يحيى محمد جحاف
عندما تقف على شاطئ مدينة الحديدة وتنظر إلى حركة البحر بأمواجه المتلاطمة القادمة إليك من رحلتها الطويلة على شاطئه الرملي وكأنها تحمل الناظر لها حكايات تتبدد في آخر مرحلة في سيرها الطويل..
أما أرض تهامة التي حباها الله بالخير والبركة وجعل منها قوت الكثير من الناس في السهل والجبل والوادي حتى قيل عنها إنها سلة اليمن الغذائية، لقد سماها الآباء والأجداد بتهامة الجود ويعني بذلك الأرض بفلاحها وإنسانها الذي يحمل البساطة والإباء والكرم والجود بما يملك في الحياة ناهيك عن عاصمتها المتمثلة في مدينة الحديدة “عروس البحر الأحمر” التي تعتبر المتعة الحقيقية لكل قادم اليها من كل مناطق اليمن وخصوصا في بداية انتهاء الصيف ودخول الشتاء، فهذه الأيام كل ما يشاهده المرء جميل ابتداء من رؤية ساحل بحرها الواسع، المزين بتلك المباني والاستراحات ذات الأشكال الهندسية البديعة التي أعطته جمالا إضافيا، والتي دمر غالبيتها طيران العدوان السعودي الأمريكي التعيس، انه الحقد الدفين الذي لا يهمه سوى القضاء على كل شيء جميل في هذا البلد من منطلق الحقد والكراهية، هذه المباني ذات الطبيعة المدنية التي وجدت من أجل الانسان لغسل همومهم قبل غسل أجسادهم متنفسات تدفع بالناس للخروج من منازلهم نظرا لحرارة الشمس الملتهبة ، حيث تراهم يتقاطرون إلى المكان أفواجا، ،ناهيك عن الهواء العليل القادم مع تلك الأمواج المتسارعة الخطى إلى منتهاها، لتتبعثر على الرمال والصخور المصطنعة ،ناهيك عن سحر ليلها الجميل الهادئ، كهدوء ناسها الطيبين وبساطتهم في حياتهم المعيشية، البعيدة عن التكلف ،الأمر الذي تزداد معه حلاوة ومذاق الطعام والشراب فيها، كونها تحمل خصوصية متميزة عن الكثير من حياة المدن الأخرى ، الشيء الذي يجد القادم إلى هذه المدينة متعته الحقيقية المنشودة. من السفر، رغبة في البقاء طويلا..
وهنا كان لزاما علينا تغيير وجهتنا من المدينة إلى مكان آخر، لكن الجميل في الموضوع أن تتحرك متى شئت دون اعتبار للوقت، فكل العوامل المناخية تساعد على الحركة والانتقال في أية لحظة .
مديرية السخنة
قررنا الرحيل فجأة بعد المكوث ثلاثة أيام، وكانت وجهتنا هذه المرة نحو الاتجاه الجنوبي الشرقي وتحديدا نحو تلك المديرية السياحية التي ذاع صيتها منذ زمن بعيد، والمشهورة بالمياه الحارة( الكبريتية )، إنها مديرية (السخنة ) الواقعة على بعد 60كم تقريبا من مدينة الحديدة، والتي وجدنا الناس يأتون إليها من كل أنحاء البلاد، آخذين بالأسباب لعل الله يمنُّ عليهم بالشفاء من بعض الأمراض الجلدية والروماتيزم وأمراض العمود الفقري، وغيرها من الأمراض الأخرى، مدينة صغيرة متواضعة لكنها تحمل خصوصية متميزة عن غيرها من المدن والقرى التي مررنا بها، في مبانيها الأثرية وقلاعها العتيقة ،وجبالها المتفحمة التي تتوق أنفاسها إلى اهتمام الباحثين والمتخصصين، لمسح الغبار المتراكم على جسدها، من خلال الدراسة والبحث لمعرفة أسرار المكان بكل جوانبه المعرفية والتاريخية، فالطاغي على بناء المساكن (الياجور) الطوب الأحمر، وهي مادة تساعد على خلق جو معتدل صيفا وشتاء، والقلاع الحصينة المحيطة بالمدينة إذا صح التعبير، المبنية من الحجارة ولعلها تنتمي إلى حقب متفاوتة من التاريخ، وجميعها أصبحت اليوم بحاجة ماسة إلى إنقاذها من التهالك والانهيار والاختفاء من الوجود، نتيجة الإهمال من جانب، وعوامل التعرية ويد الإنسان من جانب آخر، لجهل الأخير ما تعنيه هذه الكنوز الثمينة، وبرغم بساطة المكان وافتقاره للخدمات الفندقية، إلا أننا وجدنا سعي الناس الحثيث لتوفير بعض ما يحتاجه الواصلون إلى المدينة، من طعام وشراب ومسكن متواضع.
تصوير/حامد فؤاد