في العام 2012 انتقلت أمريكا من مرحلة الوصاية السرية إلى الوصايةالمعلنة
هادي عمل كموظف لدى السفير الأمريكي
الثورة / عادل محمد باسهيل
الثورات الحقيقية هي التي تأتي لتغيير وضع سيئ وتنقل الشعب والوطن من مرحلة الانهيار إلى مرحلة جديدة تتحقق فيها التطلعات وتنتصر فيها الإرادة الشعبية في الحرية والاستقلال، وعندما نستذكر مرحلة ما قبل ثورة الـ21 من سبتمبر والظروف التي أتت فيها، ندرك جيداً أنَّ المرحلة والوضع السائد -آنذاك- كان وصايةً واضحة، واستعماراً وسيطرةً خارجية، أدت في مجملها إلى نتائج خطيرة وحسَّاسة في واقع الشعب اليمني سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
وبحسب المعطيات التي أفرزتها التناقضات السياسية – التي فُرض على اليمن واليمنيين معايشتها والقبول بها كواقع لا بديل عنه، من قبل قوى إقليمية ودولية فرضت نفسها وصية على البلاد ومنحت نفسها الحق في التحكم بمصير اليمن ورسم مستقبل اليمنيين بالشكل الذي يمكنها من تحقيق أجنداتها وأهدافها التوسعية – تحولت الثورة من حلم وهاجس شعبي إلى واقع وحقيقة نسفت مشاريع الزيف وانتصرت لإرادة الشعب وأعادت له حقه المسلوب.
أوائل العام 2011م انتقلت الأطماع الإقليمية والدولية من السر إلى العلن وتحولت سيناريوهاتها من دائرة المؤامرة في الكواليس إلى دائرة التنفيذ العملي لتصبح واقعا لا يمكن الفكاك منه، حيث بدأت بتجميل الوصاية وتغليفها بشعارات براقة تصب في إطار تغذية مخاوف الشعب اليمني مما قد تسفر عنه التناقضات السياسية التي تعيشها البلاد وطرح الوصاية كمنقذ ووسيط للحل، وهو ما عبّر عنه بيان سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية -آنذاك- التي سعت من خلاله لإقناع الشعب اليمني بأن تدخلها في الشأن اليمني جاء من أجل مساعدة اليمنيين وحقن دمائهم ومنع انزلاق البلاد نحو الفتنة والفوضى، وتحقيق انتقال سلمي وسلس للسلطة عبر مرحلة انتقالية لمدة سنتين.
تحت هذه الشعارات والمغالطات جاءت المبادرة الخليجية، التي وإن كانت قد طرحت على شكل مشروع اتفاقية سياسية تهدف إلى تهدئة الأوضاع ونزع فتيل الصراع بين الأحزاب والكيانات السياسية اليمنية، إلا أنها سرعان ما تحولت بعد التوقيع عليها من مشرع سياسي يمني إلى وثيقة تنازل عن السيادة ودخول البلاد تحت الوصاية الدولية ومصادرة قرار اليمن السياسي واستبعاد الإرادة الشعبية -التي تم استغلالها لتنفيذ انتخابات شكلية وإيصال شخص فرضته إلى منصب الرئيس- من المعادلة السياسية وتحويل النظام السياسي إلى نظام شكلي يدار عمليا من قبل السفير الأمريكي في صنعاء.
التبعية والانبطاح
في أول تأكيد على وصول قيادات ومسؤولي الدولة لمرحلة الانبطاح والتبعية وحرصهم على تنفيذ ما يملى عليهم من توجيهات، أصدرت مجموعة الدول العشر بيانا -أبريل 2012م – أشادت فيه بالقرارات التي أصدرها الرئيس هادي والمتعلقة بنقل وتعيين قيادات في الجيش اليمني، وتغيير وتعيين محافظين ومسؤولين في الدولة، مؤكدين اطلاعهم على القرارات ومباركتهم لها كمراقبين ومعاونين في تنفيذ المبادرة الخليجية، مشيرين – في البيان- إلى أن هذه التغييرات ستساعد في التخلص من نقاط الاحتكاك وتخفض من التوترات.
