ثورتان ضد الطاغوت.. الـ 10 من محرم والـ 21 من سبتمبر

العلامة/عدنان الجنيد

 

 

ما من ثورة إلا وهي مستمدة من ثورة الحسين (عليه السلام) أو متأثرة بها فثورته (عليه السلام) تعد أم الثورات وهي أعظم ثورة إسلامية إنسانية عرفتها البشرية.
لقد ألهبت هذه الثورة عواطف أحرار العالم فهبوا لتحرير المجتمعات من رق العبودية والذلة والمهانة وإنقاذها من سلاطين الجور والفساد والطغيان لتحيا حياة إنسانية عادلة خالية من كل جوانب الفساد تحكمها القوانين الإلهية التي جاءت بها الديانات السماوية، ولقد بيَّن الإمام الحسين (عليه السلام) الدوافع التي أدت إلى خروجه على طاغية زمانه يزيد فقال (عليه السلام) موصيا أخاه محمد بن الحنفية :-
” إني لم أخرج أشرا ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي …”.
فالإمام الحسين ما خرج إلا لطلب الإصلاح وهذا يعني أن هناك فساداً كبيراً قد استشرى في جسد الأمة من جميع الجوانب (فساد ثقافي وأخلاقي وفساد مالي وإداري وفساد اجتماعي واقتصادي وسياسي) ناهيك عن تحريف الدين واستبدال الأحكام ونشر البدع.
فمعاوية منذ استيلائه على الحكم ولمدة عشرين عاماً وهو يقوم بتحريف الدين ونشر الأخبار الكاذبة التي تحط من مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقوم بنشر الأخبار المزيفة التي تحط من منزلة آل البيت سيما الإمام علي (عليه السلام) مجاهرة وذلك عبر علماء بلاطه الذين أغدق عليهم بأمواله حتى فعلوا له ما أقرت به نفسه إضافة إلى أنه أمرهم بالإكثار من وضع فضائل للصحابة بمثل فضائل علي -عليه السلام- ومثالب تشين من مكانته (عليه السلام) كما جاء في تاريخ المدائني .
أضف إلى ما سبق استئثاره بالسلطة وإكثاره من قتل أتباع ومحبي الإمام علي (عليه السلام) ومطاردتهم في كل مكان وسفكه للدماء البريئة ضد كل مخالفيه وقطع أرزاقهم وإيذائهم بكل أنواع الأذى .
ولهذا نرى أن الإمام الحسين قد كان يعد للثورة منذ زمن معاوية هو وقلة قليلة من أصحابه المخلصين، فقد كانت مهمتهم آنذاك بعث روح الثورة في النفوس عن طريق إظهار المظالم التي حفل بها عهد معاوية انتظارا لليوم الموعود.. وما صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية إلا أساس من أسس ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وذلك أن معاوية نقض العهود والمواثيق ورمى بجميع الشروط التي شرطها عليه الإمام الحسن (عليه السلام) عرض الحائط وهذا ما جعل حقيقته تنكشف للناس بأنه مجرد مخادع متستر بلباس الإسلام ولا يفي بعهد ولا يحترم ميثاقا، فكل هذه الأمور جعلت الإمام الحسين يمهد لثورته المباركة، لأن خطر الحكم الأموي على الإسلام وأهله كان يتزايد يوماً بعد يوم إلى أن بلغ أوجه في عهد الطاغية الفاجر يزيد.
وإذا ما نظرنا إلى الثورة اليمنية ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر لوجدنا روحها مستمدة من روح ثورة الحسين (عليه السلام) حيث خرج الشعب اليمني رافضاً للهيمنة الأمريكية والوصاية السعودية ورافضاً للاستعباد إلا لرب العباد.
والذي وضع أول بذور هذه الثورة هو الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – فقد تحرك ومعه مجموعة قليلة من المؤمنين في جبال مران حيث بثوا في قلوب الناس روح الجهاد والعزة والكرامة والإباء وعدم السكوت عن فساد الأنظمة العميلة التي تنهب مقدرات وثروات الشعب.
فكان تحرك الشهيد القائد آنذاك تمهيدا لثورة الواحد والعشرين من سبتمبر التي تعد ثمرة جهوده ومكملة لحركته الجهادية في ظل المشروع القرآني، فخرج الشعب اليمني تحت راية قائده المبارك السيد عبدالملك الحوثي وكان شعار اليمنيين في ثورتهم “هيهات منا الذلة” وهو نفس الشعار الذي أطلقه الإمام الحسين في كربلاء.
