يُعد قاع جهران – الممتد من أسفل نقيل يسلح شمالا إلى منطقة عيشان جنوبا والذي يقع ضمن النطاق الجغرافي لمديرية جهران التي تتبع إداريا محافظة ذمار- يعد من القيعان الزراعية الخصيبة على المستوى الوطني ، منذ سنوات خلت وحتى اليوم ، حيث يمتاز هذا القاع بأراضيه الزراعية الواسعة وتربته الخصبة التي تسهم كثيرا في عملية تنوع وجودة المحاصيل الزراعية التي يزرعها ويجود بها وتصل خيراتها إلى مختلف محافظات الجمهورية ، علاوة على ما يتم تصديره إلى الخارج..
هذا القاع الزراعي الخصيب بات يعرف بسلة الغذاء التي ترفد السوق المحلية بالكثير من الأصناف المختلفة من الحبوب والخضروات والفواكه على مدار فصول السنة ، وخصوصا مع اتجاه العديد من المزارعين فيه نحو التوسع في نشاطهم الزراعي من خلال إدخال تقنية البيوت المحمية التي تعتمد على طريقة الري بالتقطير عبر منظومات الطاقة الشمسية ،وهو ما أسهم في تراجع كلفة الإنتاج الزراعي بشكل كبير انعكس أثره على المزارعين وحالتهم المادية وأوضاعهم المعيشية ..
هذا القاع المنبسط برقعته الزراعية الهائلة يعد من المناطق المهيأة لزراعة القمح بكميات من شأنها تغطية نسبة لا بأس بها من حاجة السوق المحلية ، لهذه السلعة التي تستنزف عملية استيرادها من الخارج نسبة كبيرة من العملة الصعبة ، وسيكون للحد منها أثره الإيجابي على الاقتصاد الوطني والعملة المحلية ، خصوصا في ظل وجود نسبة كبيرة من الأراضي غير المستصلحة زراعيا والتي سيكون لاستغلالها بزراعة القمح أثره الملموس في هذا الجانب ، والحد من الأضرار والتداعيات الكارثية للعدوان والحصار على القطاع الزراعي خاصة والاقتصادي عامة ، بالإضافة إلى تهيئته لزراعة بقية المحاصيل النقدية الأخرى التي لا تقل أهمية عن القمح ، والتي أثبتت التجارب الزراعية في هذا القاع نجاح زراعتها فيه وبجودة عالية ، وهو ما يفتح آفاقاً واسعة للمزارعين للتوسع في نشاطهم الزراعي من خلال إدخال زراعة أصناف جديدة تدر عليهم عائدات وفوائد مادية كثيرة ..
وقد ساعدت ميزة وفرة المياه في هذا القاع على تشجيع النشاط الزراعي فيه ، و الذي يعتمد غالبية سكانه عليه كمصدر رئيسي للدخل على امتداد الأجيال المتعاقبة ، إلا أن هنالك الكثير من المخاطر التي تتهدد هذا القاع الواسع وتشكل مؤشرا خطيرا ينذر بتراجع النشاط الزراعي فيه وفي مقدمة ذلك الزحف العمراني على الأراضي الزراعية الواقعة في قلب هذا الوادي ، خصوصا في ظل قيام الجهات المعنية بالتخطيط العمراني بإنزال مخططات فيها ، علاوة على الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية من خلال الحفر العشوائي للآبار الزراعية والاعتماد على طرق الري التقليدية وعدم وجود سدود وحواجز وكرفانات تسهم في تغذية الحوض المائي المهدد بالجفاف والذي يتعرض لانشقاقات أخدودية كبيرة جراء نضوب المياه في طبقات الأرض ، وما زاد الطين بلة آفة القات التي باتت أشجارها تغطي مساحات هائلة من أراضي هذا القاع الخصيب ، في ظل الربحية الهائلة والمضمونة التي تعود على المزارعين من زراعتها ، إضافة إلى عدم توفر الدعم والإسناد للمزارعين من قبل الجهات المختصة في الحكومات السابقة ، ومحاربتها الزراعة والمزارعين من خلال غياب الرؤية الاقتصادية التي من شأنها تنظيم عملية تسويق المنتجات الزراعية ، وذهابها نحو فتح باب استيراد الحبوب والخضروات والفواكه من الخارج والذي يعد بمثابة إعلان حرب على الزراعة والمزارعين ،وهي تحديات خطيرة تتهدد هذا القاع الزراعي الخصيب خاصة وأغلب القيعان الزراعية عامة ، ومن أجل التغلب عليها ينبغي القيام بجملة من التدخلات والمعالجات الناجعة ، إذا ما أردنا أن يكون لهذا القاع الخصيب الإسهام الفاعل في تحقيق النهضة الزراعية المنشودة ، التي تمكننا من معانقة حلم الاكتفاء الذاتي في الجانب الزراعي على الأقل ، كترجمة عملية واقعية ملموسة الأثر لتوجهات القيادة الثورية والسياسية الحكيمة التي تصب في الجانب الزراعي ، وتجسيد ميداني لمضامين الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة ذات الصلة .