تفجيرات كابول بيّنت الخيارات الأمريكية بعد الانسحاب من أفغانستان وكشفت عن شركائها القادمين من العراق
انسحبت أمريكا فعادت طالبان وعادت داعش أيضاً.. الإرهاب الأمريكي يعود إلى أفغانستان بأقنعة جديدة
داعش تتبنى تفجيرات كابول والبنتاغون يصحح روايته: انتحاري واحد فقط هو من نفّذ تفجير مطار كابول
الثورة /
تبنت داعش_ خراسان رسميا التفجيرات التي ضربت كابول الخميس واودت بحياة أكثر من 300 قتيل ومصاب ، ونشرت بيانا زعمت فيه تنفيذ الداعشي عبدالرحمن اللوغاري لعملية انتحارية ضربت محيط المطار في العاصمة الأفغانية كابول ، وجاء البيان بعدما كان البنتاغون قد نشر أن عددا من التفجيرات ضربت محيط المطار ، لكنه أعاد التصحيح بعدما نشرت داعش بيانها.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون»، أمس الجمعة 27 أغسطس/آب، إن انتحارياً واحداً فقط، هو من نفّذ التفجير في محيط مطار كابول أمس الأول الخميس.
وصحح البنتاغون روايته بعدما أعلنت داعش-خراسان تبنيها التفجيرات التي ضربت مطار كابول وقتل فيها أكثر من 100 شخص وقالت داعش إنها نفذت التفجير بانتحاري يدعى «اللوغزي» ، التناقض في الرواية والطريقة التي أعلن بها البنتاغون تثير شكوكاً عديدة ففي تصريحات نقلتها وكالة «فرانس برس» تقييمها السابق بشأن انفجار مطار كابول، الذي رجحت فيه وجود مفجرين انتحاريين وانفجارين منفصلين في محيط المطار.
ونقلت الوكالة عن الجنرال هانك تايلور، المتحدث باسم البنتاغون، قوله: «لا نعتقد أن انفجاراً آخر وقع في فندق بارون أو بالقرب منه، كان مفجراً انتحارياً واحداً» ، وكانت «داعش» قد أعلنت، في وقت سابق، مسؤوليتها عن انفجار وقع في محيط مطار كابول صباح الخميس الفائت.
لكن صحيفة «بلوتيكو» الأمريكية نقلت عن مصادر متعددة قولها «الانفجار كان كبيراً وعنيفاً للغاية، وتم إلقاء قنابل بعد الانفجار أيضا» ، حركة طالبان الأفغانية أعلنت أن الانفجار نفذته القوات الأمريكية داخل المطار ودمرت المعدات التي تتبعها، ودعت طالبان المواطنين الأفغان إلى عدم القلق بخصوص الواقعة ، وأكدت طالبان أنها تمكنت من القضاء على منفذ الهجوم على مطار كابول ظهر الخميس أمام قاعدة عسكرية أمريكية.
لكن الراوية لم تتوقف عن هذا الحد ، كما أن البنتاغون أكد أنه سيتم التواصل والتنسيق مع طالبان بشأن منع وقوع هجمات إرهابية ، كما أكد البنتاجون الخميس قبل تصحيح روايته وقوع انفجارين في محيط مطار كابول، وقال إن «الانفجار عند بوابة مطار كابول كان نتيجة هجوم معقدّ أسفر عن سقوط ضحايا من الأميركيين والمدنيين».
يثير الهجوم الذي تبناه تنظيم داعش الإرهابي حول داعش نفسها ، ومن يقف خلف إحيائها في أفغانستان تزامناً مع انسحاب القوات الأمريكية ، ويرى مراقبون أن أمريكا تخطط لتحويل أفغانستان إلى مقر لداعش بعد انسحابها وفشلها في البقاء بأفغانستان ، كما تثير التفجيرات التساؤلات حول الدول الواقفة وراء التنظيم وأهدافها من تقويته في هذه المنطقة من العالم.
وفيما تتزامن عودة التنظيم بهذا الهجوم الكبير مع الانسحاب الأميركي الجاري من أفغانستان ، انسحاب رافقه تصريحات أمريكية بأن أفغانستان ستشهد تهديدات عنيفة من تنظيمي داعش والقاعدة خلال العامين المقبلين.
وكان داعش- الذي ظهر في أفغانستان سنة 2015 بعد عام واحد من ظهوره في سوريا والعراق- أعلن ما وصفها بولاية خراسان؛ ليقاتل من خلالها الحكومة الأفغانية ومنافسته لحركة طالبان وما يصفها بمراكز الشرك في البلاد.