ولما قام الشعب اليمني بهذه الثورة الحسينية تكالبت عليه قوى الاستكبار اليزيدية مع أحذيتها من أنظمة ابن زياد وابن سعد ( آل سعود وآل نهيان ) فصبوا جام غضبهم على الشعب اليمني فأحرقوا البشر والشجر والحجر بل لم يستثنوا شيئا مما فيه خدمة المواطن اليمني إلا استهدفوه بغاراتهم ناهيك عن مئات المجازر التي ارتكبوها في حق الأطفال والنساء وكبار السن وكذلك حصارهم البري والجوي والبحري منذ ما يقارب الأربعة أعوام من الدواء والغذاء الضروري، وكل ذلك بغية إركاع الشعب اليمني ولكن الاستكبار اليزيدي لم يجد من الشعب اليمني إلا الصمود والثبات متمثلا بمقالة الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته : ” إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما”، “والله لو لم يكن ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية” ،”والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد”، “ألا وإن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك، ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام، على مصارع الكرام”.
فكما قال الإمام الحسين (عليه السلام) هذه العبارات التي تفوح منها رائحة العزة والكرامة، نجد قائد الثورة اليمنية سماحة السيد عبدالملك الحوثي – حفظه الله – يقول لقوى الاستكبار اليزيدية وأحذيتها: “والله لأن نتحول إلى ذرات تبعثر في الهواء أشرف لدينا وأحب إلينا وأرغب إلينا من أن نستسلم لكل أولئك الأنذال المجرمين المفسدين في الأرض الطواغيت المتكبرين”.
ويقول أيضا: “مستعدون أن نضحي مهما كان حجم التضحيات؛ لأَن أَكْبَر وأخطر وأسوأ أن يضحّي به الإنْسَـان ولا يحسب له هو أن يضحّي بكرامته وأن يضحي بحريته وأن يضحي بإنْسَـانيته، هذا النوع من التضحية لن يكون منا أَبداً، نضحي بحياتنا، حاضرون، نضحي في سبيل أن نعاني مع الحرية أن نعاني مع الكرامة أن نعاني مع الحفاظ على قيمنا وديننا ومبادئنا حاضرون، أما أن نضحي بالقيم والحرية ونُستعبد لأنذال مجرمين هذا هو المستحيل الذي لن يكونَ..”.
فهذه العبارات وغيرها التي أطلقها قائد الثورة لها نفس مضمون معنى الشعارات التي أطلقها الإمام الحسين في ثورته والتي ذكرناها آنفا.
فالحسينيون لا يمكن أن يستسلموا للطغاة والمستكبرين حتى ولو كان في ذلك إزهاق لأرواحهم وتقطيع لأجسادهم.
خرج الإمام الحسين (عليه السلام) بثورته على يزيد ومعه نفر من أهل بيته وأصحابه وبرفقته نساؤه وأبناؤه وأخته زينب الكبرى وعددهم لا يتجاوز الثلاثة والسبعين.
لم يتوقف الإمام الحسين أثناء مسيره هو ومن معه فلم يثنهم تثبيط الناس لهم بعدم الخروج أو تخويفهم من الموت الذي ينتظرهم ولم يعق مسيرهم تخلي الناس لهم بل استمروا بالمسير حتى وصلوا مكة وفيها عقد لقاء مع الحجيج فبين لهم حال الأمة وما تمر به من فساد وظلم واضطهاد وقتل وسفك للدماء وانحراف عن الدين وكذلك بيَّن لهم حال يزيد وأنه رجل فاسق يشرب الخمر ويقتل النفس المحرمة ويعلن فسوقه وفجوره وذكرهم بالآيات والأحاديث التي تحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعاقبة الساكتين عن جرائم الظالمين والفاسدين… الخ.
هكذا بيَّن لهم الحجة وأثناء خروجه (عليه السلام) من مكة وتوجهه إلى العراق كان لا يفتأ عن توعية الناس بما سبق ذكره سواء عند لقائه بهم أو أثناء مروره في مناطقهم وهكذا ظل في مسيره ومن معه إلى ( كربلاء ) يقيم الحجة على الأمة رغم تخاذل الناس عنه وعدم لحاقهم بركبه إما طاعة ليزيد أو خوفاً من بطشه، أو تكاسلاً عن عدم الشعور بالمسؤولية ومنهم من عميت بصيرته فلم يدر أين الحق هل مع الحسين ابن النبوة أم مع يزيد ابن الطلقاء !!
وفي أثناء مسيره للعراق وبعد أن انتهى إليه نبأ قتل رسوله وسفيره مسلم بن عقيل، وبعد أن تبيَّن له ولمن معه المصير الرهيب الذي ينتظرهم جميعاً، التقى بكتيبة من الجيش اليزيدي يقودها الحر الرياحي الذي انضم فيما بعد مع الحسين فلم يأل الإمام عن نصحهم فقد خطب بهم قائلاً: “أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرمة الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفي‏ء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحق من غير..) ولقد حاصر الجيش اليزيدي الإمام الحسين وأصحابه من الماء فلم يكترثوا لذلك ولم يضعفوا أو يستكينوا عند رؤيتهم جيش يزيد الذي كان بعشرات الآلاف بل ازداد الإمام الحسين قوة وكذلك أصحابه ومن معه ازدادوا ثباتاً وصلابة وذلك بفضل ثقتهم بالله وما وجههم به الإمام من كلماته التي تحثهم على الصبر والثبات وعلى أحقيتهم بخروجهم هذا وعلى فضل الشهادة في سبيل الحق.
