دراسة وتحقيق الدكتور/ حمود عبدالله الأهنومي
عرض/ عبدالصمد أحمد الخولاني
صدر الكتاب في جزءين بطبعته الأولى 1443هـ 2021م ضم بين دفتيه (500) صفحة للجزء الأول من مقطع المتوسط والجزء الثاني 389 صحفة عن مركز شهارة للدراسات والبحوث طبع بمؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر.
قسّم المحقق الكتاب إلى بابين:
الباب الأول -قسم الدراسة- ويقع في ثلاثة فصول، تضمن الفصل الأول: أوضاع اليمن السياسية والاجتماعية والفكرية قبل مجيء الإمام الهادي إلى الحق، وتضمن الفصل الثاني: حياة الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الشخصية وجهوده العلمية والسياسية والعسكرية.
وتضمن الفصل الثاني: النص المحقق ثم الخاتمة تليها المحلقات ..وبعون الله نبدأ العرض:
الفصل الأول تناول فيه المحقق أوضاع اليمن العامة قبل مجيء الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، ومن خلال هذا الفصل وضح المحقق الأوضاع العامة التي كان عليها اليمن –آنذاك- وطبيعية الميدان الذي تحرك فيه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بكل تعقيداته وظروفه وعوامله المختلفة ومعرفة الفرص والتحديات التي تعامل معها.
أولا: الأوضاع السياسية والاجتماعية:
1 – أحوال الخلافة العباسية في حياة الإمام الهادي إلى الحق:
كانت ولادة الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين في 859م 245هـ آخرسني حكم الخليفة العباسي المتوكل الذي تولى الخلافة في 232هـ -247هـ 846 – 861م ويعتبره المؤرخون أول خلفاء العصر العباسي الثاني، وهو عصر الضعف بسبب هيمنة العناصر الأجنبية على مقام الخلافة والخلفاء، إذ هيمن في هذا العصر العنصر التركي على مجريات الأحداث وبات القادة الأتراك يتسلطون بشكل مرهق على أحوال الدولة وتصرفات الخلفاء.
وقد أشار الإمام الهادي إلى تسلطهم وتحكمهم في شؤون الخلافة وأنهم كانوا هم من يخطب على المنابر، فقال يخاطب بعض بني عمومته العلويين:
وكيف ترضون أن يُضحى ولائكم
تركا ويُدعى لهم بالرشد في الخطب
ولا يفوتنا هنا أن نذكر تشخيص الإمام الهادي إلى الحق في إحدى رسائله وضعية الخلافة العباسية، حيث تحدث فيها عن الأوضاع العامة من وجهة نظره مبينا تعامل ولاة العباسيين مع الرعية ووضعية الخلفاء وتسلط عبيدهم الأتراك عليهم فقال (ألستم ترون حكم الكتاب معطلا بينكم وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معدوم فيكم، ترتع أعداء الله في جني أموال المسلمين.. قد أمنوا من تغييركم عليهم ويئسوا من نكايتكم فيهم وبسطوا أيديهم عليكم وحكموا بحكم الشيطان (يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم) حرموهم فيئهم واصطفوا مع ذلك أموالهم وأجاعوا بطونهم وأعروا ظهرهم وأضاعوا سبيلهم وأخافوهم على أنفسهم .. يحتفون أموالهم ويقتلون رجالهم ويمنعوتهم النصف ويسومونهم الخسف.. قد جعلوا فيئهم بينهم دولا وأولادهم لهم خدما وخولا.. نهارهم دائبون في إخمال الهدى والحق وليلهم في التلذذ والطرب والفسق.. فراعنة جبارون، وأهل خيلاء فاسقون إن استرحموا لم يرحموا وإن استنصفوا لم ينصفوا وإن خوفوا لم يخافوا وإن قدروا لم يبقوا وإن حكموا لم يعدلوا وإن قالوا لم يصدقوا.. لا يذكرون المعاد ولا يرحمون العباد ولا يصلحون البلاد رافضون معطلون للنكاح مظهرون معتكفون على السفاح، المنكر بينهم ظاهر وأفعال قوم لوط أفعالهم، وأعمالهم في ذلك أعمالهم).
