أجمع المؤرخون والفلاسفة على أن الفعل الذي يحمل اسم ثورة هو الذي ينطلق من حراك شعبي وإجماع وطني ، يصر على ضرورة التغيير ويشارك في أحداثه أكبر وأوسع قطاع من أبناء الشعب وماعدا ذلك فهو انقلاب، خاصة إذا ما قام به مجموعة صغيرة من الناس ، وهنا تتضح الصورة الحقيقة لثورة 21سبتمبر الظافرة ، فهي الثورة التي سبقتها إرهاصات وحراك شعبي واسع تمثل في تلك الحشود التي أحاطت بصنعاء من كل الاتجاهات ومثلت رجال القبائل والشباب والمثقفين والعلماء، وكل فئات الشعب التي كانت تتطلع إلى التغيير في أي لحظة بعد أن ساد الظلم وتجذرت عوامل سلبية كادت أن تودي بالوطن وأبنائه في مزالق أكثر خطورة مما جرى ، خاصة أن من تولى زمام الوساطة بين القوى اليمنية المختلفة هو العدو التاريخي المتربص بهذا الوطن والمتمثل بنظام آل سعود ، فلقد كان رأس حربة في كل ما جرى سواءً باعتماد ما سُمي بالمبادرة الخليجية أو تلك التحركات المشبوهة التي أعقبت التوقيع على المبادرة ، وكانت كلها تصب باتجاه واحد وهو بالنسبة لآل سعود يسعى إلى :
1 – تجزئة اليمن إلى أقاليم .
2 – إعادة صياغة الدستور وفق الرؤية التي أُعدت مسبقاً من قبل بريطانيا وأمريكا والسعودية وألمانيا وأحتضنتها الإمارات .
3- تحويل اليمن إلى ساحة للصراع وإيجاد بؤر عملية للفتنة من خلال إثارة النعرات الطائفية والمناطقية والمذهبية والحزبية .
4 – إعادة اليمن إلى بيت الطاعة كما كانت في الماضي بعد فترة ما سُمي بالمصالحة الوطنية التي فرضت الوصاية على اليمن من قبل السعودية.
علماً أن السعودية نفسها كانت تنفذ توجيهات وأوامر البيت الأبيض حرفياً، أما دول الخليج فلقد كانت شاهد زور فقط، وعندما شذت قطر وأعلنت التمرد والخروج عن المبادرة تعرضت لذلك العقاب الشديد والإجراء غير المتوقع الذي كاد أن يفضح هذه الدويلة ويُصيب أبناءها بالهلع والجوع كونها لا تمتلك أي مقوم من مقومات الحياة ، وفي هذا دليل واضح على صلافة وإجرام النظام السعودي ، فرغم أن دولة قطر شريك فاعل في مكون مجلس التعاون الخليجي ، إلا أن مجرد إعلان التمرد والخروج عن إرادة نفس النظام جعله يُدير وجهه عنها ويحاول تعريض الدولة والشعب لأعظم كارثة ، بل وكانت النتيجة إسقاط الأمير القائم وإبداله بابنه بهدف إزاحة. رئيس الوزراء ووزير الخارجية –آنذاك- الذي كان يتولى الإدارة الحقيقة للدولة ويُخرج قطر من إطارها الطبيعي ليُلسبها جلباباً واسعاً يتجاوز النطاق الجغرافي للدولة ، وهو ما أثار غضب السعودية وجعلها تُقدم على ذلك الإجراء العقابي وتضم معها أزلامها في مصر والإمارات والبحرين، ألمهم أن هذا النظام في كل خطواته وما يقوم به من أعمال لا تعتمد إلا على المال ، وبهذا المال المدنس استطاعت السعودية أن تستقطب العملاء والخونة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والجزائر والمغرب وتونس وحتى في فلسطين الجريحة ، للأسف الشديد لم يُسخر هذا النفوذ لإنعاش هذه الدول وتحقيق تنمية حقيقة فيها واستخدام فائض المال لتنفيذ تلك الغاية ، بل تم توظيفه لخراب هذه الدول وإنشاء تنظيمات أرهابية زعزعت الأمن والاستقرار فيها وسمحت لأمريكا وبريطانيا بأن تتحكما في شؤون تلك الدول، وتتدخل في كل صغيرة وكبيرة تخص السياسة في هذه الدول ، وأخيراً وهو الأهم صنع أسفين تلو الأسفين بقصد الانتقام ومحاولة إذلال أبناء هذه الدول وفرض الجوع والمعاناة الشديدة عليهم ، هذه هي فضائل نظام آل سعود للآسف، أقول فضائل لأنهم يعتقدون كذلك ، أما الواقع فيوكد أنها مساوئ وجرائم لا تغتفر ، خاصة أنه موجود في أقليم جغرافي معظم أطرافه فقراء ويعانون من العوز والحاجة نتيجة نقص المال .
وهنا نُدرك مدى عظمة ثورة الـ21 من سبتمبر فلقد كانت عبارة عن صرخة في وسط موبوء وملوث بالإرادات المهزوزة والأنظمة التابعة العميلة ، وكما يقال في المثل اليمني ( خدام خدام الجرافي ) أي أن السعودية لا تُعبر عن ذاتها بقدر ما تنفذ ما يُملى عليها من قبل بريطانيا وأمريكا ، ومن خلال هذه الإملاءات تنفذ أعمالاً إجرامية انتهكت العروبة والإسلام وحاولت إسقاط ما تبقى من نخوة ودم عربي في الأجساد ، والقضاء على الهوية المتجذرة ببعدها الإيماني وأفقها العربي، على أمل فرض السيطرة التامة في المنطقة وأخذ تلابيب القرار العربي بعيداً عن النهج الديني والقومي الذي تجذر في نفوس العرب والمسلمين على مدى قرون من الزمن ، وكان هو الأساس الذي مكن العرب والمسلمين من طرد المستعمر وإحراز التحرر والاستقلال وطرد المستعمرين الأجانب، بعد تضحيات جسيمة تجاوزت في الجزائر مثلاً مليون شهيد، ولذلك يطلق على هذه الدولة الشقيقة بلد المليون شهيد .
