الثورة /
في ما يتصل بعدن من الأعمال الفكرية للدكتور عبدالعزيز صالح بن حبتور.. أتوقع احتفاء كبيرا، ولو على مستوى الصحف ومواقع الصحافة الالكترونية، من كل الأطياف.. بهذا الإنجاز العلمي التاريخي الكبير، والذي يعتبر من أهم إصدارات مرحلة مواجهة العدوان… لأنه يضع القارئ في محك اختبار نهائي لتجاوز مرحلة الوهم باليقين والجهل بالعلم في أن أصالة الوجود الإنساني في هذا المكان المميز من الأرض هي التي تحدد مصيره ومساره وثباته… وأن ما ليس أصيلا منه وفيه طارئ.. ومآله إلى زوال لا محالة.. وفي الوقت الذي يتعرض فيه جنوب اليمن للاحتلال الأمريكي.. ضمنا وعلنا وبأذرع وقوات عربية ومرتزقة تابعين للمحتل.. يتوهم بعض ملاعين من الجنوب، ويشجعهم ملاعين من تيارات إرهابية تربية دول العدوان، أن بإمكانهم الحصول على استقلال جزئي تحت مسمى دولة الجنوب العربي.. أو تحت مسمى أقاليم.. وتنمي الدول المحتلة هذه الفكرة في أدمغتهم، وقد جردتهم من القيم والأخلاق والسلاح وما يزالون يسبحون في بحور من الأوهام وسراب من التمني في حين أنهم في الواقع مجرد أسرى..
كتاب مهم مكتنز بالتاريخ والمعلومة والوثيقة.. صدر بشكل أنيق ومضمون موثق.. هذا العام 2021م.
وكنهر عذب فياض رفد الدكتور بن حبتور المكتبة اليمنية، بمؤلف ضخم يليق بعدن تاريخا وجغرافيا وإنسانا، كأول اسم بمكان محفور في ذاكرة الإنسانية، وباليمن كأخصب أم خرجت من بين ترائبها الحضارات…
عدن قطوف من الوفاء للإنسان والمكان..
إصدار يحمل سحنة البحر العربي، وبنفس الهيجان والموجان يغمر تجاعيد جدة العرب السعيدة… فينعش ذاكرتها ويجدد نشاطها ويعيد لها حيويتها.. حدثنا بنعمة ربه عن عدن أن أم العربية أفريقيا، وقال ولدت عدن عندما انشق البحر الأحمر.. قبل ملايين السنين..
“عدن.. قطوفٌ من الوفاء للمكان والإنسان”
عدن لغة.. أصل.. واصطلاحا استقرار. وبرأيي سكن فيها آدم وزوجه.. بعد سجود الملائكة.. ثم استقروا فيها بعد المعصية.. وقطوف معارف عطرة.. لعدن الأرض والإنسان..
الكتاب نزل وكأنه مائدة من السماء على القلب. المؤلف وهو أستاذ جامعي في جامعة عدن ويرأس حكومة الإنقاذ الوطني.. تناول بأسلوب أدبي حديث وعلمي بحثي الدراسة عن عدن منذ الانشقاق العظيم.. أو منذ حدوث الشق العظيم… منذ ملايين السنين، إلى زمن انشقاق القمر، وإلى زمننا هذا زمن انشقاق الرقم..
وسنستعرض عناوين الكتاب -على هذه المنصة بكل زهو أصالتنا الحقيقية- من خلال هذا الحكيم العدني العاشق عدن واليمن بكله، العاشق ثغر عدن، وبهذا الكتاب يصيبها.. والعاشق صنعاء.. ولا أستبعد أن تصبيه فيعد كتابا ثانيا لعينيها… وكما قال البردوني:
”يصبو ويصبي إليه كل خرعبة
يقيم يين الهوى والحسن ميزانا”..
وكيف لا وهو يعيش فيها منذ سنوات طويلة.. وكأني به يصعد على ”نقم” فيرنو إلى ”ردفان”.. ويتمثل قول البردوني:
”أأنفث من عتمة الغور قصه
وكيف وفي القلب عشرون غصه
وبي عدن تجلس القرفصاء
وصنعاء على ساقها مقرفصه”..
خمسة أبواب.. وفي أبواب الكتاب الخمسة، دخل التاريخ والأمم من هذه الأبواب المتفرقة أفواجا..
قال البروفيسور عبد العزيز صالح بن حبتور في مقدمة كتابه:
(عدن كأي مدينة ساحلية وجدت بأي ركن في هذا العالم، تتلاقى فيها الاقوام وتختلط فيها الاعراق، وتقام فيها طقوس الديانات، ويتمذهب فيها الناس كل على دينه ومذهبه وهواه، وهم خليط إنساني حضر إليها من كل بقع الأرض)..
