الثورة / جمال الظاهري
تعز المدينة التي لطالما تباهت بمدينتها، وعاشت الحلم حتى أنها سميت بالحالمة، تستفيق على كابوس قضى على مكتسباتها الثقافية والمدنية وقتل حلمها بأن تكون النموذج الذي يجب أن يُبنى عليه في صناعة الدولة اليمنية الحديثة التي تذوب فيها كل الانتماءات القبلية والمذهبية والحزبية والمناطقية ويلتقي فيها كل أبناء اليمن.
لقد شهدت مدينة تعز وعلى مدار الأيام الماضية موجات من المواجهات المسلحة بين الفصائل المليشاوية التي تسيطر عليها, فيما يعيش المواطنون حالات من الهلع والخوف المتتالية التي غالباً ما ينتج عنها موجات من النزوح إلى المحافظات الأخرى.
القيادات المليشاوية الفاسدة التي تنتحل الصفة الرسمية، وبعد أن كانت تكتفي بالدور الذي تقوم به مجاميعها من القتلة وخريجي السجون في إرهاب ونهب وقتل أي معارض، دخلت على خط استثمار الفوضى وأطلقت لتشكيلاتها العنان لتقوم بذات الدور وفوق هذا منحتها حصانة وغطاء سياسياً وعسكرياً وصارت تعتاش من استمرار الجريمة وتغييب مؤسسات الدولة.
الأنباء الواردة من تعز تقول إن سلطات المليشيات الأمنية والعسكرية التابعة لما تسمى بالشرعية، تمارس أبشع الانتهاكات، وتذل الآخرين، وتنتهك الحقوق وتمنع المساءلة والتحقيق مع القتلة والمجرمين، وحتى الاتهام للأفراد والجماعات وتلاحق من يشتكي أو يشير إليهم.. بل ووصل بها الأمر إلى اقتحام المؤسسات الخاضعة لسيطرتها، بحجة أنها لا تدعم عناصرها من حزب الإصلاح(الإخوان).
هذا السلوك ومع ارتفاع وتيرة البطش دفع ببعض الأحزاب اليسارية التي دارت في فلك الإخوان إلى استهجان مليشيات الإخوان وإقدامها على إغلاق عدد من المنشآت العامة ونهب الأراضي واقتحام البيوت والاعتقال والإخفاء القسري للعديد من النشطاء والصحفيين.
الأهالي يتهمون قيادات المليشيات الإخوانية التابعة للإصلاح بالوقوف وراء الفوضى التي تعيشها المناطق الخاضعة لسيطرة (الإخوان) حيث تنتشر تشكيلاتها المدججة بالسلاح في الأحياء والشوارع، وتبطش بالناس في وضح النهار.
صحيح أن ما تمر به المناطق التي تخضع للشرعية في تعز، لا يختلف عن بقية المناطق والمحافظات التي تسيطر عليها ما تسمى بالشرعية, إلا أن مناطق تعز تعيش أسوأها، حيث تستفرد بها جماعة الإخوان وجعلت منها ملاذا للمجرمين المحليين وآخرين من جنسيات مختلفة وجدت فيهم ضالتها وتمارس من خلالهم الإرهاب على المواطنين.
بالأمس القريب وتحت وطأة الظلم والإحساس بالقهر والخديعة، خرجت الحشود من أبناء تعز في مسيرة حاشدة وغاضبة وطالبوا في بيان للمسيرة التي دعت لها الحركة الشعبية لإنقاذ تعز (يكفي) بوقف الانتهاكات ومحاسبة الفاسدين وإقالة كافة القيادات المليشاوية الفاسدة والمنتهكة لحقوق الإنسان وتمنح المجرمين غطاء حماية وتمكنهم من مقدرات الشعب العسكرية والتي بها يتم تدمير المدينة والاعتداء على المواطنين وحقوقهم.
وطالبوا بسرعة استبدال المليشيات بكفاءات مهنية ووطنية نزيهة.
وطالب البيان بسرعة القبض على مرتكبي جرائم القتل والنهب المطلوبين أمنيا وتقديمهم للعدالة, وطالب بالكشف عن نتائج جرائم المقابر الجماعية المكتشفة قبل عامين والكشف عن ضحاياها والمتسببين بالجريمة وإيصالهم للعدالة وإجراء محاكمة عادلة وعلنية وشفافة, وبالكشف عن مصير المخفيين قسرًا وإطلاق سراحهم، وجبر ضررهم، وإغلاق السجون السرية.
