الثورة / عبدالرحمن عبدالله
مطلع يوليو/ تموز لهذا العام، أعلن تحالف العدوان السعودي الأمريكي ومرتزقته إطلاق عملية عسكرية أسماها «النجم الثاقب»، بزعم تحرير محافظة البيضاء، جاء إعلان العملية متزامنا مع حلول أيام عيد الأضحى، كان الهدف هو إرباك القوات المسلحة في معارك تحرير مارب، وبالفعل تمكن تحالف العدوان وإرهابيوه ومرتزقته من السيطرة على مديرية الزاهر والتقدم باتجاه مدينة البيضاء، مركز المحافظة الذي يحمل الاسم ذاته، إضافة إلى إعادة السيطرة الكاملة على مديرية الصومعة.
لكن بعد ثلاثة أيام، شنت القوات المسلحة مسنودة بأبناء البيضاء عملية النصر المبين من عدة محاور على مركز مديرية الزاهر، واستطاعت التقدم إلى وسط المدينة، وأعلنت تحريرها ودحر عناصر القاعدة عنها، واصلت القوات المسلحة عملياتها الهجومية وفي الخميس 23 سبتمبر أعلنت القوات المسلحة تحرير كامل محافظة البيضاء ودحر عناصر القاعدة عن كافة مديريات المحافظة، وقد كانت النصر المبين بمراحلها الثلاث، وفجر الحرية من أعنف المعارك التي شهدتها البيضاء وتمكنت من تحريرها كاملة.
قلب اليمن
تعد محافظة البيضاء واحدة من المحافظات الاستراتيجية، التي حرصت أمريكا منذ وقت مبكر على توطين التنظيم الإرهابي القاعدة بل وجعلها عاصمة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والأمر نفسه على استخدامها كنقطة استراتيجية في إطار العدوان على اليمن بفعل المميزات الكثيرة التي تتمتع بها، فالمحافظة، التي تتكون من 20 مديرية، توصف بأنها قلب اليمن كونها تتوسط بين شمال البلاد وجنوبها.
وتحاذي المحافظة ثمان محافظات هي أبين ولحج والضالع وشبوة ومارب وإب وذمار وصنعاء.
وبسبب موقعها الاستراتيجي، حرص تحالف العدوان السعودي الأمريكي على دعم القاعدة وإمدادها والتنسيق معها وتوفير الحماية العسكرية، واتخذت منها منطلقا لعمليات القاعدة الأمنية، وحتى العسكرية في المحافظات المحاذية.
قطة عبور إلى صنعاء
تعد محافظة البيضاء بالغة الأهمية كونها أيضا تعد نقطة عبور إلى العاصمة صنعاء، فالمحافظة مرتبطة بحدود مع ريف صنعاء، وقد انطلقت القاعدة في تنفيذ عملياتها داخل العاصمة صنعاء من البيضاء، وكذلك وفرت الدعم لجبهات العدوان بمحافظة مارب انطلاقا منها.
وفي البيضاء برز التحالف بين السعودية وأمريكا وتنظيم القاعدة واضحا، وجرى تعيين قيادات القاعدة في مناصب عسكرية وإدارية بقرارات معلنة، كذلك أطلق الإعلام السعودي والأمريكي والإماراتي على هذه العناصر بالمقاومة الشعبية، وخلال المعارك حاولت قوى العدوان إسنادها بالطيران والإمداد اللوجستي وتأمين الاتصالات وغيرها.
تحرير البيضاء
منذ يوليو الفائت شن أبطال الجيش واللجان الشعبية عمليات عسكرية واسعة في البيضاء استهدفت أوكار القاعدة وداعش، في مديريات الزاهر والصومعة ومسورة، وفي عملية النصر المبين التي نفذها أبطال الجيش واللجان الشعبية في يوليو تمكنوا من تحرير 1000 كيلو متر، ثم في عملية فجر الحرية حرروا بقية مناطق المحافظة بمساحة 2700 كيلو متر مربع.