كل ما تقدم يوحي أن الهوية كانت هي أساس المشكلة وعمق التوجه من قبل السعودية ، ما جعل الثورة السبتمبرية في الـ21 تتحمل أعباء كبيرة ولا تزال حتى اليوم تعاني من صلف وغطرسة هذا النظام الذي يشن حرباً إجرامية شعواء على اليمن ، واستطاع أن يُدمر البنية التحتية وكل ما يتعلق بالحياة ، رغم فشلها الذريع في الوصول إلى الغايات المرسومة في أذهان المسؤولين من آل سعود والتي منها إعادة اليمن إلى بيت الطاعة و القضاء على الهوية اليمنية العربية الإسلامية ، على هذا الأساس يُمكننا القول أن ثورة 21سبتمبر تجاوزت النطاق اليمني وتحولت إلى تعبير حقيقي عن إرادة العرب والمسلمين أصحاب الفكر الديني والقومي الناصع بأبعاده الاستراتيجية وطموح أبنائه المتأصل في النفوس ، فكانت بالفعل بالنسبة لليمنيين مجسدة لهوية الوطن ومعبرة عن طموح الشعب، لا نقول هذا الكلام جزافاً لكن الكثير من الحقائق والمعطيات تؤكد هذا المعنى ، ونبدأ هنا بالخلفية التي حتّمت قيام الثورة وتحويلها إلى فعل اضطراري ينقل الشعب من حالة الذل والهوان والوصاية القاتلة إلى مراتع الحرية والاستقلال والسيادة .
الثورة هوية وطن
من نافلة القول إعادة الحديث عن تلك الإرهاصات التي سبقت الثورة والأحداث المؤلمة التي رافقتها ، وكانت بالفعل مفتاح الانطلاق وأساس المخاوف التي تراكمت في الواقع وحتّمت الانقياد إلى الثورة ، وبالتالي لم تكن ثورة 21سبتمبر إلا نهاية للمطاف ونتيجة حتمية لما سبقها من أعمال إجرامية وإرهاصات كبيرة بعثت في النفوس الإرادة والرغبة للتغيير إلى الأفضل ، ولنبدأ هنا بالشرارة الأولى التي أطلقها مؤسس الثورة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي ;طيب الله ثراه; من جبال مران ، وما قابله من صلف وعدوان همجي غادر قاومه ببسالة وكان بالفعل وقود ذلك العدوان الذي لم يتوقف باستشهاد القائد المؤسس ، لكنه أمتد بعد ذلك على مدى خمسة حروب متعاقبة كان آخرها الحرب السادسة التي رفعت فيها السعودية قناع الحياء ، ودخلت كطرف فعلي مشارك في الحرب لكن الله سبحانه وتعالى خيب آمالهم ومد المجاهدين بالقوة وجعلهم يمرغون أنف هذه الدولة الهُلامية في التراب ، الواقعة زادت من حقد حكام آل سعود وعمقت مخاوف بريطانيا وأمريكا على اليمن واليمنيين، والحوثيين على وجه الخصوص بحسب توصيف الإعلام الدولي بشكل عام ، وهو ما جعل قيادة الثورة التي تولى زمامها القائد الشاب عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- جعلها تحتاط لنفسها وتسير باتجاهين:
– الاتجاه الأول :
إبداء الرغبة للمشاركة في الحراك الشعبي الجماهيري الذي أنطلق عام 2011م بإرادة الشارع اليمني ككل ، لكن للإسف استطاع حزب الإصلاح المجسد للقرار السعودي أن يختطف الثورة ويتفرد هو بكل شيء في الشارع بما في ذلك التحكم في الساحات المعبرة عنه ، مما عرض أنصار الله للكثير من المخاطر وجعلهم يتكبدون خسائر في الأرواح والعتاد ، إذ كان لا يمر يوم دون أن يتعرض مخيم أنصار الله في الجامعة لهجوم غادر من قبل المجرم الفار من وجه العدالة علي محسن صالح الأحمر قائد ما كان يُسمى بالفرقة الأولى مدرع المتمركزة بالقرب من ساحة الاعتصام، حيث صبر أنصار الله كثيراً على الأذى وتعرضوا للضرب وحرق الخيام وكل الأعمال التي تتنافى مع أبسط القيم الإنسانية ، مع ذلك كانوا أكثر صلابة وقوة وتحدياً ، والاستعداد للحوار والتفاهم حول مستقبل الوطن على أساس سليم يصل بالأمور إلى بناء حقيقي للوطن ، إلا أن هذه النوايا الحسنة قوبلت بمكر وخداع وأعمال إجرامية خبيثة .
– الاتجاه الثاني :
بناء الذات عسكرياً وثقافياً ووطنياً على أساس توقع الكثير من الأعمال الإجرامية التي كان قد خُطط لها من قبل خبراء بريطانيين وأمريكيين ومساعدين من السعودية وفي الأخير أنضمت إلى هذا التوجه الإمارات ، وبالفعل تم البناء على أساس سليم لا يخلو من الرؤية الاستراتيجية والتوقعات الصحيحة لما يمكن أن تأتي به الأيام من أحداث ومشاكل كبيرة تؤرق الحركة وتحبط مسيرتها المباركة ، هذا التوجه قوبل بترحاب كبير من قبل المواطنين اليمنيين في كل المناطق ، وصدق ذلك التبنؤ المبكر الذي أعلن عنه رمز الثورة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي حينما قال أثناء مراجعتي له. أنا والشهيد المقتول غدراً والمثقف اليمني المعروف الأستاذ جار الله عمر كنا نراجعه عن موضوع الصرخة وكيف أن الأمر يزعج أمريكا وسيجعلها تتآمر على الحركة ، فأجاب والابتسامة على شفتيه يا أستاذ جار الله يا أستاذ أحمد صدقوني لن تمضي سوى سنوات وإذا بالصرخة تردد في كل مناطق اليمن بما في ذلك عدن ،هذا ما جعلني أقف ذلك اليوم وأصرخ بملئ فمي الله أكبر عندما سمعت الصرخة تردد في أكثر من ميدان في عدن ، وهنا لابد من إشارة بسيطة وهو أن دخول عدن مثل ثغرة غير محمودة في جدار العمل الوطني الثوري للمسيرة ، لأن العملية لم تُدرس بعناية ولم يتم.
