قبل أن أدلف إليها في النصف الأخير من شهر ديسمبر الماضي كنت قد سافرت إليها كثيراٍ منذ أن بدأت قبل نحو خمس سنوات أتخيل معالمها الحضارية وتراثها ومنحوتاتها الصخرية والخشبية والخضرة الفسيحة فيها.. إلا أن كل تلك السفريات التي كان يذهب بي خيالي إليها كانت مجرد أضغاث أحلام وسرعان ما أفوق منها فأجد نفسي لم أتحرك من مكاني بمنزلي في منطقة الجراف بالعاصمة صنعاء فأشعر بشوق شديد لأرضها المباركة وأناسها الطيبين إنها جاكرتا عاصمة أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث التعداد السكاني أندونيسيا التي أسعفني حظي الجميل لزيارتها مؤخرا وتحديدا في النصف الثاني من شهر ديسمبر المنصرم.
أجمل التحف
* كانت بداية ولوجي إلى سيمفونية السحر والجمال والدلال جاكرتا من مطار سوكارنو هاتا الدولي وهو بوابة إندونيسيا الرئيسية الذي أطلق عليه هذا الأسم تيمنا بالرئيس الأندونيسي الراحل سوكارنو.
وفي هذا المطار الذي يخدم ملايين المسافرين سنويا وجدت أجمل التحف والفنون المعمارية وهي عبارة عن مجموعة كبيرة من المتاجر والمطاعم والمقاهي المبنية بطريقة هندسية وفنية بديعة وغاية في الجمال كما يحتوي مطار سوكارنو على سوق حرة كبيرة يتوفر فيها مختلف المنتجات والمصنوعات العالمية بالإضافة إلى التحف والمشغولات اليدوية والأواني الفخارية المزخرفة والجذابة التي ينتجها ويصنعها الإنسان الأندونيسي بإتقان شديد وبأنساق زخرفية متوخاة من إبداعات الفنون الإسلامية… وبعد ساعات من التجوال في المطار ومتاجره ومطاعمه وفي أجزاء من سوقه الحرة كان لا بد من مواصلة الرحلة إلى قلب جاكرتا لنستمتع بمزيد مما تحتويه من إرث حضاري وثقافي وفني ومن الطبيعة الخضراء الآسرة الجمال والمعالم السياحية المتنوعة… فكان لي ما أردت بالفعل.
مركز إشعاع دائم
* عن جدارة استحقت جاكرتا أن تكون مركز إشعاع روحي وديني دائم لكافة المسلمين في أصقاع العالم متحملة استحقاقات دورها التنويري الرائد دون ضجيج مصاحب سوى ضجيج مطابعها ومصانعها ومآذن جوامعها العامرة فمن النادر أن يخلو منزل في الوطن العربي أو في العالم الإسلامي ومنزلي واحد منها من سجادة أو مسبحة أو مصحف أو تحفة أندونيسية وإلى اليوم وجاكرتا تسخر جهدها وإمكانيتها لخدمة الدين الإسلامي الحنيف والبشرية جمعاء وهذا ما تأكد لي في صباح اليوم الثاني من زيارتي السياحية لها وأنا أشاهد بأم عيني ما تمتلكه من مقومات ومعالم حضارية وإسلامية ومقومات اقتصادية وسياحية وأستنشق من هوائها العذب وأصافح مواطنها العصامي الذي لا يعرف القنوط أو الجحود أو الكراهية ولا يعيش عالة على أحد وهذا ما عرف عن الإنسان الأندونيسي على مر الزمن..
سجد ونصب الاستقلال
* في أندونيسيا وحدها يوجد للمناسبات الوطنية العظيمة كمناسبة عيد الاستقلال الوطني مساجد ومتاحف وشوارع ونْصب وغيرها ففي الزاوية الشمالية الشرقية لساحة مارديكا الشهيرة يوجد مسجد ضخم ومهيب يطلق عليه مسجد الاستقلال ويعد من أكبر المساجد في جنوب شرق آسيا ويؤمه المصلون من جميع أنحاء جاكرتا لأداء الصلاة يوميا وقد حرصت كغيري من معظم الزائرين لإندونيسيا من المسلمين وغيرهم على زيارة هذا المسجد والتقطت لي العديد من الصور فيه وفي ساحتها الشاسعة.. كما يوجد فيها نصب الاستقلال أو كما يطلق عليها الأندونيسيين “النصب الوطني” وهو أحد النْصب التذكارية التي بنيت في عهد الرئيس الراحل سوكارنو ويمثل إرادة الشعب الإندونيسى في الحصول على الاستقلال والتي توجت بنيله الحرية كاملة عام 1945م ويرتفع هذا النصب لمسافة 137م وكسيت قمته بـ35 كجم من الذهب الخالص كما يوجد مصعد يأخذ الزوار إلى قمة النصب ويوجد بجانب النصب متحف تاريخي يحتوي على معروضات تاريخية ومساحة خضراء فسيحة..
سوق جالان
يحرص كل من يقصد جاكرتا للتنزه أو للعمل أو للدراسة على زيارة سوق جالان سورابايا الشعبي الذي تصطف على جانبيه الدكاكين لمسافة نحو كيلو متر ويحتوى على مجموعة كبيرة من الأكشاك التي تبيع التحف والمنحوتات الصخرية والخشبية والعديد من السلع التاريخية والشعبية التي تمثل الإرث الحضاري لسكان هذا البلد الشقيق وسوق جالان يعد واحد من الأسواق المشهورة على مستوى اندونيسيا وتضاهي شهرته شهرة شارع خان الخليلي بالقاهرة وعادة ما يتم اصطحاب المسئولين الأندونيسيين لأغلب الزوار والضيوف الرسميين لإندونيسيا في زيارات لهذا السوق الشعبي والتاريخي الجميل الذي كنت في حضرته صباح يوم وفي مساء اليوم التالي حرصت على زيارته وتناول وجبة العشاء في أحد مطاعمه الشعبية.
المتحف البحري
* كما سنحت لي الفرصة خلال الزيارة لجاكرتا زيارة العديد من الأماكن التاريخية والمواقع السياحية التي تجذب السياح من مختلف دول العالم فتثير اهتمامهم وتدهشهم لما تحتويه من معالم تاريخية وآثار وتحف وأوانُ وصناعات مزخرفة ومنتوجات شعبية رائعة ومن هذه الأماكن والمواقع المتحف البحري الذي يحكي تاريخ الحضارة الجاوية.. والذي قامت الحكومة الإندونيسية بإنشائه مؤخرا بهدف جعل المنطقة التي يتواجد فيها مزارا تاريخيا.. ومن المناطق التي جذبتني وأدهشتني منطقة أنشول في شمال جاكرتا وتوجد بها مارينا صغيرة ومن تلك المنطقة ينطلق الزوار على متن اليخوت والقوارب نحو الجزر القريبة منها للاستمتاع بمناظرها وهوائها العليل ومن أبرز ما يلفت الانتباه هناك الشاطئ الممتد على مساحة كبيرة وتنتشر فيه مسارح مفتوحة وأكشاك لبيع الأطعمة والمشروبات وكذلك بعض المعروضات والألبسة كما تعتبر المنطقة مكان مناسب وجميل لمراقبة الرسامين الذين يعملون بالهواء الطلق.