حاول تحالف العدوان خلال العمليات إنقاذ الإرهابيين بتكثيف الغارات الجوية على مواقع الجيش واللجان الشعبية خلال المواجهات، لإعاقة التقدم السريع والتحرير للمحافظة لكنها محاولة فاشلة، إذ أعلن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العميد يحيى سريع الخميس 23 سبتمبر تحرير كامل محافظة البيضاء ودحر عناصر القاعدة عن كافة مديرياتها.
سبق العملية العسكرية عمليات أمنية استخبارية كشف عنها الإعلام الأمني يوم أمس، كشفت بها مواقع ومقرات القاعدة ومساكن قياداتها ومعسكرات التدريب ومعامل التفجيرات والمفخخات والتمركز، مهدت للعمليات العسكرية النوعية التي أنجزت انتصارا استراتيجيا هاما.
الإنجاز في العمق
لم يكن إعلان الجيش واللجان الشعبية عن تحرير كامل مديريات محافظة البيضاء البالغة 20 مديرية، كان آخرها مديريتي الصومعة ومسورة والأولى تعد المعقل الرئيس لتنظيم القاعدة التكفيري، سوى انتصار استراتيجي مهم ليس على صعيد تحريرها من تحالف العدوان ومرتزقته، بل وأيضا توجيه ضربة قاصمة للقاعدة التي ظلت لسنوات تقيم في مديريات المحافظات، وتنطلق منها في تنفيذ عملياتها الإجرامية ضد الشعب اليمني.
وبعد نجاح القوات المسلحة في تحرير مديريتي الصومعة ومسورة بعملية فجر الحرية، ودحر تنظيم القاعدة من كامل البيضاء، فقد حققت القوات المسلحة انتصارا استراتيجيا يعتبره البعض أهم الانتصارات، فمن الناحية العسكرية تمثل البيضاء منطقة مهمة واستثنائية جغرافيا، ومن الناحية الاستراتيجية فإن الإطاحة بمعاقل تنظيم القاعدة في البيضاء يعني توجيه ضربة قاسية للتنظيم الذي اتخذت منه أمريكا أداة تنفيذ مخططاتها الإجرامية، وذريعة لتدخلاتها وتواجدها في اليمن بشكل عام.
تتمتع البيضاء بموقع جغرافي مهم، إذ تتشارك حدودها مع 8 محافظات يمنية مهمة، هي شبوة وأبين ولحج والضالع، وإب وذمار ومارب وصنعاء، وهي الأقرب إلى صنعاء إذ لا تبعد أكثر من 40 كم.
وكان تنظيم “القاعدة” قد حوّل البيضاء إلى مركز رئيس جديد له، بعد عمليات للجيش اليمني في العام 2011 انتقلت القاعدة إلى البيضاء، وفي البيضاء، قامت طائرات من دون طيار أميركية بشن غارات على التنظيم، أبرزها قتل أنور العولقي، وفي 2017 نفذ الجيش الأمريكي إنزالا بريا في يكلا قتلت في الإنزال أطفالا ونساء.
ساهمت الضربات الأمريكية من جعل البيضاء مركزاً محورياً لـ”القاعدة” وكانت الضربات تعطي هذه العناصر قبولا لدى أبنائها، وتعرضت المحافظة لنصيب وافر من الضربات الأمريكية بهذه الذريعة، لكن القاعدة في المحصلة ورقة أمريكية جرى الإعداد والتحضير لها منذ وقت مبكر.
نشوء القاعدة
قبل العام 2009 لم يكن لتنظيم القاعدة الشكل والصورة والهياكل التي تمظهرت بعدها، لكن في عام 2009، ظهر التنظيم، في صورته ومُسماه الحالي، بعد اندماج عناصر القاعدة في اليمن مع عناصر القاعدة القادمين من السعودية ليشكلا تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بقيادة ناصر الوحيشي الذي استقر في محافظة البيضاء.