الأخذ بدور الحاضنة الشعبية التي كانت قد عبئت بشكل خاطئ، كما يحدث اليوم في الكثير من المناطق من خلال الإعلام المعادي الذي حاول أن يصور الحركة بأنها تقوم على التطرف والقهر وتُجبر الآخرين على مسايرة ما تؤمن به بالقوة ، وهو أمر أثبتت الأيام عدم وجوده خاصة بعد أن استطاعت الحركة التغلب على بعض الثغرات ، ومنها أولئك الذين ركبوا الموجه وهم غير مدركين لما تتصف به من صفات حميدة وأخلاق تترجم الرؤية الإسلامية بما هي عليه من التزام قيمي وأخلاقي ، لذلك قرر القائد الشاب الانسحاب من عدن قدر الإمكان حتى تتوفر الظروف الملائمة للعودة وتحرير كل شبر يمني من دنس المستعمر والعملاء والمرتزقة، كانت هذه اللفتة ضرورية للإشارة إلى بعض السلبيات التي أحاطت بدور الحركة وجعلتها تتراجع في اللحظة الحاسمة لصيانة أرواح البشر وزيادة الاستعداد للمواجهة الحتمية ، وهو توجه وفعل محمود يؤكد أن الحركة وقيادتها بالذات لا تصر على الخطأ كلما حدث ، لكنها قادرة على التصحيح في كل مرحلة من المراحل وإعادة الأمور إلى نصابها .
أساليب المكر والخداع
هنا لابد أن أقفز على سياق الموضوع وأستشهد بواقعة مررت بها شخصياً، وذلك بعد التوقيع على اتفاق السلم والشراكة من قبل كافة القوى السياسية عام 2014م الذي نال فيما بعد مباركة الدول المشاركة في قضية اليمن وعلى رأسها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة ، كُنا سعداء بالخطوة فعلاً وكان الزملاء في بهو فندق موفمبيك يتحدثون عن مستقبل اليمن بعد التوصل إلى ذلك الاتفاق ، وفي حضور عدد من الزملاء الصحفيين ، قلت لقيادي مؤتمري معروف أتضح فيما بعد أنه كان يخدع المؤتمر وأنه إصلاحي كبير:
– الحمد لله أن اليمنيين توصلوا إلى هذا الاتفاق الذي يمثل أول خطوة على طريق التكامل والاتفاق لوضع استراتيجية تتحول إلى خارطة للطريق وتحدد مستقبل اليمن ، أطلق ابتسامة ساخرة، وقال :
– أنت مصدق ما جرى.. هذه مجرد لعبة لاستدراج (أصحابك)، وضعت كلمة أصحابك بين قوسين للتنبيه حول أمر هام سيتم الحديث عنه لاحقاً ، المهم أن الرجل قال القضية تعني استدراج أنصار الله إلى العاصمة لتسهيل القضاء عليهم ، أحتج الزملاء الحاضرون على كلام الرجل خاصة أنه أعقبه بتصرف شاذ عبر عن ضيق الأفق وعدم القدرة على فهم طبيعة علاقة اليمنيين ببعضهم في الجانب الديني والوطني ، فلقد أنصرفنا في تلك اللحظة لأداء صلاة الظهر وتقدمت أنا للصلاة بالجميع وكنت مرسل كعادتي ، فما كان من الرجل إلا أن ترك الصلاة وأبتعد يصلي فرادى ، رغم أن الآخرين كانوا مختلفي المشارب ومتعددي المذاهب، وهو ما جعلهم يعيبون عليه التصرف ويعتبرونه شاذا ، ورد بصلافة وغرور ( أنا لا أصلي بعد رافضي ) كما قلت فيما بعد ، وبعد أن انتصرت الثورة ولاذ بالفرار ، ظهر وجهه الحقيقي بأنه ليس مؤتمرياً وأنه قيادي إصلاحي كبير ويُمارس كل ما يُقدم عليه ببُعد إيديولوجي ليس مترسخاً في أعماقه لكنه يُقلد سادته في الرياض ، والحاخام الأكبر الذي يرتبط به المدعو علي محسن الأحمر ، فهو إلى جانب كونه وهابي المذهب إلا أنه عميل خائن منذ زمن بعيد فلقد ظهر أسمه في قائمة العملاء الملتحقين بالسعودية الخاضعين لما يُسمى باللجنة الخاصة ، وهي اللجنة المشبوهة التي كانت تستدرج اليمنيين إلى مربع العمالة والخيانة وهو مشهود له في مثل المواقف حيث رددها في فترة سابقة أمام الرئيس الأسبق المدعو علي عبدالله صالح ، الذي أتهم المناضل الكبير يحيى المتوكل بالإمامة ، وهو يعلم علم اليقين أنه ممن فجروا ثورة 26سبتمبر وكان له فضل عليه في ثاني يوم من الثورة ، حيث قام المرحوم الملازم / محمد هاشم مرغم بسجنه في قسم العلفي فجاء يحيى المتوكل بناءً على طلب الأخ محسن العلفي وطلب من الملازم مرغم الإفراج عنه كونه قد أنضم مع الثورة وكان في فوج البدر ، وهذه المعلومة أكدها الأخ اللواء أحمد إسماعيل أبو حورية في مذكراته حيث أشار إلى أن علي عبدالله صالح كان دائماً كثير المشاكل والمشاكسات حتى مع زملائه ومنهم أخوه المذكور الذي رفض الضمان عليه لكثرة مشاكله مع زملائه.
أعود إلى سياق الموضوع ومن الإرهاصات التي سبقت الثورة تلك التحركات البائسة بما اشتملت عليه من مكر وخداع وإصرار على الحقد والكراهية لطرف ومكون أساسي من مكونات الحراك الشعبي العام ممثلاً في أنصار الله فلقد تكالبت كل القوى المرتبطة بالسعودية وأمريكا وحاولت إسقاط حركة إنصار الله في عقر دارها من خلال تقديم الدعم المادي والعسكري لما كان يُسمى بدار الحديث في دماج ، فهذا الكيان المشبوه الذي إنشأته السعودية في الإساس لمواجهة أتباع المذهب الزيدي في صعدة أولاً ثم اليمن بشكل عام واقتلاع جذوره في معقله ، لم يتوقف الأمر على السلفيين الملتحقين بهذا المعهد عند المواجهة مع أنصار الله ، لكن التحشيد والدعم بجانبيه المادي والعسكري تكالب على المنطقة من الخارج والداخل حتى أن أحدهم حضر من البوسنة والهرسك وقد وجدته شخصياً، وقال لي جئنا لمناصرة إخواننا في دماج، وهو من المناطق الوسطى ، بعد ذلك توافد الدعم البشري والمادي والعسكري من كل الجماعات الإرهابية داعش والقاعدة والنصرة وكانت السعودية بالذات قد أعدت أسطولاً جوياً خاصاً لدعم أمريكا لنقل ما يُسمى بالمجاهدين من سوريا والعراق إلى اليمن عبر إرتيريا التي جهزت هي الأخرى معسكراً خاصاً للاستقبال واستكمال عملية التدريب والتأهيل لمن هم قادمون من اليمن ، وكان الخبراء في ذلك المعسكر إما بريطانيون أو أمريكيون.