تلك هي الصورة العامة التي كانت عليها الخلافة العباسية أيام الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين .
2 – أوضاع اليمن السياسية والاجتماعية:
كانت الأوضاع السياسية والاجتماعية في العهد العباسي أوضاعا شبه مأساوية وشبه جاهلية، كذلك كانت السياسية بأطنابها في اليمن قبل مجيء الإمام الهادي، وظلت الطموحات القبلية هي السائدة في نزاعات القبائل وعلاقاتهم بالعباسيين، وكان شيوخ القبائل يحتفظون بقلاعهم ويفرضون سلطتهم على مناطق نفوذهم.
كانت العصبية القبلية والتشرذم الاجتماعي هي أشد الأمراض الاجتماعية فتكا بالقبائل اليمنية، wفكل قبيلة كانت تكوِّن كيانا مستقلا بذاته تتخندق حول هويتها القبلية الضيقة ضد القبائل الأخرى، كما اشتعلت العصبية العرقية.
وباختصار فإن الوضع السياسي والاجتماعي لليمن يتبين منه أن اليمن قبل مجيء الإمام الهادي كانت سياسيا واجتماعيا “شذر مذر” لا يجتمعون على حاكم واحد ولا تضم شتاتهم سلطة واحدة، بل كان لكل قبيلة رئيس يصِّرف شأنها ويتحكم في سلمها وحربها.
ثانيا: أوضاع اليمن الفكرية والمذهبية:
كان اليمن ملجأ الحركات المعارضة للسلطة العباسية بسبب بُعدها الجغرافي، بالإضافة إلى وعورة تضاريسها التي شكلت حماية طبيعية لزعماء تلك الحركات.
ومن ابرز تلك الحركات:
1- الشيعة: وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وأهل بيته، وقد ارتبط اليمنيون بأهل البيت منذ بدايات الإسلام الأولى وتحديدا منذ أن أسلمت همدان.
الزيدية والتشيع العام: وتنسب الزيدية إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
ب- الإسماعيلية والقرامطة: وتنسب الإسماعيلية إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق، والقرامطة فرع من الإسماعيلية.
3- الخوارج الأباظية الغزارية، وهم الفرقة التي خرجت على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
4- المعتزلة: وهي فرقة تتفق مع الزيدية في الأصول الخمسة، وهذا يبين لنا أن وضعية اليمن السياسية والاجتماعية كانت متشرذمة ومتفرقة بين عدد من القوى السياسية والاجتماعية ومن أهمهم ولاة العباسيين واليعفريين وينو طريق وبعض القوى الاجتماعية الفاعلة، وأنها كانت تعيش صراعا مستمرا فيما بينها.
كما ساهم التفرع الفكري والمذهبي في مزيد من التشرذم والتمزق حيث عرف اليمن كثيرا من الحركات الفكرية والمذهبية ومنها المذاهب السُنِّية والشيعية والخوارج والمعتزلة.
الفصل الثاني: تناول المحقق في هذا الفصل التعرف على الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين وجهوده العلمية والفكرية والسياسية والعسكرية، باعتباره محور أحداث هذا السيرة.
أولا: حياته الشخصية:
-أسرته: هو أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
جده الإمام القاسم الرسي (سمى بنجم آل الرسول) وأبوه الحسين بن القاسم أحد تلاميذه الإمام القاسم والراوي عنه وصف بالإمام الكبير والعالم والحافظ.
– ولادته ونشأته: ولد الهادي في الرس بالقرب من المدينة المنورة سنة 245هـ 859م وفيها نشأ .
– تزوج الهادي ابنة عمه فاطمة بنت الحسن بن القاسم وانجبت له ولدان وبنتان هم محمد المرتضى وأحمد الناصر وزينب وفاطمة.
– أوصافه الخَلقية والخُلقية: تمتع الهادي بصفات خَلقية وخُلقية متنوعة وخلال متعددة وكان بها كاملا في الرجال معدودا في العظماء.
منحه الله ذكاء فطرياً وقوة جسمانية، وكان شجاعا لا يرهب الموت ويطرب للقاء الأقران.
