الإسلامي المجيد وافاق تحولاته الكبرى والحمد لله رب العالمين.
*كاتب في الشؤون الإسلامية والدولية
مؤلف الموسوعة القرآنية الكبرى