وقال لي أحدهم أنه شاهد أيضاً مدربين صهاينة في ذلك المعسكر عرفهم باللغة، وعندما سأل أحد الصحفيين العرب الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي عن ذلك لم ينف وقال نحن مجرد ساحة نتسلم المال عنها ولا يهمنا أين سيقاتلون ومن سيقاتلون ، المهم أنه أعترف بوجود علاقة مشبوهة في ذلك الوقت بين السعودية ودولة الكيان الصهيوني، حيث كانت القوافل تتواصل إلى ذلك المكان دون توقف ومن كل المناطق اليمنية ناهيك عن الدعم السعودي المباشر المادي والعسكري ، مع ما رافق العملية من حملة إعلامية شرسة كانت تبشر بسقوط آخر معاقل جماعة أنصار الله، واتضح فيما بعد أنها كلها إرهاصات وأخبار كاذبة سعت إلى الإرجاف والتهويل بقصد التأثير على الحاضنة الشعبية لأنصار الله في بقية المناطق اليمنية ، لأن الحركة بالفعل ومن خلال أعمالها المشهودة وصبرها على الأذى إلى جانب سلوكيات قادتها ، كل ذلك وسع نطاق الحاضنة الشعبية التي أصبحت مناصرة للحركة وتتلهف للحظة الالتحاق بها ، المهم أن المعارك توالت في صعدة إلى أن سقطت دماج ، بعدها مضى الركب باتجاه عمران ، وفي اللحظة التي أوشكت مدينة عمران على السقوط تداعى الإخوان المسلمون ومن لف لفيفهم من الجماعات الإرهابية إلى اجتماع حاسم، في مقر الفرقة الأولى مدرع برئاسة المدعو المجرم علي محسن الأحمر ، وفي ذلك الاجتماع الذي نقل لي أحدهم كل تفاصيله ، كان الجميع يدركون أن الخطر داهم والأمر أصبح قاب قوسين أو أدنى للنصر من جماعة أنصار الله ، فما كان منهم إلا أن عزموا على تشكيل جيش مرادف لجيش القشيبي يتكون من (25)الف مقاتل ، كل شيخ وكل جماعة حددوا العدد الذي سيرفدون به ذلك الجيش وكان أخرهم المدعو علي محسن رئيس الاجتماع الذي وعد بتقديم (15)ألف جندي نظامي من الفرقة يتقاضون مرتباتهم من الدولة إلى جانب ذخائر وأسلحة متطورة هي في نفس الوقت تابعة للفرقة نفسها ، وهو ما دحض فكرة أن ما يجري قتال بين قبائل وأنصار الله ، كيف لا وكان القشيبي على رأس جبهة القتال في عمران ، إلا أن الله أراد أن يتم نوره ويقطع دابر المجرمين ، فلقد تكون بالفعل ذلك الجيش العرمرم وذهب باتجاه عمران إلا أن أفراده تقهقروا بمجرد الوصول إلى ضروان بعد أن رأوا أمامهم حمم النار تتساقط على المواقع المكلفين بالوصول إليها .
وهكذا تواصلت المعارك حتى وصل أنصار الله إلى صنعاء ، وفر علي محسن الأحمر مرتدياً ملابس نسائية كما يُقال وبمساعدة السفيرين الأمريكي والسعودي بصنعاء ، ثم اتفقت كل القوى على توقيع أتفاق السلم والشراكة الذي أُعد من قبل أنصار الله ، ولأن مشروع الاستهداف أمريكي سعودي فلم تيأس تلك القوى الإجرامية التابعة لقوى العمالة والخيانة من تحقيق ما تصبو إليه باستهداف الجماعة وإسقاطها ، فتحركت في الجانب الآخر وهو الجانب الإرهابي عبر تكليف الجماعات القيام بأعمال إجرامية استهدفت قادة كبار من انصار الله منهم الدكتور أحمد عبدالرحمن شرف الدين والدكتور عبدالكريم جدبان وطال الإجرام أيضاً الدكتور الجامعي الشهير صاحب الأفق المتنور والإرادة اليمنية الصلبة محمد عبدالملك المتوكل -رحمهم الله جميعاً- ووصل أيضاً إلى عبدالكريم الخيواني أحد ممثلي أنصار الله في ما سُمي بمؤتمر الحوار الوطني، وآخرين لا استحضرهم في هذه اللحظة ، المهم أن الأمر تحول إلى عداء صارخ لكل ما هو زيدي وهاشمي من خلال الإقدام على تلك الأعمال الإجرامية الغاية في البشاعة باستهداف المصلين في مساجد بدر والحشوش والمؤيد ، ناهيك عن الأعمال الإجرامية والتفجيرات التي تمت في ميدان السبعين والعرضي وأمام كلية الشرطة وفي عدد من المواقع ، وكلها أودت بحياة مئات اليمنيين الأبرياء من المصلين أو طلبة الكلية أو المرضى والأطباء في مستشفى العرضي ، فأي إجرام بعد هذا وأي منكر يوازي هذا المنكر ، لكن لأن السعودية هي صاحبة الأمر والنهي في الموضوع فلقد أطلقت سهام الحقد والكراهية على كل ما هو زيدي وهاشمي ، حتى من كانوا ملتحقين بالإصلاح، كما شرح لي الدكتور عبد الوهاب الديلمي رحمه الله ، وقال أنا بدأت أحس بمضايقة شديدة ، رغم أن هذا أكثر الناس تشدداً ، فهو الذي أصدر فتوى دينية بتكفير الحوثيين ، أطلقها أمام عدد كبير من دكاترة الجامعة وقال لهم أننا نواجه كفارا لا ينتمون إلى الدين ، لكنه بعد ذلك رأى ما لا يسره ، إلا أن حبائل الشيطان لا تنقطع من الرؤوس التي تجذرت فيها ، خاصة إذا كانت العملية مرتبطة بالمال فهو يُسيل اللعاب ويجعل الهامات تنحني أمامه .
