اليمن.. مفاجأة القرن الاستراتيجية

ناصر قنديل*

 

 

– لم يكن في حساب أحد من أصدقاء أنصار الله وخصومهم، قبل سبع سنوات في مثل هذا اليوم، أن حدثاً يعدون له سيكون له هذا التأثير في معادلات المنطقة، واستراتيجيات الدول الكبرى، ومكانة وموقع وأحجام دول ثوابت في المعادلة الإقليمية، وتغيير في قوانين حرب البحار وأمن الطاقة، فخلال ساعات من هذا اليوم كان الآلاف من أبناء العاصمة صنعاء وجوارها بقيادة أنصار الله، يحكمون سيطرتهم على المدينة التاريخية التي كان الكثيرون يعتقدون أنها عصية عليهم، وخلال أيام كان هذا الموج المتعاظم يزحف على جميع مناطق ومحافظات اليمن ويلقى التأييد والترحيب، لتلتحق عدن بصنعاء، ويلاقيهما باب المندب، وفجأة نكون على موعد مع صورة جديدة لليمن، الواقع على تقاطعات شديدة التعقيد، فوقعت المفاجأة الاستراتيجية الأولى.
– خلال شهور قليلة كان الاستعداد على قدم وساق لقلب المعادلة التي فرضها أنصار الله بقوة التأييد الشعبي العابر للأحزاب والمذاهب والمحافظات، وجاءت الحرب التي أعلنت باسم تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، وحظيت بدعم عربي ودولي باعتبارها حرباً ستحسم خلال أسابيع قليلة، وفي أسوأ حال خلال شهور محدودة، لإعادة فرض الهيمنة الأمريكية السعودية- الإماراتية على قلب الخليج، من مضيق باب المندب إلى بحر عمان والبحر الأحمر، ولكن الحرب التي فشلت خلال سنتها الأولى امتدت لسنوات وهي تتحول إلى حرب إبادة شاملة للشعب اليمني، وتدمير كامل لكل مقومات الحياة في اليمن، لكن المفاجأة الاستراتيجية الثانية تمثلت بأن اليمن المحاصر براً وبحراً وجواً، والممنوع من الحصول على أبسط مقومات الحياة، من الغذاء والدواء والمحروقات والكهرباء، فرض إرادته وصنع سلاحه وتحول اليمن إلى قوة إقليمية كبرى، تتحكم بأمن النفط والبحار والسفن والمدن الكبرى في الخليج، وصار سلاح الصواريخ والطائرات المسيرة يختصر معادلة الأمن الخليجي، الذي يمثل ركيزة في أمن الطاقة والتجارة في العالم، وكانت المفاجأة الاستراتيجية الثانية.
– لم تمر سنوات الحرب على اليمنيين – على رغم الحصار والجوع والقتل والتدمير – على حساب التزاماتهم بالقضايا الكبرى التي طالما تصدروا الساحات والميادين دفاعاً عنها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، فبقي اليمنيون في طليعة الحاضرين لمساندة قضية فلسطين، وضجت شوارعهم وساحاتهم بالحشود في كل مناسبة تخص فلسطين، وتفاقم القلق في كيان الاحتلال من انضمام اليمن في أي حرب مقبلة مع قوى المقاومة، ليشكل طوق معادلة الردع جنوباً، في ظل ظهور فعالية سلاح الصواريخ والطائرات المسيرة، وحجم تأثير هذا السلاح بكفاءاته العالية على ميزان القوى في حال انضمامه للمواجهة المقبلة، ولم يتأخر اليمنيون في الإعلان عن عزمهم على تشكيل العمق الاستراتيجي لقوى المقاومة في الحرب المقبلة، وإعلان انتمائهم المؤسس في محور المقاومة، وصولاً إلى إعلان مشاركتهم في المعادلة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، تحت شعار “العدوان على القدس يعادل حرباً إقليمية”، وجاءت المفاجأة الاستراتيجية الثالثة.
– خلال كل هذه المراحل وضراوة المواجهات وقساوة الظروف، برز القائد اليمني السيد عبد الملك الحوثي كفاءة وموهبة قيادية استثنائية، ثقافة وحضوراً وتأثيراً، وحزماً وعزماً وذكاء وقدرة على المناورة وإدارة الأزمات والمفاوضات، وبرزت شعبيته المذهلة وظهر انضباط هياكل البنى التنظيمية والعسكرية لأنصار الله من حوله، وخلال سنوات تميز فيها السيد عبد الملك الحوثي بالصبر والتواضع والترفع، بدأ نجمه كقائد مميز يشغل اهتمام مراكز الدراسات الغربية، بصفته الزعيم الأول في منطقة الخليج، فهو قائد اليمن أكبر دول الخليج، وفي اليمن كما يقال أضخم ثروات النفط والغاز غير المستثمرة، فكان السيد عبد الملك الحوثي المفاجأة الاستراتيجية الرابعة.
– لولا اليمن لما حقق محور المقاومة النجاحات الكبرى التي حققها في معادلات المنطقة، وسيكتب لليمن أنه وراء صياغة معادلات وخرائط الخليج الجديدة، ومنها توازنات عربية مقبلة ستكون المفاجأة الاستراتيجية الخامسة، تكتمل بها معالم مفاجأة القرن.
*كاتب ومحلل سياسي لبناني

قد يعجبك ايضا