هل على عملاء واشنطن في الشرق الأوسط أن يتحسسوا رؤوسهم ..تاريخ أمريكا مليء بالتخلي عن الحلفاء

 

الثورة / إبراهيم الوادعي

بالصادم وصْفُ المشهد في العاصمة الأفغانية كابول عقب سيطرة طالبان على كامل البلاد والعاصمة تحديدا في غضون أسابيع بعد 20 عاما من التواجد الأجنبي للناتو والأمريكي بشكل كبير.
مشاهد هروب الأفغان في المطار وتعلقهم بعجلات الطائرات طمعاً في فرصة للنجاة لن تمحى من الذاكرة الإنسانية أقله في مدى متوسط ، طالبان التي حاولت أن تظهر للعالم بثوب التسامح ليست بتلك الصورة الوردية، فأنباء بين عشرات الأخبار الواردة من أفغانستان أفادت بأن الحركة تلاحق ناشطين ضدها في السابق وبحثت عن صحفيين لاعتقالهم وقتل مسلحوها أقرباء لصحفي يعمل في القناة الألمانية ” دويتشه فيليه ” عندما لم يجدوه ، كما قتلوا ناشطا بعد وقت قصير من اعتقاله صوَّر مقاطع يسخر فيها من طالبان على انستجرام.
وقبل أن يفيق العالم من وقع صدمة سيطرة حركة طالبان على كشفت لموقع بولتيتيكو أن واشنطن سلمت حركة طالبان قائمة بأسماء من تعاونوا معها خلال فترة احتلالها في أفغانستان .
وذكر موقع بولتيتيكو أن المسؤولين الأمريكيين في كابول سلموا حركة طالبان قائمة بأسماء المواطنين الأمريكيين، وحاملي البطاقة الخضراء والحلفاء الأفغان للسّماح لهم بالدخول إلى المحيط الخارجي لمطار كابول الذي تسيطر عليه طالبان.
وجاءت هذه الخطوة، ووفقاً لحديث 3 مسؤولين أمريكيين ومسؤولين في الكونغرس لموقع “بولتيتيكو” الأمريكي، للإسراع بإجلاء عشرات الآلاف من الأشخاص من أفغانستان مع اندلاع الفوضى في العاصمة الأفغانية الأسبوع الماضي بعد سيطرة طالبان على البلاد.
وصرّح مسؤول دفاعي، للمجلة شرط عدم الكشف عن هويته: “في الأساس، لقد وضعوا كل هؤلاء الأفغان على قائمة القتل. هذا أمر مروع وصادم ويجعلك تشعر بأنك غير نظيف”.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قال إنه غير متأكد من وجود مثل هذه القوائم التي جرى الكشف عنها خلال إحاطة سرية في الكونجرس ، لكنه لم ينفِ أيضاً تسليم الولايات المتحدة، في بعض الأحيان، الأسماء إلى طالبان.
وفي السياق حذرت وثيقة للأمم المتحدة من أن حركة طالبان كثفت بحثها عن الأشخاص الذين عملوا مع قوات حلف شمالي الأطلسي (ناتو) أو الحكومة الأفغانية السابقة.
وقالت إن المسلحين يتنقلون من منزل إلى منزل للعثور على أهداف ويهددون أفراد عائلاتهم.
وجاء التحذير من أن المجموعة تستهدف “المتعاونين” في وثيقة سرية أصدرها المركز النرويجي للتحليلات العالمية، الذي يوفر معلومات استخبارية للأمم المتحدة.
وعلق محللون على الأمر بالقول: لقد أعطت الولايات المتحدة لطالبان قائمة بمن يجب أن تستهدفهم ووفرت عليها عناء البحث والتحري “إنه أسوأ مصير قد يلاقيه عميل عمل معك لعقدين من الزمن “.
تقول فاطمة الجبوري، في “رأي اليوم” اللندنية: “الولايات المتحدة وجيشها العتيد مارسوا مرة أخرى أبشع ما يمكن من عنصريتهم ووحشيتهم وتكبرهم وغطرستهم، باحتلالهم المطار بقوات عسكرية وعدم السماح سوى للجنود والدبلوماسيين الأمريكيين والأوروبيين بالمغادرة. هذه هي جيوش الاحتلال جميعها متشابهة، تضرم النار في بلداننا ثم ترحل. تجّمع الدبلوماسيون الغربيون في المطار كل منهم في انتظار طائرته، وبقي عملاؤهم حيرى أين يذهبون بأنفسهم وأين يفرون”.