ليس كل هاشمي حوثياً
الحقيقة أن إطلاق أسم حوثي على كل شخص هاشمي في اليمن خطأ وشرف لا يدعيه الكثير من اليمنيين الهاشميين ، لكنه اعتقاد ساد وتجذر في زمن الرئيس المدعو علي عبدالله صالح عندما حذره البعض بأن الهاشميين لا يقبلون به وإنما قبلوا به على مضض ومن باب التقية ، كونهم يعتقدون أن الإمامة في البطنيين ، وإنما حسبما أفاد العلامة أحمد محمد زبارة فأصله متدنٍ فهو من الرغيل منطقة في المحويت لا يسكنها إلا أصحاب المهن المتدنية ، ورغم أننا لا نؤمن بهذه الفكرة وأنها مهن شريفة إلا أنها كانت سائدة وهكذا كان المجتمع اليمني يعتبر كل من يمارس هذه المهن ناقصا ومن بني الخُمس ، بحسب إفادة العلامة زبارة قدس الله سره، أرتكب جريمة قتل في المنطقة فأضطر إلى الفرار وأستوطن سنحان ، وأنا أميل إلى هذه الرواية من العلامة زبارة لأنه كان منصفا، وكتبها بناءً على طلب صالح نفسه ، فلقد طلب منه أن يورد اسمه في الكتاب، الطبعة الثالثة من نشر العرف ، وعندما أخبره البعض بأن الرجل أنتقص من شأنه أمر بشراء الكتاب من السوق وقامت وزارة الإعلام والتوجيه المعنوي بتمزيق الصفحات التي ورد فيه اسم الرئيس صالح ، وفي ذات السياق كانت السعودية تروج لفكرة استهداف الهاشميين باعتبار أنهم أعداء للمذهب الوهابي وأن العداء متأصل ، ولقد أخبرني الإمام محمد البدر في منفاه -في منطقة كان القريبة من لندن -أن السعودية أصدرت قراراً بطرده عندما رفض التوقيع على خارطة الحدود التي وضعتها كما يحلو لها ، والتي وقعها فيما بعد صالح واقتطعت مئات الكيلومترات من الأراضي اليمنية ، خلافاً لما نصت عليه اتفاقية عام 1934م التي وقع عليها مندوب الإمام يحيى آنذاك والأمير سعود بن عبدالعزيز في الطائف وسُميت باتفاقية الطائف ، قال البدر بالحرف الواحد (عندما رفضت التوقيع على الطلب السعودي طلبت مني ا لسعودية مغادرة أراضيها ، قلت لهم هذا شأن يمني واليمنيون هم أحق بتقرير مصيرهم ، غضب مني الأمير سلطان وكان في منزلي ، ثم أرسل لي رسول وطلب مني مغادرة السعودية فوراً وبالفعل غادرت إلى بريطانيا وقد قطعوا راتبي وكنت معتمداً على وديعة وضعها لي والدي في أحد بنوك سويسرا وتساوي أربعمائة ألف ريال فضة فرانصي كانت قد بلغت مع الأرباح أثنين مليون دولار إلا أن حكومة الثورة في صنعاء رفعت قضية بالمطالبة بها وأرسلت وفدا برئاسة محسن العيني للترافع أمام المحكمة ، لكن المحكمة في النهاية حكمت للثورة بالأرباح وأبقت لي رأس المال الذي استفدت منه حتى جاء إلى الحكم الملك فهد بن عبد العزيز وقد عرض عليه الأمر بعض الأمراء ، وكنت على علاقة قوية بهم ، فأعاد لي المستحقات بما في ذلك إيجار المنزل ، دون أن يعلم بأن الحكومة البريطانية قد قررت لي راتبا شهريا واعتمدت إيجار المنزل ، لكن هذه الرسالة أوجهها إلى كل اليمنيين لا تركنوا يوماً إلى أبناء عبدالعزيز آل سعود فهم يكنون لليمن واليمنيين كل الحقد والكراهية والبغضاء ويتمنون لو أنهم صفوا كل أبناء اليمن في لحظة واحدة ، بخلاف ما هم عليه أبناء الشعب السعودي بالذات في الحجاز فكلهم يحترمون اليمنيين ويكنون لهم الود والاحترام ، بل ويعتبرون أنهم الأجدر بالمعايشة والعمل لبناء المملكة وبالفعل كان اليمنيون هم السباقون إلى البناء والقيام بكافة الأعمال الإنشائية داخل المملكة منذ زمن مبكر حتى أن اتفاقية الطائف كما أكد عليها الإمام يحيى حميد الدين نصت على ضرورة معاملة اليمنيين كمعاملة السعوديين وإدخالهم بدون فيزة أو تأشيرات دخول وهذه العبارة خلت تماماً من اتفاقية جدة عام 2001م)، انتهى كلام الإمام محمد البدر ، ونعود إلى سياق الموضوع فهذا بالفعل ما دأبت عليه السعودية منذ زمن بعيد، لأنها تسعى إلى صنع شرخ في الصف اليمني وإيجاد بؤرة للفتنة بين اليمنيين كلما احتاجت إلى إثارتها ، وفي إطار هذا التوجه الإجرامي الخبيث وجدنا قبل صعود حركة أنصار الله وظهورها على السطح أن هناك من يعتبر أبطال الثورة الهاشميين ملكيين أو يعملون لعودة الملكية ، مع أنهم ممن فجروا الثورة وهم من قدموا التضحيات في سبيل انتصارها ، لكن كما يُقال -الشيطان يكمن في التفاصيل- فكيف إذا كان الشيطان هذا نظام بحاله مثل السعودية يغوص في جبال من المال