خلال أحداث الثورة الشبابية الشعبية 2011، بدأت القاعدة بالانتشار والتمدد في البيضاء، وقتذاك كان الرائج إعلاميا أن الجيش اليمني يشن حربا على القاعدة في أبين، وقد انتهت بإعلان الجيش دحر التنظيم عن أبين، والحقيقة أنه جرى نقل القاعدة إلى البيضاء القريبة من صنعاء، وقد توسعت وسيطرت على مدينة رداع ومناطق أخرى خلال العام نفسه.
حين اجتاحت القاعدة مدينة رداع ونفذت عمليات اعدام وسحل وتفجيرات واحراق مواطنين كان الجيش ينسحب وقوات الأمن تغادر النقاط والمقرات الحكومية، قالت معلومات حينها إن هناك توجيهات عليا للجيش والأمن بالانسحاب، كما تمركزت عناصر القاعدة في المناسح بعزلة قيفة وقد الجيش اليمني عملية في 28 يناير 2013 بعد أن فشل في تأمين إطلاق سراح ثلاثة مختطفين أجانب من قبل القاعدة التي تقيم في رداع، وخلال تلك الفترة كان تنظيم القاعدة يقاتل بطريقته الإجرامية وهو تفخيخ السيارات والأحزمة الناسفة ويضرب المعسكرات ونقاط التفتيش التابعة للجيش، اتضح أن ما جرى قبل ذلك هو نقل القاعدة من أبين وتمكينهم في البيضاء، كان حزب الإصلاح والسعودية يغذيان ويحتفلان بما ترتكبه القاعدة من جرائم في البيضاء.
مجزرة العرضي
ظهر الخامس من ديسمبر 2013 هز انفجار عنيف العاصمة صنعاء، كان الانفجار عبارة عن تفجير سيارة مفخخة بأكثر من 400 كيلو جرام من الـ “تي إن تي” انفجرت في بوابة وزارة الدفاع المؤدية إلى مستشفى العرضي، خلال الانفجار استطاع انغماسيون اقتحام مستشفى العرضي، وظلوا حتى وقت العصر يقتلون الممرضين والأطباء والأطفال والنساء، قبيل الهجوم الإجرامي على العرضي كانت قناة وصال الفضائية السعودية تشن حملة إعلامية وتحرض على استهداف المستشفى على خلفية أحداث دماج.
أشرف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على عملية اقتحام مستشفى العرضي وذبح الأطباء والممرضين والأطفال، كان الانغماسيون ستة سعوديون، انتهت الجريمة بقتل 56 شخصا وإصابة 176 آخرين بجروح غالبيتهم من الأطباء والممرضات والمدنيين والأطفال واعترف قاسم الريمي زعيم القاعدة بالجريمة.
2014 القاعدة تقاتل بصفة رسمية
عقب انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014 بدأت القاعدة بتوجيه معاركها على نحو بدا واضحا أنها معركة أمريكية وسعودية وإخوانية، وفي شهر سبتمبر نفسه وتحت شعار مواجهة ما سماه “المد الرافضي”، في إشارة إلى أنصار الله أعلنت القاعدة الحرب ضد من تسميهم الرافضة.
كانت الحرب على الإرهاب في محافظتي البيضاء ومارب، أحد بنود الملحق الأمني بوثيقة “السلم والشراكة” الموقعة بين الأطراف السياسية اليمنية، عشية انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م، والنص كان مؤشراً على أولوية المعركة وخطورة التمدد لعناصر القاعدة، التي امتدت من مدينة رداع نحو إب والضالع وذمار.
خلال تلك الفترة كان يرفض هادي تحريك الجيش لمواجهة القاعدة، أما حزب الإصلاح فكان يعتبر القاعدة مقاومة قبلية، على رغم النص الواضح في اتفاق السلم والشراكة الموقع بين الأطراف السياسية بما في ذلك الإصلاح على مواجهة القاعدة في البيضاء.
