منذ ما يزيد عن نصف قرن لم تتمكن اليمن على امتداد الأنظمة المتعاقبة من بناء منظومة تنموية متينة، وظل الجانبان الاقتصادي والزراعي في اليمن يعانيان من اختلالات بنيوية وهيكلية متأثرين بثلاثية الفساد والنزاعات المختلفة على الموارد، والعقلية التي كانت تدار بها البلد وانعكاساتها على وعي الشعب وثقافته، واعتماده على الوظيفة العامة وهبات الخارج، وعزفه عن مقومات الحياة الطبيعية ومواردها.
الثورة / فؤاد الجنيد
ومع بداية العدوان الهمجي الغاشم على بلد يقبع في ذيل قائمة الدول النامية في أحسن الأحوال، وفي جغرافيا يطوقها الحصار من الجهات الأربع، و تظللها سحب دخان القصف والدمار، واستهداف كل أبجديات البنية التحتية، ومقومات الحياة الاقتصادية، تعمقت معاناة هذا الشعب المظلوم والممتدة منذ عقود، بفعل سياسة الأنظمة السابقة الفاشلة البعيدة عن أي منهجيات حقيقية، والتي ارتهنت لعطاء الخارج، ووأدت روحية الإنتاج الداخلي، رغم بروزها في فترات ماضية، لكنها لم تر النور، مع بروز تضليل ممنهج للوعي والفكر، ببعديه السياسي والاقتصادي، وانعكاسه على السلوك الذاتي للمجتمعات، وعزوف الإنسان اليمني عن هويته الوطنية وموروثه الثقافي والاجتماعي، فاختفت كليا مظاهر الاكتفاء الذاتي وملامح الإنتاج المحلي، وقطعت أوصال المشاركة المجتمعية والاقتصاد المجتمعي، وزادت مظاهر الطوابير الطولية أمام المنظمات الاغاثية، ومؤسسات التدخلات الطارئة، فدفع الشعب الثمن باهضا مع أول عدوان قطع حبله السري وفصله عن الخارج.
اجتراح المعجزات
لم تكن القيادة الثورية والسياسية بمعزل عما يجري، ولم تكن غائبة عن اجتراح المعجزات وإيجاد البدائل على ضوء الأحداث التاريخية الماضية، والأحداث الحالية بشقيها السياسي والاقتصادي، فدعت ونادت مراراً وتكراراً بضرورة العمل وفق منهجية جديدة ينفخ في روحها من هدى الله الواسع والعميق، وتستلهم مشوارها العملي من الدروس المستفادة التي أثقلت كاهل عقود مضت، وتصنع مستقبلاً تنموياً جديداً على مداميك الشراكة المجتمعية وتزكية العقول بالوعي الصحيح، وتنظيف أوكار الثقافات المغلوطة التي عشعشت على ألباب الأجيال، وتحويل التحديات إلى فرص، والإغاثة إلى تمكين، وصولاً لاكتفاءٍ ذاتيٍ يضمن الاستقلال والسيادة، ويؤسس لتنمية مستدامة تستثمر الإنسان وبيئته وموارده المتاحة وفق هدى الله تعالى ومشارب التعليم المحصن، والتخطيط المثمر.
من هنا جاءت مؤسسة بنيان التنموية لتشكل انطلاقة وطنية حقيقية تمثل خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بكل قطاعاتها، في مسار التطور والمواكبة والتحديث صوب تحقيق الحياة الكريمة والمنتجة لكل أفراد المجتمع اليمني، والمضي قدمًا نحو تحقيق الأهداف التنموية المستدامة، وفق خطط دقيقة تم خلالها مراجعة وتقييم السياسات والبرامج الماضية والقائمة، وتحديد نقاط القوة ومكامن الضعف، واستخلاص الدروس، واستشراف الآفاق التنموية وفرص النمو المستقبلية، تجسيداً لرؤية القيادة الثورية والسياسية وتوجهات الحكومة في تنفيذ الأجندة الوطنية للإصلاحات والتي تركز على مواصلة مسيرة البناء وتعزيز اللامركزية وتوسيع المشاركة الشعبية في التنمية المحلية.