وكان مع تلك الشجاعة الفائقة حليما رفيقا لا يلجا للقتال والحرب إلا بعد استنفاد وسائل السلم وإذا غلب وقدر عفا وتغاضى.
ويضيف المحقق أنه كان صريحا في خصومته لا يعرف الخداع والمكر ولا يطيقه.
لقد كان يهمه أن ينتصر في ميدان الأخلاق قبل أن ينتصر في ساحات المعارك، وكانت المبدئية من أهم صفاته وخلاله لا ينازل عنها حتى في أحلك المواقف وأسوأ الحالات، ذلك أنه كان ينطلق من الشعور بالمسؤولية تجاه إصلاح الأمة أو استصلاح أفرادها، ولهذا كان في حله وترحاله يبكى كما تبكي الثكلى على أحوال أهل الإسلام والأمة وما أصابهما.
كان كثير الفكر في صلاح الأمة مظهراً للشفقة عليهم والرأفة بهم، لا يفتأ عن عظتهم وإرشادهم وأمرهم بطاعة الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
كان صاحب مشروع إصلاحي عادل ينحاز للإنسان وينتصر لقضاياه وينطلق من رؤية تنويرية تعتمد الإسلام وتعليماته أساسا للتحرك، لهذا كان رجل دولة وقائد أمة وهاديا إلى الخير، توفرت فيه قدرات قيادة فذة وهمة عالية وطموح لا حدود له.
وكان زعيما جماهيريا ذا قدرات خطابية مؤثرة يلهب حماس الجماهير ويستثير بكلماته لوعتهم ويحرك بخطاباته عواطفهم فإذا بالمحاربين القساة والمقاتلين المتخاصمين الأشداء يبكون لوقع كلماته ويضجون لسماع مواعظه.
ويسرد المحقق قائلا: كل ذلك وهو في حالة من الانقطاع إلى الله وتعبيد النفس لله والزهد والورع والتواضع والبساطة والوضوح، وقد وصفه علي بن بلال فقال: كان إماما سابقا فاضلا فقيها عالما بكتاب الله وسنة نبية صلى الله عليه وآله وسلم عاملا بهما غير عادل عنهما إلى غيرهما، ورعا دينا زاهدا ناصحا جواداً سخيا كريما مبُرزاً في جميع الخصال المحمودة المقربة إلى الله جل جلاله.
– وفاته: توفى الإمام الهادي عليه السلام في صعدة يوم الأحد لعشر بقين من ذي الحجة298هـ 18 أغسطس 911م عن 53 عاماً.
ثانياً: جهوده العلمية:
أقبل الهادي على طلب العلم والدرس وواظب على النظر في الفقه.
– نشاطه العلمي: كان الإمام الهادي كثيراً ما يبحث عن طلاب العلم لإفادتهم وكان له تلامذة درسوا على يديه ليس من اليسير حصرهم، وقد ذكر المحقق منهم 29 تلميذاً ومنهم العلماء الربانيون الذين نشروا العلم والفكر في كثير من البلدان.
– نتاجه العلمي والأدبي:
لقد كتب الكثير من المؤلفات رغم أنه كان مؤسس دولة ومدبر أمرها وقائد جيشها، ومؤلفاته في كثير من المجالات منها:
أ- علوم القرآن.
– كتاب تفسير القرآن- ستة أجزاء .
– كتاب معاني القرآن- تسعة أجزاء.
ب- أصول الدين.
– كتاب التوحيد.
– كتاب المسترشد في أصول الدين.
– كتاب الرد على أهل الزيغ من المشبهين.
-كتاب الإدارة والمشيئة.
-كتاب الرد على الحسن بن محمد الحنفية.
– كتاب تفسير خطايا الأنبياء.
– كتاب مسائل الحسين.
– كتاب بوار القرامطة.
– كتاب أصول الدين.
– كتاب الإمامة وإثبات النبوة والوصية.
– كتاب الرد على الإمامية.
– كتاب الرد على أهل صنعاء.
– كتاب الرد على سليمان بن جرير.