ولم يتوقف بيان الدول العشر عند هذا الحد بل طالب جميع اليمنيين بتنفيذ تلك القرارات والتعاون معها تعاوناً كاملاً، محذرا من أي خطوات قد تتخذ لمقاومة تطبيق هذه التغييرات، وعرقلة عمل مؤسسات الدولة، وهو ما اعتبره مراقبون سياسيون مصادرة للقرار السياسي اليمني وتدخلا مباشرا في شؤون اليمن التي بدت – في لغة البيان وتهديداته- وكأنها مقاطعة تابعة للدول العشر وليست بلدا وكيانا سياسيا مستقلا.
الانقلاب على الإرادة الشعبية
تنفيذا لوثيقة الوصاية (المبادرة الخليجية) وتحت ضغوط وتهديدات دولية، اعتبرت أن «أي عنف يستخدم من قبل أي طرف لعرقلة الانتخابات, سيعد عملاً إرهابياً»، تم اختيار عبدربه منصور هادي رئيساً توافقياً لمدة عامين، عبر انتخابات شكلية خلت من المنافسة، ودُعي الشعب فيها لانتخابه كمرشح وحيد يصل إلى السلطة بإرادة فرضتها دول لا تعرف الديمقراطية، كالسعودية وبقية الدول الخليجية.
لكن ورغم الوعود التي قطعها هادي في خطابه عشية الانتخابات بالعمل على توحيد الجيش واستعادة الدولة وحل القضايا السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى أن برنامج عمل الرئيس التوافقي الذي على أساسه تم انتخابه من الشعب، محدد سلفا في ثلاث نقاط تتمثل في تشكيل لجنة دستورية للإشراف على إعداد دستور جديد وعرضه للاستفتاء ومن ثم وضع جدول زمني لانتخابات برلمانية جديدة بموجب أحكام الدستور الجديد، إلا أن هادي انقلب على الإرادة الشعبية التي أوصلته لرئاسة الجمهورية واتجه لخدمة مشاريع إقليمية ودولية تستهدف اليمن واليمنيين.
تدمير الدولة
قوبلت توجهات هادي -التي تحول فيها من رئيس يمني منتخب إلى موظف تابع للسفيرين الأمريكي والسعودي- برفض سياسي وشعبي، لكنه وبدلا من تغليب المصلحة الوطنية والمطالب الشعبية والبدء بتنفيذ البرنامج الموكل إليه، اتجه لتنفيذ أجندات وسيناريوهات القوى المتربصة باليمن، والخضوع لإملاءاتها، لتتحول وعوده بالعمل على توحيد الجيش واستعادة الدولة إلى عناوين لا مكان لها في خارطة الأجندات السياسية الموكل إليه تنفيذها من قبل من يعتبر أنهم أصحاب الإرادة التي منحته الشرعية وأوصلته إلى رئاسة الدولة.
وبحسب مراقبين للسياسة التي انتهجها هادي بعد وصوله إلى رئاسة الدولة، تلاشت الوعود التي أطلقها عشية الانتخابات، وبدلا من العمل على توحيد الجيش اتجه نحو هيكلة الجيش، وبدلا من السير في اتجاه الإصلاحات الجذرية للدولة، اتجه نحو تدمير الدولة واستبدالها بدولة جديدة ونظام سياسي جديد مبني على أساس التجزئة والتفتيت.
مجلس الأمن في صنعاء
مساعي هادي وحزب الإصلاح للاستقواء بعصا مجلس الأمن الدولي للضغط على قوى سياسية يمنية وفي مقدمتها أنصار الله، وإجبارها على الصمت والقبول بهيمنة حزب الإصلاح على المشهد السياسي، وعدم معارضة ما سيتم فرضه على اليمنيين من أجندات، أدخلت اليمن في نفقٍ مظلم ليس له نهاية، وحوّلت طاولة الحوار الوطني من طاولة يجتمع حولها اليمنيون لحل قضاياهم حاضراً ومستقبلاً، إلى طاولة تلتقي حولها أطراف إقليمية ودولية تستهدف أمن اليمن وسلامه الاجتماعي وتمزيقه وتقاسمه بمباركة اليمنيين أنفسهم.