ولا يهمه كم يُنفق وما ينفق ، طالما أنه سيصل إلى قهر اليمنيين ويحقق رغبته الحاقدة بأن يكونوا مجرد طرف تابع له كما حدث بعد ما سُمي بالمصالحة الوطنية، عبر الاستشارة الخبيثة من قبل جماعة الإخوان المسلمين وبعض الحاقدين في الداخل اليمني ، من يتقاضون مرتبات شهرية من السعودية ، وضعت هذه الفكرة في الصدارة حتى أن المرحوم الشهيد جار الله عمر قوبل بهجمة قوية من قبل الأخ حمود هاشم الذارحي ممثل الإصلاح الإخوان في اللجنة العليا للانتخابات- عندما احتج في أول انتخابات نيابة أجريت بعد الوحدة على محاولة إبعاد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي من قائمة الترشيح فلقد قال الذارحي بالحرف الواحد (ما باقي إلا نستدعي الإمام البدر من لندن) ضحك المرحوم جار الله وقال (كيف هذا الكلام يا حمود وأنت هاشمي ماذا سيقول الآخرين؟!)، ضحك الجميع في اللجنة على تعليق الأستاذ المرحوم جار الله ، الصورة عكست حالة الحقد والكراهية المتجذرة في نفوس أتباع حركة الإخوان المسلمين، والتي كما قال القاضي العرشي رحمه الله (تخطت الهاشميين لتطال كل تابع للمذهب الزيدي مما يؤكد أن العملية سعودية 100 % ووهابية 1000 %) وموضوع إلحاق الهاشميين كلهم بحركة أنصار الله تسبب بأذى كبير للحركة نفسها ، فعندما وصلت إلى صنعاء ألتحق بها كل الهاشميين وكان بعضهم شُذاذ أفاق غير مدركين لماهية الحركة ولما تسعى إليها ، ولا يزال البعض منهم حتى اليوم يقدمون على أعمال غير سوية تنسب إلى الحركة وتقلل من شأنها ، أي أن هؤلاء حولوها إلى هاشمية وغير هاشمة بينما الأمر غير ذلك في الواقع ، فها هي الرئاسات التي يتم اختيارها من قبل أنصار الله لم يدخل فيها أي هاشمي ، بل توالاها في المقدمة الشهيد الكبير صاحب الأفق الواسع صالح الصماد -رحمه الله- والآن مهدي المشاط وكلاهما غير هاشمي ، كذلك وزير الإعلام الذي يعتبره الناس هاشمي لكنه ليس هاشمي ، فهو من بيت الشامي غير الهاشميين ، فهناك شامي هاشمي وهناك غير هاشمي ، كما هو شأن بيت المسوري فهناك هاشمي وقبيلي ومزين ، وهذا بسبب أن الانتماء أو اللقب كان يُنسب إلى المنطقة، كما قال الأستاذ أحمد ثامر وهو ضرير كان زميلنا في المدرسة جاء يُقدم في التسجيل بالمدرسة ، فسأله الموظف ما أسمك؟ قال أحمد ثامر ، أجاب الموظف من أين ، قال من مسور ، قال لماذا تقول ثامر قل المسوري ، ولا يزال متحسرا على اسمه ، وكل من ناداه بالاسم الجديد يصيح من بعيد قل ثامر ، وهذا مثل بسيط على أشياء كثيرة ، كل ما سبق من إرهاصات لاشك أنها حقائق وقرائن كبيرة تؤكد أن الثورة لم تكن سوى عمل استباقي لما هو أعظم , وكشف لما يعتمل في النفوس من غل وحقد وكراهية لطائفة من أبناء الشعب اليمني ، من قبل من كانوا أتباعا وخدما للنظام السعودي ، وهي التي جعلت الثورة فعلا اضطراريا يُعيد لليمن هويته ، ويحفظ لأتباع المذهب الزيدي حقهم في العيش الحر الكريم بعيداً عن الاضطهاد والمتابعة والانتقاص فالجميع يعرف أن هناك أعمالا وممارسات شاذة كانت تصدر عن من يسمون أنفسهم السنة والجماعة وهم لا سنة ولا شيء بقدر ما يجسدون الإرادة السعودية ، حيث كانت المشاكل تحدث في المساجد تباعاً لمجرد أن يشاهد أحدهم مرسلا في الصلاة ، وهذه الظاهرة أتسعت ووجدت مجالاً واسعا بعد اندلاع حرب صعدة الأولى وكانت من نتائجها المباشرة تحويل العلامة يحيى الديلمي والعلامة محمد مفتاح للمحاكمة وإصدار حكم الإعدام ضد الأول والسجن عشر سنوات للثاني، كما كانت أجهزة الأمن تقتحم مساجد ومنازل العلماء أمثال العلامة المرحوم حمود المؤيد وغيره ، حدث نفس الشيء بالنسبة للعلامة المرحوم / إسماعيل الحوثي الذي كان إماما لمسجد قرية الدجاج المبني من قبل علي عبدالله صالح بأموال الأوقاف ، فلقد داهم المسجد ذات مساء الأخ حمود محمد عباد وكان يومها وزيراً للأوقاف حيث فوجئ الرجل لأنه كان يعتبر نفسه في مأمن كون المسجد يحمل اسم الرئيس قبل بناية المسجد في ا لسبعين ، وإذا بحمود يقول وصلتنا أخبار بأنك تدرس في كتب إمامية ، فبادر إلى فتح الخزانة الخاصة به وأطلعه على الكتب التي يقوم بتدريسها فهي سنية أمثال سبل السلام والبخاري ومسلم وغيرها، مما جعل الأخ حمود يتراجع ويبدي الأسف.