– كتاب البالغ المدرك.
– كتاب المنزلة بين المنزلتين.
– كتاب الجملة.
– كتاب الديانة.
– كتاب فيه معرفة الله من العدل والتوحيد.
وقد ذكر المحقق 55 كتابا للإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين.
ثالثاً: جهوده الفكرية والعقائدية:
انطلق الهادي من الفكر الزيدي، ولما سُئل عن تعريف الزيدي من هو؟ أجاب: هو من اقتدى بزيد بن علي وأتم به في أفعاله من القول بتوحيد الله وعدله وتصديق وعده ووعيده ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجريد السيوف على من عَنَدَ عن دين الله فمن قال بذلك وكان في أمره كذلك ودعا إلى الله عز وجل وإلى جهاد أعداء الله وقام بفرائض الله وانتهى عن محارم الله فهو الزيدي المهتدي المؤمن التقي.
رابعاً: جهوده السياسة والإدارية:
شخص الهادي واقع الأمة تشخيصاً دقيقاً واطلع على الخلل الذي أصابها والظلم الذي كانت ترزح تحته فرأى أن الواجب الشرعي يفرض عليه تغيير ذلك الواقع.
– خروجه الأول إلى اليمن : خرج الهادي إلى اليمن خرجته الأولى سنة 280هـ.
-خروجه الثاني إلى اليمن: وصل الهادي صعده في 6 صفر 284 هـ 896م برفقة خمسين رجلاً فقط وكان أهم أهدافه هو إصلاح واقع ا لأمة وإقامة الدولة العادلة التي تكرم الإنسان وتعينه على أن يعيش في مجتمع الإسلام الفاضل.
إنجازاته السياسية والإدارية:
أقام الدولة العادلة وعاصمتها صعدة واتبع نظاماً صارماً في اختيار الولاة على الخلق، وأنشأ جهازاً ونظاماً قضائياً فاعلاً وعادلا قويا واهتم بالزكاة اهتماما بالغا.
ونعمت البلاد التي كانت تحت حكمه بالأمن وقضى على ظاهرة التقطع والحرابة وعمل على تنفيذ الشريعة الإسلامية السمحة وإمضاء أحكامها.
خامساً: جهوده الجهادية والعسكرية:
لم يكن الإمام الهادي يحبذ خوض المعارك العسكرية مع خصومه إلا اضطراراً، وقد نشب الصراع مع بني الحارث بن كعب، وكذلك حروبه مع القرامطة.
الفصل الثالث: السيرة ومؤلفها:
أولاً: ترجمة مؤلف سيرة الهادي إلى الحق ولا يتسع المجال لذكرها هنا.
ثانياً: سيرة الهادي إلى الحق:
مكونات المخطوط المشتمل على السيرة: ذكر المحقق أن المخطوط يتكون من مكونات عديدة المكون الرئيس فيها هو نص سيرة العلوي، وأضيفت إليه لاحقاً مكونات أخرى، وهي على هذا الترتيب:
أولاً: ملخص لبعض الأحداث التي مر بها الإمام الهادي بدأ من استدعائه من بعض القبائل اليمنية انتهاء بأحداث سنتي 288هـ – 289هـ – 900- 901م واستيلائه على صنعاء.
ثانياً: سيرة العلوي، وهي معظم الخطوط.
ثالثاً: رواية أخذت من المخطوط بدأت بـ “روى أصحاب الهادي إلى الحق أن آخر حروبه كانت بوادي نجران وأنه كان عليلاً وتحدثت عن هزيمة أصحابه في نجران.
رابعاً: وصف مختصر لسيرة الهادي.
خامساً: ملحق تاريخي، وهو ملحق هام جداً يتحدث باختصار شديد عن أحداث وحوادث وقعت في صعدة وصنعاء وتهامة وذمار ومذيخرة بدءاً من عام 291هـ 903هـ.
بعد ذلك قام المحقق بشرح معنى السيرة ومنهجها وخطوط التحقيق فيها، ثم سرد الأحداث التي وقعت حسب التاريخ المتسلسل لها، ثم مصادرها فالخاتمة والملحقات.