رسالة
لقد كانت رسالة مؤسسة بنيان واضحة الأهداف وعميقة في بعدها الفكري المستند كلياً إلى هدى الله تعالى، فشقت طريقها في صناعة تنمية متكاملة بتخطيط تكاملي في ثلاثة أبعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية ترشف عبق التنمية من هدى الله، وترسخ مخرجات ثورة المفاهيم القرآنية في تهذيب وتأسيس مجتمع واعِ ومتماسك يعتز بهويته وأصالة قيمه، قادر على حشد طاقاته وقدراته، واستغلال موارده الطبيعية والبشرية بكفاءة، من أجل تحفيز التنمية المحلية المستدامة، وبما يدعم تعزيز الاكتفاء الذاتي والتمتع بالعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة، فأطلقت طاقات النمو في القطاعات الواعدة، وفي إطار من الواقعية والطموح حشدت إمكانات الاقتصاد المجتمعي لتحقيق نمو اقتصادي يستهدف الحد من الفقر وتحرير الفئات الفقيرة من العوز والحاجة عبر رؤية شاملة لآليات وسبل معالجة الفقر والتخفيف من آثاره باعتباره ظاهرة اقتصادية واجتماعية هيكلية، معتمدة في سبيل ذلك على سلسلة القيمة القائمة على المدخلات والإنتاج والتوزيع والاستهلاك.
تدريب وتمكين
وترجمة لرسالة مؤسسة بنيان التنموية جاءت أكاديمية بنيان للتدريب والتأهيل لتقدم برامج نوعيه يتطلبها سوق العمل ويحتاجها المجتمع اليمني في خط الجودة الشاملة والتميز، وهذا أسهم بدرجة كبيرة في رفع مكانتها بين مؤسسات التدريب المحلية، حيث تعمل بخطة استراتيجية تهدف إلى بناء واقع تدريبيي متميز من خلال حقائب تدريب جاءت كنتاج تجارب ميدانية قام بها فريق ميداني من المؤسسة وهي تعالج الإشكاليات الميدانية ولديها وفريق التدريب المتمكن الذي يحمل الوعي والبصيرة والمعرفة ، وبيئة التدريب التي تواكب التطورات والمتغيرات ، ونوع الاستشارات والتدخلات التي تقوم بها لمعالجة الواقع العام في القطاع العام والخاص والمشاركة مع أبناء المجتمع للوصول إلى الوعي والبصيرة في معظم المسائل التنموية والإدارية والمالية والاجتماعية ، فضلا عن سياسة تقديم خدمات للمجتمع وعدم البحث عن المردود المادي والربح السريع الذي يعتبر سمة رئيسية لدى الكثير من مؤسسات التدريب المحلية، كما تتميز بتنفيذ برامج على مستوى الوطن في أكثر من خمس عشرة محافظة وهو برنامج (فرسان التنمية) الذي يصقل مهارات أبناء شعبنا اليمني في الجوانب التنموية والإدارية والمالية والاجتماعية والاقتصادية على منهجية هدى الله تعالى لتحريك المجتمعات لاستثمار إمكاناتها وطاقتها لبناء واقع جديد في بلادنا قائم على المشاركة المجتمعية والمبادرات من أبناء المجتمع للوصول إلى تحقيق تنمية محلية ذاتية، وقد تم تنفيذ العديد من هذه الدورات الأخرى كـ (( الرائد التنموي، الجمعيات، الباحثون بأسلوب البحث السريع بالمشاركة))، والبرامج مستمرة حتى الآن.
برنامج “فرسان التنمية”
كما يعتبر برنامج “فرسان التنمية” الشرارة الأولى لانطلاق التنمية المحلية المستدامة القائمة على هدى الله، والجرس الأول الذي كسر حاجز الصمت واستهدف فكر العقول بنهج قرآني لا تغيره الظروف، ويهدف إلى اكتشاف المهارات لدى أفراد المجتمع، واكتشاف الموارد المحلية واستغلالها بما يخفف معاناة المجتمع، إلى جانب تفعيل القدرات والموارد التي يمتلكها المجتمع بمنهجية (أعينوني بقوة) المستخلصة من قصة ذي القرنين.
ويمر برنامج فرسان التنمية بعدة مراحل منها: التوعية المجتمعية داخل المحافظات والمديريات والعزل والقرى، واكتشاف الكوادر المحبة للعمل مع المجتمع، ومن ثم التدريب الميداني للكوادر المتطوعة للعمل مع الناس، ومن خلال التدريب يتم اكتشاف القدرات والمهارات وتنميتها، واكتشاف الموارد الموجودة في المجتمعات وكيفية استغلالها، واكتشاف الصعوبات التي تعيق استغلال الموارد المجتمعية وايجاد الحلول لها ومن ثم إطلاق المبادرات المجتمعية التي تخدم كافة شرائح المجتمع، وتخفف من معاناتهم. بعد ذلك تأتي مرحلة تشكيل المجتمع في أطر مجتمعية، مثل (بيوت المبادرات، غرف طوارئ، مجالس تنموية) ومن هذه الأطر تنطلق الثورة الواسعة في التنمية المحلية.