عرفت فيما بعد أن التوجيه أتى إليه من المدعو علي محسن الأحمر ، لأنه ضاق ذرعاً بوجود الحوثي في ذلك المكان رغم أنه يواجه حوثيا آخر في جبال صعدة ، هذا ما كان يحدث بالفعل وهذه هي الظواهر التي جعلت القلوب تتورم ودفعت الكثير أولاً إلى الإشفاق على حركة إنصار الله كونها كانت تواجه صلف دولة قوية مثل السعودية ، وأداة من أدواتها ممثلة بالنظام القائم بصنعاء ، وها هي الأيام تبثت بأن الحرب كانت عبثية مع أنها أودت بحياة (14)ألف مقاتل من أفراد الجيش فقط، ناهيك عن شهداء أنصار الله والشهداء من المدنيين ، ألم أقل لكم أن العملية كانت خطيرة وكانت بالفعل قد حاولت استئصال أهم هوية لليمنيين في المناطق الشمالية من ذمار وحتى صعدة ، وهي هوية المذهب الزيدي بما هو عليه من انفتاح ووسطية. المهم أن استهداف المساجد بتلك الهمجية والحقد لم تكن سوى مقدمة لمساجد أخرى ، قال لي أحد الجنود الذين قاتلوا في «يكلاء» بقيفة ضد عناصر القاعدة وداعش أنهم وجدوا قائمة تضم (180) مسجداً كانت مستهدفة بالتفجير لأنها بدأت ببدر والحشوش والمؤيد ومن كتب القائمة أُشر عليهم بعلامة أكس في الثلاثة المساجد والبقية مرشحة لتنفيذ عمليات أكثر إجراما ووحشية ، وكلها شواهد حية كما قلنا تؤكد ما كانت تكنه هذه الأطراف الحاقدة من حقد وكراهية لليمن واليمنيين بشكل عام ، أذكر أنه حدثت مشادة بين المدعو حميد الأحمر والأستاذ جمال بن عمر المبعوث الأسبق لأمين عام الأمم المتحدة ، فلقد عاتبه كثيراً حميد الأحمر على تردده إلى مدينة صعدة ومقابلته للمدعو الحوثي بحسب وصفه وختم حديثه قائلاً : يبدو أنك معجب بالحوثي ، لا تطيل هذا العجب بعد أيام سنوصل لكم الرجل وجماعته في توابيت إلى صنعاء ، وهناك أقوال أخرى صدرت عن أبناء الشيخ عبدالله الكل يعرفها، كلام حميد جعلني أسأل الأستاذ جمال بن عمر في حفل العشاء الذي أقامه على شرفه سفير المغرب في صنعاء وكنت أحد المدعوين إليه ، رد قائلاً ( هذا الكلام لم يصدر عن حميد فقط ولكني سمعته من أتباع الإصلاح كلهم وأنا دائماً أقول لهم بأن عبدالملك الحوثي يتمتع بشخصية نادرة فهو يمتلك قدرة. وملكة كبيرة تجعل الشخص وهو واقف أمامه يصغي إليه باهتمام ويحس أنه شامل لديه معرفة بكل شيء وعنده رغبة أكيدة لوضع لبنات حقيقة تُسهم في بناء مستقبل اليمن على أساس سليم وكثيراً ما يبدي الرغبة في الشراكة مع الآخرين ووضع استراتيجية ورؤية وطنية شاملة تُحدد مستقبل اليمن وتطلق قدرات أبنائه للبناء).. أنتهى كلام بن عمر رغم أنه اشتمل على أشياء أخرى سأذكرها إن شاء الله في موضوع مستقل لاحقاً .. وبالنسبة لبقية الإرهاصات التي سبقت الثورة فالجميع يعرفها وكانت في جُلها تستهدف مسخ هوية الوطن وتحويله إلى مجرد كيان تابع للسعودية، أي أن العملية برمتها كانت تهدف لإعادة اليمن إلى بيت الطاعة وهو أمر مستحيل في ظل وجود حركة أنصار الله ، وبالتالي يؤكد أن الثورة مثلت بالفعل الهوية الفعلية لليمن ..
(21 سبتمبر) طموح شعب
لقد أرتقت الثورة فعلاً إلى مستوى طموح ورغبات الكثير من أبناء الشعب اليمني رغم كل ما رافق العملية من حملات إعلامية جائرة وأخبار زائفة سعت إلى تضييق الخناق ووصف حركة أنصار الله وقادتها بأوصاف بعيدة كل البُعد عن الواقع ، مثل دعوى الرافضية والمجوسية والتبعية لإيران ، أو التمثيل المطلق لإرادة إيران ، وكلها خزعبلات وأكاذيب يروجها المعتدون لاستدرار عطف العالم بالذات أمريكا التي هي في خلاف دائم مع إيران ودولة الكيان الصهيوني التي تخشى إيران وتحاول أن تُقنع العالم بأن إيران مصدر للشر وهي دعايات كاذبة ، فإيران التي وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني من أول وهلة لانطلاق الثورة الإيرانية المباركة ، هي التي تسببت في رعب دولة الكيان الصهيوني وجعلتها تحسب ألف حساب لهذه الدولة الوليدة ، كما حدث مع ثورة الـ21 من سبتمبر الظافرة رغم أنها جاءت في وضح النهار وبإرادة شعبية عارمة وبهدف تصحيح مسار الثورة اليمنية 26سبتمبر و14أكتوبر حيث شاءت الأقدار أن يكون شهر سبتمبر محتوى ثورة الشعب العامة بأبعادها التحررية والقومية والدينية ، وهذا محور العلاقة بين ثورة 21سبتمبر والثورة في 26سبتمبر و14أكتوبر ، وأن ما تنعم به البلاد اليوم من أمن واستقرار رغم ضيق الحال وإحساس اليمنيين بالغبن لأنهم يعانون من الفاقة وإلى جوارهم المتخمون بالمال ، مع ذلك يحس اليمني باعتزاز كبير لأنه يمتلك الكرامة والسيادة والاستقلال من الأعداء ويحس بأن الصمود الكبير والبطولات العظيمة التي يُحققها أبطال الجيش واللجان الشعبية في كل الجبهات كفيل بأن يكمل المشوار ويحقق الطموح الكبير لأبناء هذا الشعب عبر بلورة خطة وطنية واستراتيجية شاملة للتحصين الاجتماعي وإنقاذ الوطن من كل المخاطر بما في ذلك مخاطر المحتلين لعدد من المحافظات الجنوبية والشرقية ، والعمل على تحسين ظروف الحياة المعيشية وإيقاف أي تداعيات محتملة في الجبهة الاقتصادية بالحفاظ على توفير المستوى المأمول والممكن من المواد الغذائية والأدوية اللازمة محلياً واستيراد الناقص من ذلك ، وهذا هو غاية ما يطمح إليه الشعب وهو الكفيل بتعزيز القوة والتماسك والصمود وتثبيت دعائم الوحدة الوطنية الكفيلة بدعم المقاتلين الأبطال في الجبهات وتمكينهم من استكمال تحرير ما تبقى من أراضي الوطن المحتلة ، ولا نستبعد في ظل هذا الإيمان بالوطن وطالما أن اليمن يُمثل عمق استراتيجيا للأمة العربية بشكل عام لا نستبعد أن يمتد هذا الصمود لتحرير أرض فلسطين السليبة من الأعداء الصهاينة وأن يكون لليمنيين دور مباشر في خوض الملاحم البطولية حتى تحرير فلسطين من دنس الصهاينة الأذناب ، وليس ذلك على الله ببعيد طالما توفرت الإرادة القوية والإيمان الصادق واكتملت وحدة الصف الوطني وتماسك الجبهة الداخلية ، واستطاع أبناء هذا الشعب تحقيق الخطوة الأولى المتمثلة في تحرير المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة من صلف وغطرسة آل سعود الذين أساءوا إلى الإسلام وشوهوا صورته وجعلوه مستهدفا من كل دول العالم ، كل ذلك كفيل بتحقيق المعجزات التي قد لا يتوقعها الأعداء وهي واردة في أذهان اليمنيين منذ الوهلة الأولى لانطلاق الثورة ، فنحن في اليمن عاقدو العزم على أن نستكمل تحرير كل شبر ولن نساوم ولن نستكين مهما تمادى المضلون والحاقدون ، ونحن نعلم علم اليقين أن الحرب ليست نزهة وأن وقودها جماجم الرجال ، لكنهم قوم أباه لا يقبلون الضيم ولا يمكنون المحتل من اغتصاب أي شبر من هذه الأرض المباركة .