وتضيف الكاتبة : على الجميع أن يفهم حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة تهزمها الشعوب وتذلها ، وهي لا تهتم بمصير عملائها أبدا ، فمن يخون وطنه سوف يواجه مصيره لوحده إذ لاحماية أمريكية أبدأ ، فالامريكيون اليوم يحتاجون من يحميهم من ثورات الشعوب”.
ويقول حسام حامد في “العربي الجديد” معلقاً على المشهد الأفغاني : نحن بصدد فشل أخلاقي أمريكي كامل حدث في فيتنام ويتكرر اليوم في أفغانستان”.
كلام الكاتبين إلى درجة كبيرة جداً صحيح، فتاريخ الولايات المتحدة مثخن بقصص التخلي الوقح عن العملاء ورميهم- كما يقول المصريون ” رمية الكلاب ” بل أشد، واشنطن أجلت الكلاب فيما كان آلاف الأفغان المتعاونين معها يفترشون أرض المطار خوفا ، وفضلت القوات الألمانية حمل زجاجات الخمر والبيرة على نقل عملائها والمتعاونين معها .
ترك العملاء يواجهون مصيرهم أكثر من كونها سياسة أمريكية إلى تعبير فض عن تقاليد طويلة لطالما انتهجتها الولايات المتحدة الأمريكية في استغلال حلفائها والتضحية بهم، وغالبا لا تتحمل أي مسؤولية خلال خيانتها أو تخليها عنهم.
تعود أول خيانة أمريكية للحلفاء إلى بدايات العلاقات الأمريكية الفرنسية. فأثناء حرب الاستقلال في عام 1778، لجأت أمريكا إلى عقد تحالف مع فرنسا، فيما يعرف بـ “معاهدة التحالف الأمريكي الفرنسي”. ويعتقد غالبية المؤرخين أنه بدون المساعدة الفرنسية، فإن من الصعب على أمريكا تحقيق الاستقلال من بريطانيا. لكن بعيْد الاستقلال، لم تتوانَ أمريكا عن التنكر لفرنسا، والإقدام على أمضاء اتفاقية أحادية مع بريطانيا، تخدم المصالح الأمريكية وتضر بالمصالح الفرنسية.
مثلت السياسة الانتهازية الأمريكية لفرنسا سابقة بالنسبة لصناع القرار الأمريكيين، والذين عمدوا إلى تكرارها مرات عديدة لاحقا. ففي عام 1898، وإبان الحرب الأمريكية الاسبانية، استعانت الولايات المتحدة في البداية بقوات استقلال الفلبين بقيادة أغينالدو ثم تخلت عنها. وأثناء حرب الفيتنام كان تخليها عن نغو دينديام زعيم الفيتنام الجنوبي بمثابة إعدام غير مباشر له. وهو ذات السيناريو الذي تكرر مع الأكراد شمال سوريا ، وتكرر اسرائيليا مع جيش الحد الجنوبي في جنوب لبنان في مايو 2000م عقب الانسحاب تحت نيران حزب الله، حيث أقفلت الأبواب بوجه آلاف العملاء الذين حوصروا بين الجيش الصهيوني المنسحب ويرفض إدخالهم وبين حزب الله الزاحف بقوة من الخلف. .
إجمالاً، يمكن القول إن سياسة “أمريكا أولا” كانت دائما شعار مختلف صناع القرار في أمريكا. والحلفاء هم الذين يخدمون مصالح أمريكا وليس العكس. وفي ظل المأزق الأمريكي الحالي، فإن احتمال التخلي عن المزيد من الحلفاء يبقى عاليا، وهذا شيء لا يدعو للدهشة.
وفي ظل المأزق الأمريكي القائم ، وتقليص واشنطن لتواجدها العسكري في أنحاء مختلفة من العالم بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط في إطار حشد الجهود للمواجهة مع الصين ، فإن التخلي عن المزيد من حلفاء أمريكا يبقى قائما ، ولن يكون مثيرا للدهشة تخلي الولايات المتحدة عن عملائها في اليمن من حزب الإصلاح الى مجموعات الانتقالي وأتباع الهالك عفاش ، وحتى إقليميا النظام السعودي ودول دارت لعقود في الفلك الأمريكي والإسرائيلي ..

قد يعجبك ايضا