ويتساءل محللون عن القوة الخفية المعنية التي تدفع بداعش إلى أفغانستان ، وكيف استطاعت الانتقال من سوريا والعراق التي تحتلها أمريكا نفسها إلى أفغانستان التي تحتلها أمريكا أيضاً، وتقول إنها تقود تحالفا دولياً لأكثر من 90 دولة لمحاربته ، ويضيف محللون كيف استطاعت داعش إعادة إنتاج نفسها في أفغانستان؟ وكيف وصل الداعشيون للأراضي الأفغانية؟ وهل هو بالصدفة أم أن هناك دفع أمريكي خلف داعش ورعاية خاصة به؟
اللافت أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، سبق ورجح نهاية شهر يونيو أن التنظيمات مثل «القاعدة» و»داعش»، ستبعث بتهديدات عنيفة في غضون عامين قادمين، وذلك في جلسة استماع بالكونغرس، حضرها رئيس هيئة أركان القوات الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي لمناقشة مشروع موازنة الدفاع للعام المقبل.
وقال ميلي: «أعتقد أنه إذا حدثت أشياء أخرى معينة، كانهيار الحكومة الأفغانية أو حل القوات الأمنية الأفغانية، فمن الواضح أن هذا الخطر سيزداد لكن الوقت الحالي يمكن القول إن الخطر متوسط وهو في غضون عامين أو أكثر بقليل».
مع إنهاء أمريكا لحربها التي استمرت عشرين عاماً في أفغانستان، من الواضح أنها هيأت البدائل التي تحل مكانها ، وداعش وليس طالبان هو البديل لما بعد الانسحاب الأمريكي كما يقول خبراء ، فمن الواضح أن أمريكا أنهت الاحتلال لأفغانستان بعدما صنعت بدائل لها ، حتى لا تبقى أفغانستان مستقرة وحتى تبقي واشنطن أفغانستان ساحة مفتوحة للحروب والصراعات التي تحرك مفاعيلها عن كثب.
ويتحدث موقع واشنطن للسياسات الأمريكية أن الجيش الأمريكي سيواصل مهامه بعد الانسحاب في جمع المعلومات الاستخباراتية في أفغانستان، سواء كان ذلك من خلال الدول المُجاورة أو الخليج العربي أو من خلال أمراء الحرب الأفغان أو الميليشيات بالوكالة ، ويضيف بأنه سيكون هناك نطاق أوسع من الخيارات السياسية غير العسكرية للولايات المتحدة وتشمل هذه الخيارات المُشاركة العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية للحفاظ على بعض توازن القوة بين طالبان والقوى النافذة الأخرى في البلاد.
وقد أثار تصريح الموفد الأمريكي إلى كابول، روس ويلسون قبل أشهر، أنّ تنظيم «داعش» مازال قوياً في أفغانستان، فيما أكدت التفجيرات التي ضربت كابول الاتجاه الذي رسمته أمريكا لأفغانستان، وقد صرح المبعوث الأمريكي لوكالة «فرانس برس» أنّ سبب استمرار دعم بلاده لحكومة أفغانستان هو مكافحة الإرهاب المتصاعد وحمّل داعش مسؤولية تفجير مدرسة ومسجد في العاصمة الأفغانية في وقت سابق من الشهر الحالي.
وقد أثارت التفجيرات التي ضربت كابول والظروف التي أحاطت بها ، وكذا الروايات ، مضافاً لذلك تبني داعش السريع لها العديد من التساؤلات التي تفجرت عقب التصريح الداعشي ، هل هناك علاقة بين ظهور قدرات عسكرية مفاجئة لداعش وسحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان ، وهل وضعت أمريكا داعش ليحل بديلاً عن طالبان؟ هل تملك طالبان قدرات لابتلاع داعش أو تحطيمه؟ إن ظهور داعش مرة أخرى على سطح الأحداث يؤكد أنّ ثمة عودة قوية متوقعة، تستدعي تقصياً تاريخياً لوجودها في أفغانستان، والعوامل السياسية والعسكرية التي دعمتها.
ويعود تواجد داعش في أفغانستان إلى العام 2015 وقت ذروة انتشاره بعد إعلان أبو بكر البغدادي عن نفسه أميراً لداعش ، ومن الواضح أنّ أمريكا قد عمدت إلى تهيئة البيئة أمام القوتين «طالبان ، داعش» كبدائل لها في أفغانستان ، بحيث لا تملك طالبان مقومات الانفراد بالساحة الأفغانية ، ولا يقوى طرف منهما على هزيمة الآخر، وكل ما يمكنهما هو القيام بعمليات ضد بعضهما البعض وبهذه الطريقة، وكأن أمريكا تقول سنخرج من أفغانستان، لكن بعدما نضربها ببعضها وسنجعلها بعد رحيلنا جحيماً ودماً.