لقد أخلصوا جهادهم لله وواجهوا جيش الطاغية يزيد وضربوا أروع الأمثلة في التضحية والفداء حتى نالوا من الله أوسمة الشهادة.
وهكذا وجدنا هذا الثبات والصمود والعزة والكرامة والشجاعة التي كانت في الإمام الحسين ومن معه وجدناها تتجلى على الشعب اليمني الثائر ضد المستكبرين، فلم يتوقف الشعب اليمني في ثورته بل استمر رغم تخلي كل العالم عنه، ورغم التثبيطات والإرجافات التي واجهها من مرتزقة الداخل ومن أدوات العدوان في الخارج وكذلك رغم الحصار المطبق عليه، كل هذه الأمور لم تثنه عن الاستمرار في ثورته في سبيل حريته وسيادته واستقلاله، وها هو قائد الثورة منذ بداية الثورة إلى هذه اللحظة وجدناه بين الحين والآخر يلقي محاضراته وكلماته ناصحاً المعتدين بكلامه المعقول ونطقه الواضح تارة ينصحهم ويعطيهم الحلول لتجنب المزيد من إراقة الدماء وتارة نجده ناصحاً لمرتزقة الداخل بأن يلحقوا بركب الجيش واللجان الشعبية في الدفاع عن بلدهم ووطنهم وذلك كي يقيم عليهم الحجة ويبيِّن لهم المحجة بآيات من كتاب الله وبأحاديث من سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتارة نجده أيضا – في محاضراته – يشحذ همم الشعب بالتحرك بالقيام بواجبهم وشحن المجاهدين بالثبات والصمود…….إلخ.
هكذا وجدنا قائد الثورة يسير على خطى الحسين (عليه السلام) في ثورته المباركة.
وإن الإمام الحسين عندما صرخ بأعلى صوته – بعد أن قتل أصحابه – : ” هل من ناصر ينصرنا؟ ” لم يقل ذلك عن ضعف بل لمزيد من إقامة الحجة على هذه الأمة التي تركت ابن نبيها وتمسكت بابن الدعي.
إن الإمام الحسين بعباراته تلك خاطب جميع أحرار العالم إلى قيام الساعة لأن نصرة المستضعفين والمظلومين هي نصرة للإمام الحسين، فأينما تجد مستضعفا فاعلم بأن الحسين يناديك لنصرته من الظلم اليزيدي.
إن العدوان اليزيدي مازال منذُ سنوات وهو يقتل الشعب اليمني، يقتل أبناء الحسين ومحبي الحسين وشيعة الحسين وأحباب الحسين وأنهار من الدماء تسيل وكأن الإمام الحسين يصيح بأعلى صوته “هل من ناصر ينصرنا”؟ هل من ناصر ينصر الشعب اليمني ويقف إلى جانبه بقلبه وقالبه؟ وهناك من سمع صوت الحسين ولبى نداءه وهم بعض أحرار العالم وعلى رأسهم سماحة السيد حسن نصر الله- أمين عام حزب الله والذي وقف مع مظلومية الشعب اليمني منذ بداية العدوان، وإن محاضراته وكلماته لهي دليل على ذلك فقد كان لها الأثر الكبير في قلوب اليمنيين فقد شحذ همم المجاهدين وقوَّى عزائمهم، وكذلك بعض أصوات أحرار العالم التي نصرت الشعب اليمني بمواقفها الشجاعة والمشرفة، فما زالت أرواح حبيب بن مظاهر والحر بن يزيد الرياحي وزهير بن القين تتجسد في كل إنسان صاحب ضمير وفي كل مسلم حر غيور على دينه وعلى آل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكما انتصرت ثورة الإمام الحسين وصححت المسار الإسلامي في سبيل كرامة الشعوب الإسلامية والإنسانية وحققت إنجازات عظيمة ورائعة في ميادين الجهاد في سبيل الله ضد الطغاة والفاسدين وفتحت لها آفاقاً مشرفة للتمرد على المستكبرين، كذلك الثورة اليمنية التي هي امتداد لثورة الإمام الحسين حققت إنجازات عظيمة في تطويرها للصواريخ وتصنيعها للطيران المسير وحققت انتصارات كبيرة في جميع الجبهات ناهيك عن انتصاراتها في تصحيح المسار الديني عبر مشروعها القرآني العالمي.. وهناك انتصارات قادمة سوف تذهل العالم عن عظمة هذا الشعب وجيشه ولجانه وثقته بخالقه ومولاه سبحانه.. وإن غداً لناظره قريب.

قد يعجبك ايضا