وهذا ما أثبته أبناء هذا الشعب العظيم خلال السبع السنوات الماضية وقبل ذلك ضد المحتلين الإنجليز والعثمانيين والبرتغاليين والأحباش وكل من حاول أن يمد نفوذه إلى أرض اليمن ، بارك الله الأبطال المجاهدين وزادهم قوة وصلابة ، ومن نصر إلى نصر .
في الختام لا بد أن أُشير إلى نقطة هامة سألني عليها أحد الأصدقاء عن ثورة 21سبتمبر ولماذا هي ثورة في ظل وجود ثورة صمدت 50 عاما وهي ثورة 26سبتمبر ، فأقول: ما يصر المعتدون على تجاهله هو أن هذا الشعب ولاّد وقادر على تحقيق المعجزات وكلما وهنت الثورة الأولى جاءت الأخرى لتجدد مسارها وتُحيي لدى الشعب الأمل بعد أن يكون قد فقده أو قد أصابه اليأس نتيجة التآمر عليه وحقد أولئك المتآمرون الذين شوهوا الثورة الأولى وأسقطوها في مزالق الفساد والخيانات والاستسلام للأعداء ، كما هو الحال مع أبناء سعود الذين يتآمرون على هذا الشعب مُنذ أن انطلقت دويلتهم الطارئة التي ما فتأت تتآمر على الأمة والعروبة بكل الوسائل وتحاول أن تُدخل النمط الصهيوني في النموذج الإسلامي العربي ، كما كان لليمن القصد الأكبر من التآمر على مدى سنوات هذه الدويلة ، حيث لم يسلم حُجاج بيت الله الحرام م غدر وخيانة هذه الدويلة ولم تسلم اليمن بشكل عام فخاضت أكثر من حرب آخرها هذا العدوان الهمجي الشرس وقبلها حرب 1934م في زمن الإمام يحيى ، ثم حرب السنوات السبع التي أعقبت ثورة 26سبتمبر والتي انتهت إلى دعاوى السلام كما يحدث اليوم، فهم يلوحون بالسلام بمبادرات خادعة من أجل أن يحققوا الغايات التي أنفقوا من أجلها مئات المليارات وفشلوا عن طريق العدوان المباشر ، مع ذلك لم يصلوا إلى شيء مما ذهبوا إليه، فلقد وصف الأستاذ المرحوم الشاعر الكبير يحيى علي البشاري السلام الذي تم في 1967م أنه احتلال فقال في قصيدة طويلة : بعدما أحتل السلام المعتدي ذُبح الصُبح بهذا البلدِ.. وقال الأستاذ البردوني واصفاً ما تم : أشتم رائحة المكيدة وأرى مؤامرة لها شكل الأخوة والعقيدة.. أليس اليوم كالأمس؟! ونفس المكائد والحيل تتكرر؟! فهاهم آل سعود اليوم يقدمون لنا مبادرة عبارة عن طُعم لكي يتمكنوا من تحقيق ما عجزوا عنه في الحرب بهذه الوسائل الدنيئة ويدغدغون عواطف اليمنيين بما سموه مبادرة طبل لها العالم لأنها مسبوقة بالمال المدنس الذي حاول أن يُقنع العالم بأن مساعي آل سعود كريمة، يبحثون من خلالها عن السلام لليمن ولليمنيين، وكلها إشاعات وأباطيل زائفة فندها قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في أكثر من خطاب وقال بأنها مجرد خطة مجزأة لذر الرماد على عيون العالم لكي لا يكتشف الحقيقة المهولة ، وللتغطية على ما أحدثته من دمار شامل في اليمن كل اليمن ، ولكي تنجو بنفسها من المساءلة ودفع التعويضات الكفيلة بإعادة بناء ما تهدم ، وهو أمر مستحيل، وعشم أبليس في الجنة ، فالعالم كله يُدرك أن هذه الدويلة هدمت كل شيء في اليمن ، وقبل ذلك اليمنيون كل اليمنيين الأبطال الأشاوس لن يسكتوا عن حقهم ، وسيأتي اليوم الذي يحاسبون فيه هذه الدويلة على الأعمال الإجرامية الوحشية التي ارتكبتها وترتكبها باعتقاد متجذر في نفوس حكامها مفاده أن دماء اليمنيين مباحة لأنهم كفار، تأويل بحسب إفادة ما يُسمى بعلماء الوهابية التي أقرها عاهر نجد والحجاز عبدالعزيز آل سعود في زمن سابق ، وخاطب جنوده الذين قاتلوا في حرب عام 1934م قائلاً (أنتم في مقام الدفاع عن الإسلام والانتصار لراية العقيدة) وهذا ما تؤكده الأيام بأن هذا الدويلة وقادتها المتمرغين في الجهل لا يزالون على نفس الاعتقاد ومن خلاله يرتكبون أفظع الجرائم في حق هذا الشعب المظلوم ، ولكنه في الأخير سينتصر وستسقط راية أولئك المعتدين، وتعلو راية الاستقلال والكرامة في اليمن .. والله من وراء القصد ..