وترجمة لمساعي هادي وحزب الإصلاح في الاستقواء بالوصاية الدولية لإسكات الأصوات الوطنية المعارضة واستبعاد الإرادة الشعبية من المشهد السياسي، فوجئ اليمنيون بانتقال رئيس وأعضاء مجلس الأمن الدولي من نيويورك بأمريكا إلى العاصمة صنعاء، موجها رسالة لكل من يرفضون الوصاية ويعارضون ما يقوم هادي وحكومة التبعية بتنفيذه، تؤكد أن تقرير مصير اليمن لم يعد بأيدي أبنائها، وأنها أصبحت جزءا من مشروع دولي تقرر مصيره قوى دولية وإقليمية على رأسها أمريكا والسعودية.
خضوع وتبعية مطلقة
خضوع هادي لهيمنة حزب الإصلاح، وارتهانه لإملاءات وتوجيهات قوى إقليمية ودولية حوله إلى مطية لحزب الإصلاح ودمية بيد الدول العشر، التي عزلته عن محيطه الوطني ودفعته لإدخال اليمن تحت الوصاية الدولية، التي حولت مجلس الأمن لعاصمة يستمد منها القرار ويدير شؤون اليمن الداخلية والخارجية، بل إن خضوع هادي وحكومته وصل لدرجة منح مجلس الأمن الحق في معاقبة مواطنين يمنيين.
وبمثل هذه الخطوة – التي أقدم عليها هادي وحزب الإصلاح- فقدت اليمن استقلالها وقرارها السياسي وتحولت إلى بلد يخضع للوصاية الدولية ما يعني أن واقع اليمن، وإدارة شؤونه وصناعة قراراته لم تعد شأناً داخلياً، وإنما شأنا دوليا، وان اليمن تحولت من دولة مستقلة إلى ملف دولي يدار من قبل دول وحكومات أجنبية وهي وحدها من يقرر مصيره ويرسم مستقبله وخارطته السياسية، وليس هذا وحسب بل إن أي تحرك أو عمل وطني يخالف هذا التوجه ويعلن رفضه الوصاية على اليمن سينظر إليه على أنه عمل يهدد الأمن، والسلم الدوليين، بنص المادة «34» من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يجيز للأوصياء حق التدخل العسكري والحصار الاقتصادي.
وليس هذا وحسب بل إن سياسة الانبطاح والتبعية التي انتهجها هادي ومنظومته السياسية لم تتوقف عند هذا الحد، فقد استمر في تنفيذ سيناريوهات المؤامرة التي تستهدف اليمن واليمنيين، والتي توجها بأكبر سقوط سياسي في التاريخ الحديث، عندما تقدم بطلب إلى مجلس الأمن الدولي يطالبه فيه إدراج اليمن تحت البند السابع، وهو الطلب الذي سرعان ما تحول إلى مشروع عربي تبناه مجلس الأمن وصوت عليه 14 عضوا وامتناع عضو واحد (روسيا) عن التصويت.
ثورة الانتصار للكرامة
من كل ما سبق تتجلى الحقيقة التي تؤكد أن ثورة 21 سبتمبر لم تأت من فراغ، بل قامت استناداً إلى إرث الكرامة المتأصّل في أعماق التاريخ اليمني، رداً على التدخلات الخارجية السافرة، للدول العشر وفي مقدمتها السعودية التي تسعى لإضعاف وتجزئة اليمن وتحويله إلى غنيمة تتقاسمها قوى دولية وإقليمية، ومن رحم الألم والمعاناة التي خيمت على الشعب اليمني جاءت الثورة الشعبية التي مثلت في جوهرها وأبعادها انتصاراً وطنياً وسياسياً واستراتيجياً لليمن، أرضا وشعباً، من الوصاية والتدخل الخارجي في سيادته، وأعادت للشعب اليمني كرامته وإرادته واستقلال قراره السياسي.