وشدد البيان على ضرورة منع المليشيات المسلحة من التدخل في مهام السلطة المحلية وتجريم أي ممارسات يراد منها تحصيل موارد المحافظة، وسرعة إخلاء المنشآت العامة والخاصة من العناصر المليشاوية وإخراجها من المناطق الآهلة بالسكان.
كما دعا إلى سداد الرواتب ووضع تدابير مؤسسية جادة لمعالجة الجرحى وإعادة تأهيل المستشفيات الحكومية.
كما كان من الواضح ومن خلال الغضب الجماهيري ومن خلال الهتافات والشعارات التي رُفعت أن تعز (المدينة) تعاني أسوأ الأوضاع مقارنة ببقية مناطق المحافظة بريفها ومدنها الثانوية, وأنها صارت وكراً للعصابات والتنظيمات التكفيرية المتعددة الولاءات لشخصيات محلية ولتنظيمات ودول أجنبية طامعة في موقع المحافظة المتميز التي تعمل على أن يكون لها موطئ قدم فيها لما تتميز به من موقع استراتيجي قد يخدم طموحاتها ويعزز من حضورها في الملفات الساخنة التي تعصف بالإقليم والمنطقة العربية بشكل خاص.
بالمجمل النتيجة كارثية وتخبر عن نفسها في كل شارع وحي وزقاق وعند سقوط القتلى أو اكتشاف جثة مرمية بجانب برميل القمامة أو في أحد الشوارع أو في مجرى إحدى سوائلها أو حين يختفي قريب أو صديق ولا يُعرف مكانه أو مصيره.
صورة أخرى تخبر عن واقع الحال.. مدارس ومعاهد تحولت إلى ثكنات عسكرية أو سجون يتحكم بها أحداث ومجرمون وعصابات يعملون في وضح النهار وسلطات وأجهزة متعددة بزي رسمي تنتهك القانون وتفرض الأتاوات وتتستر على المجرم وتتدخل وتمنع السلطات القضائية من أداء دورها فيزداد الجرم ويتسع الرقع؟!
النقاط تملأ الشوارع، ليس لإرساء الأمن، ولكن لإخضاع الناس وإرهابهم واستنزاف مدخراتهم.
النشاط وإن كان لا يزال له حضور، إلا أنه يجب على من يريد الانتقال بين الأحياء وداخل نفس الحي أن يتفقد هويته في كل خطوة كي يبرزها عند كل حاجز ونقطة.
الكثير من أبناء تعز غادروها تاركين منازلهم للريح، بحثاً عن الأمان، لأن البقاء والعيش في ظل تلك العصابات أشبه بالمغامرة والعيش في الأدغال الأفريقية, على حد وصف أحدهم.
السلوك الإجرامي
المجرمون في تعز غير كل مجرمي الدنيا، لديهم حصانة ويمثلون سلطة أمر واقع في ظل وجود سلطات تسمي نفسها رسمية وشرعية, سلاحهم من مخازن الجيش والأمن وأصدقاؤهم كبار المسؤولين والضباط ورفقاؤهم في الاستجمام من أبناء الشخصيات الاجتماعية والتجار ويتعاملون مع المصارف الحكومية ويفتحون حسابات مع بنوك محلية وأجنبية ووسيلة مواصلتهم أحدث الأطقم العسكرية وأرقام تلفوناتهم مخزنة لدى أهم الشخصيات والقيادات الحزبية.
هذه هي تعز التي صادروا حلمها, ها هي كل زاوية وجدار وشارع وحي ومدينة يحكي قصتها التي وإن كانت تدمي القلب، إلا أنها تمثل (حدوتة) صغيرة في صفحات رواية تعز التي بدورها تمثل أحد فصول الرواية اليمنية.
لقد أراد الإخوان لتعز أن تقاتل أحلامها من أجل إفساح المجال لأحلام الغريب, ويتجلى هذا في غضب وردة فعل ناشطي وكوادر جماعة الإخوان في تعز، وكذا ما نشرته مطابخهم الإعلامية في محاولة منهم للتغطية على المسيرات التي تخرج بين الحين والآخر وزادت وتيرتها في الآونة الأخيرة في المدينة، وخوفاً من أن يؤدي ذلك إلى ثورة شاملة تقتلعهم وتنهي كنتوناتهم الخاصة في تعز.