البحث السريع بالمشاركة
برنامج الدراسات والبحوث في أكاديمية بنيان هو برنامج يسعى إلى تدريب وإعداد باحثين محليين من أبناء المجتمع المبادرين والمخلصين المحسنين الذين لهم الشغف في خدمة بلادهم والتحرر من الاتكالية والاعتماد على فتات المنظمات، وذلك من خلال اكسابهم المهارات البحثية التي تجعلهم قادرين على إعداد دراسات اجتماعية اقتصادية، يتم من خلالها يتم تحديد المشاكل والفرص بدءاً بما يحتاجه الناس، إلى جانب قدرتهم على إعداد الخطط على ضوء نتائج الدراسات ليقوموا بتنفيذها هم ومن معهم من المبادرين بالمشاركة المجتمعية دون الركون أو الرجوع إلى المنظمات.
آلية التدريب
يتم تدريب الباحثين تدريباً نظرياً خلال فترة من 12 – 15 يوماً، خلالها يتم إكسابهم مهارات البحث ابتداءً من الأسس والمفاهيم، وانتهاءً بكيفية كتابة التقرير الخاص بالدراسة، وهذا التدريب يكون حافلاً بجميع الأنشطة والأساليب والوسائل المشوقة للتدريب. كما يتم اكساب الباحثين مهارات تطبيقية ذات صلة بالدراسات والبحوث كـ: مهارات الورد والاكسل والباوربوينت، إضافةً إلى مهارات ال جي آي إس الذي يمكِّن المتدرب أو الباحث من تحديد خريطة المنطقة التي يريد النزول إليها سواءً كانت مديرية أو عزلة أو غيرها، وكيفية الاستفادة منها كمصدر ثانوي.
ينتقل بعدها التدريب إلى التطبيق العملي في الميدان، حيث يقوم الباحث بتطبيق كل ما تلقاه في التدريب النظري في الواقع العملي، ثم يعود لكتابة التقرير لتلك الدراسة، وتتم مناقشتها وتحديد الفجوات وتقديم التغذية الراجعة المناسبة، ولا يتوقف التدريب عند هذا الحد، بل يتم تدريب الباحثين على سلاسل القيمة، ودراسة الجدوى الاقتصادية المبنية على سلاسل القيمة، وهناك مسار آخر يتم فيه تدريب المتخصصين، من خلال إعداد برنامج يتلاءم مع تخصصاتهم، فمثلاً التخصصان في النباتات والثروة الحيوانية يتم تدريبهم على الأجهزة المخبرية ووقاية النباتات والبصمة الوراثية وغيرها، وهكذا الحال في باقي التخصصات.
الجمعيات
يأتي دور الجمعيات كدور بارز ومهم ركزت عليه موجهات القيادة الثورية، وتعمل الأكاديمية على تدريب قادة الجمعيات وتنويرهم بما يحتاجون من مهارات، إلى جانب تدريب مدربين على أرقى مستوى، يتم اختيارهم من مؤسسة بنيان التنموية، ومهمتهم النزول الميداني لتدريب الجمعيات وتوعية المجتمع بأهمية الجمعيات وأثرها البالغ في صناعة التنمية المحلية المستدامة.
المهاجر التنموي
وفيه يتم اختيار متطوعين من المجتمعات وفق شروط مرجعية دقيقة في اختيار المدخلات، ومن ثم يتم تدريبهم في برنامج واسع، ليعودوا ممارسين ومدربين في مجتمعاتهم، والتنقل أيضاً بين المجتمعات الأخرى للتوعية والتدريب.
الثورة الزراعية
بالشراكة مع اللجنة الزراعية والسمكية العليا أخذت مؤسسة بنيان التنموية على عاتقها مسؤولية المساهمة الفاعلة في إنجاح الثورة الزراعية، تلك البوابة الحقيقية نحو الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، ونفذت عبر أكاديمية بنيان للتدريب والتأهيل حتى نهاية النصف الأول من العام الحالي 2021م، عدداً كبيراً من الدورات الصفية (داخل الأكاديمية)، والدورات الميدانية على النحو التالي:
استهدفت الدورات الصفية 2315 مستهدفاً، في 21 برنامجاً تنموياً بواقع 403 أيام، منهم 266 متدرباً في أساسيات إدارة المشاريع، و 373 الرائد الجامعي، 35 تقييم الأداء، 248 دراسات الجدوى، 77 الرائد التنموي، 418 التنمية البشرية، 311 الندوات وورش العمل، والعديد من الدورات الأخرى.
وفي التدريب الميداني تم استهداف 1442 متدرباً في 14 محافظة، بواقع 469 يوماً تدريبياً، واستهدفت الدورات في المجالات: 1045 فرسان التنمية، 109 البحث السريع بالمشاركة، 56 الصحة الحيوانية، 66 تربية النحل، 85 الجمعيات، 51 الصيادين، 30 سلاسل القيمة، والعديد من الدورات الأخرى.