توسعت عناصر القاعدة ووصلت إلى محافظة إب وأطراف ذمار، ذلك دفع باللجان الشعبية في 30 سبتمبر 2014 إلى التحرك نحو البيضاء بعدما شهدت تفجيرات وعمليات انتحارية كانت تقوم بها القاعدة داخل مدينة رداع وفي مدينة البيضاء وعمليات اعدام وإحراق واستهداف تحت شعار مواجهة المد الرافضي، وخاض أبطال اللجان الشعبية معارك انتهت بتحرير رداع والمناسح.
ومن حينذاك تواصلت المعارك بين أبطال الجيش واللجان الشعبية وبين عناصر القاعدة ولاحقا داعش التي تواجدت في العام 2015، وفي البيضاء باتت جبهة تحالف العدوان والقاعدة وداعش موحدة واعتمد تحالف العدوان على القاعدة وداعش في القتال بهذه المحافظة منذ بداية العدوان 2015.
تمكنت اللجان الشعبية من الوصول إلى مقر عبدالرؤوف الذهب فيما فر عناصر القاعدة إلى منطقة «يكلا» باتجاه مارب، ومن بين القتلى نبيل الذهب الذي أكد مقتله وقتذاك مأمون حاتم، أحد قيادات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في منشور له على موقع تويتر في 5 نوفمبر من العام 2014 الذي كان يقاتل بعناصر من حزب الإصلاح، وكان الإعلام الإصلاحي يصفه بقائد المقاومة الشعبية.
وفي أكتوبر أعلنت اللجان الشعبية كشف عن سجن سري بالعليب والوصول إلى منطقة خبزة، وألقت القبض على عناصر قاعدية بينهم أفارقة.
وفي 16 ديسمبر 2014، استشهدت 26 طالبة في الصفوف الابتدائية في تفجيرين بسيارتين مفخختين داخل مدينة رداع قرب منزل عبد الله الإدريسي رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام برداع، واحتفلت قناة العربية وقتذاك بالتفجيرات وقالت إن المقاومة الشعبية استهدفت «قياديا حوثيا»، وسارع إعلام الإصلاح إلى محاولة تبرئة القاعدة من الجريمة، غير أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وبعد يومين من العملية الإجرامية تبنى العملية وقال إنه استهدف نقطة تفتيش، وختم التنظيم بيانه بتأييده لما قال أنها مسيرات احتجاجية ضد (جرائم الحوثيين ضد المسلمين).
وفي 7 يناير 2015 ضرب تفجير كلية الشرطة بصنعاء خلال تجمع طلاب متقدمين للتسجيل في الكلية، قال حساب على موقع تويتر تابع للقاعدة أن تنظيم القاعدة استهدف أنصار الله في صنعاء، وفي 13 فبراير 2015، اندلعت اشتباكات بين الجيش واللجان الشعبية من جهة وعناصر الإصلاح وتنظيم القاعدة من جهة أخرى في مديرية ذي ناعم، وقتذاك اندلعت الاشتباكات في منطقة طياب بنفس المديرية، غطت قناة العربية السعودية العملية باعتبارها مقاومة.
القاعدة شريك استراتيجي لتحالف العدوان
خلال العامين 2015 و 2016، تواصلت التفجيرات الإجرامية التي ضربت صنعاء وبعض المدن والمحافظات، كانت السيارات المفخخة تنطلق من البيضاء، وكان الانتحاريون يجهزون فيها، وكان الإعلام السعودي يعتبرها انتصارات لتحالف دعم الشرعية حد وصفه، بل ويصفها بعمليات المقاومة الشعبية.
تحرير محافظة البيضاء قضى على أوراق كثيرة راكمها تحالف العدوان، وفتح مسارا واسعا باتجاه تحرير كل محافظات اليمن، عسكريا يمكن قراءة المشهد في التحولات الميدانية الحاصلة في مارب وشبوة بعد الانتصار في البيضاء.
تقرأون في الملف :
تقرير مصور: المعركة على القاعدة وداعش “حلفاء العدوان السعودي” في اليمن