هذه الفقرة هي خلاصة المقدمة، والمقدمة بدورها خلاصة الكتاب.. وخلاصة الخلاصة برأيي تعريف مطلق لمفهوم المدنية والتمدن بشكل فكري فلسفي راق، وهذا هو عرضي للكتاب وأحاول قدر الإمكان إيصال فكر بن حبتور.. فالكتاب يتحدث عن عدن من جوانب كثيرة، لكنه أيضا نموذج فريد يلخص تجربة التمدن لعدن خلال فترات ومراحل امتدادها التاريخي ونضجها الحضاري..
ومن خلال محددات وطيات الكتاب الذي وزع أبوابه الخمسة على أكثر من 700 صفحة، قطع متوسط، يتضح جليا أننا إزاء مدينة من أقدم مدن الأرض على الإطلاق. ففي الباب الأول الذي عنوانه ”عدن في المراجع التاريخية”.. استعرض المؤلف في استقصاء بحثي دقيق اسم عدن من خلال النقوش والآثار التاريخية وكذلك تاريخ وجغرافية عدن في مقدمة تعريفية تاريخية حول عدن لهذا الباب..
الباب الأول مكون من أربعة فصول.. الفصل الأول عدن في مرحلة العصر الذهبي للدولة الإسلامية.. الفصل الثاني عدن في مرحلة الاستعمار البريطاني.. الفصل الثالث المعالم التاريخية والأثرية في جغرافية عدن.. الفصل الرابع عدن في مرحلتي الدولة الوطنية والوحدة اليمنية.
الباب الثاني بعنوان الرحيل الخالد، وعدد من شخصيات عدن، ويتكون من ثلاثة فصول.. الفصل الأول كتابات حول عدد من شخصيات عدن.. والفصل الثاني كتابات حول عدد من شخصيات عدن فقدانهم في زمن الحرب.. والفصل الثالث كتابات حول كتب وموضوعات تتصل بعدن لجامعتها.
الباب الثالث بعنوان “أوراق بحثية ومحاضرات” ويتكون من ثلاثة فصول.. الفصل الأول ورقة بحثية عن الأزمة المالية العالمية وبحث علمي عن المنطقة الحرة بعدن. الفصل الثاني نماذج من المحاضرات التي ألقيت في عدن.
الفصل الثالث نماذج من مداخلات وكتابات في الندوات العلمية ذات الصلة بعدن وجامعتها.
الباب الرابع بعنوان “موضوعات المقالات حول عدن وجامعتها”.
الفصل الأول مقالات عن عدن وجامعتها.. الفصل الثاني كتابات وموضوعات حول عدن في زمن الحرب..
الباب الخامس بعنوان “جامعة عدن وحرب العدوان 26 مارس 2015م”.
مجموعة كبيرة من محاضرات وكتابات ومقالات المؤلف المتعلقة بعدن وجامعة عدن.. سواء التي أنتجها هناك أو انتاجاته الفكرية الأخيرة حول عدن إلى وقت الحرب. وثمة أعمال معنية بالحرب وآثارها الكارثية على الاقتصاد والتعليم…
الجميل في منهج بن حبتور أنه حينما يتحدث عن عدن في فترة الحكم الإسلامي يكتب التاريخ الهجري فيقول مثلا للأعوام من 500 هجرية إلى 700 هجرية.. وحين يتحدث عن عدن في فترة الاحتلال يكتب التاريخ الميلادي.. مثلا للفترة من 1967م إلى 1969م. هذا الأسلوب ينسجم ومنطق الأمانة العلمية..
النقوش والآثار والوثائق التاريخية عابقة بالبخور العدني وقوافل التصور لا تكف عن نشر صور لأسراب القوافل المحملة بالتوابل عابرة للحدود.. كل ذلك خطر ببالي أثناء تقليب الصفحات.. والعين في كلمة عدن تكاد تكون ميما وتنطق أنها مدن.. والكتاب مزود بالصور مما يعكس انطباعا حقيقيا عن هذه المدينة الجميلة..
قوائم تتضمن أسماء قضاة وفقهاء وحكام وأئمة، جاءت كمصفوفة دينية تثبت صحة معادلة ارتباط هذه المدينة بالسماء كما هي بالأرض وأن منها أول الناس إسراعا في الدخول في الإسلام واستقبلت عدن أول ولاة نبي الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.. في وقت مبكر.. من العهد المحمدي.. وعلاقتها بالدولة اليمنية الإسلامية المستقلة، فازدهرت بالعلم والعلماء على مدار القرون السابقة وهذا ما أهلها لتكون مصدر إشعاع وهدي امتد إلى أصقاع المعمورة..
محطات مهمة مرت بها عدن على الصعيد السياسي، أثناء فترة الاحتلال البريطاني.. اتفاقيات أبرمت لعدن كمستعمرة، وتحولات سياسية واجتماعية متعاقبة موثقة.. السكان قبل الاحتلال.. الحكام والحركات والتحركات السياسية والثقافية والاجتماعية الناشئة أثناء التواجد البريطاني. النشاط التنويري واستنهاض الوعي الوطني ضد الاحتلال.