“إنسانية” أمريكا

حمدي دوبلة

 

 

بعد عشرين عاما من الإرهاب الأمريكي في أفغانستان وامتهان أمريكا لكرامة الإنسان البسيط هناك وسفكها دماء الآلاف من الأبرياء وقصف طائراتها لمنازل وأماكن تجمعات المواطنين العزل في القرى والبلدات الأفغانية بذريعة تصفية ما تسميه إرهاب حركة طالبان، ولَّت هاربة ذليلة أمام جحافل مقاتلي الحركة التي لم تفقد جنديا واحدا من مقاتليها أثناء دخول العاصمة كابول وقبلها كل المدن الأفغانية التي تساقطت كأحجار الدومينو وفي وقت قياسي وإذا بها بعد انهزامها ومغادرتها المهينة تتباكى مجددا وبكل وقاحة على حقوق الإنسان وحقوق النساء وتبدي مخاوفها على قيم الحرية في ذلك البلد المنهك والمدمر أرضا وإنسانا.
-قبل عقدين من الزمن جاءت أمريكا بقضها وقضيضها إلى أفغانستان مصحوبة بمشاعر الحقد ومهووسة بالانتقام، للبحث عن السعودي بن لادن وقيادات القاعدة المتورطين في حادثة الهجوم على الأبراج في الـ11من سبتمبر الشهيرة، لكنها صبت حمم غضبها على النساء والأطفال والشيوخ وهاجمت بلا رحمة مجالس العزاء وحفلات الزفاف وكل الناس في منازلهم وفي الأسواق وعلى قارعة الطرق، فيما كانت طالبان طوال تلك الفترة تعمل وتجهز جيوشها في أمان وسكينة دون أن ينالها أذى.
-من تسمي نفسها الدولة العظمى وحامي الديمقراطية الأول والحصن المنيع للمبادئ والقيم الإنسانية هي اليوم محشورة في زاوية صغيرة من مطار كابول من أجل إجلاء جنودها ورعاياها وبعض المحظوظين من مرتزقتها أما البعض الآخر فقد تركتهم لمصيرهم المؤلم، فمنهم من لا يزال يتشبث ببصيص أمل في نظرة رحمة وشفقة من أسياده مرابطا في محيط المطار وعلى مرأى ومسمع من مقاتلي طالبان، ومنهم من تشبث قبل ذلك بعجلات الطائرات المغادرة ليتمزق إربا في الأجواء في مشهد مؤلم كان صادما لهذا العالم الذي لا يزال يتدثر برداء النفاق والتزلف لأمريكا ويشيد – رغم كل ما حدث – بإنسانيتها وبمواقفها الصارمة في حماية القيم والمبادئ.
-تلك المبادئ والقيم ذابت وتلاشت تماما من القاموس الأمريكي خلال 20عاما في أفغانستان ومن قبل ذلك ومن بعده في مختلف أنحاء العالم الذي تنظر إليه على الدوام باستعلاء وغرور وغطرسة وتتعامل مع شعوبه كخدم وعبيد لمصالحها وأهوائها ورغباتها، وليس أكثر من ذلك.
-إنسانية أمريكا تتجلى اليوم بكل وضوح في أفغانستان الذي تركته أطلالا وخرابات بمساعدة بعض المرتزقة من أبناء البلد الذين تخلت عن معظمهم على رصيف المطار، كما تخلت عن تلك الشعارات التي أصمّت آذان العالم بها طويلا حول كونها المسؤولة والمخولة عن حماية حقوق الإنسان وكرامته فيما نقلت البعض في طائرات شحن السلع وكأنهم حيوانات إلى مصائر مجهولة .
-أيا تكن السيناريوهات التي سبقت أو تزامنت مع خروج أمريكا المهين من أفغانستان، فقد تعرضت لهزيمة مدوية ومرغ أنفها في التراب وظهر الجانب الأكبر من وجهها القبيح، وحتما ستتوالى انتكاساتها وهزائمها في كل مكان فالباطل واهن وضعيف أمام قوة الحق، مهما بلغ في سطوته وجبروته.
صبرا آل الدغشي
بالأمس فقدت مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر أحد أبنائها المخلصين وأحد الكوادر الفنية المتميزة ممن أعطوا لهذا الصرح الإعلامي الكبير الكثير والكثير من عطاءاتهم وإبداعاتهم طوال العقود الماضية.. إنه الزميل المهندس أحمد صالح الدغشي المستشار الفني لرئيس مجلس الإدارة، الذي رحل عن الدنيا وهو في قمة عطائه الإنساني والمهني وعلى المستوى الشخصي فقد كان الراحل الدغشي جارا عزيزا وصديقا غاليا.. نعيش سوية في حي سكني واحد بحارة الشريف منذ أكثر من عشرين عاما ولم نسمع منه إلا كل خير، فقد كان إنسانا رائعا وسيرته العطرة محل ثناء الجميع.. رحمك الله أخي وصديقي أحمد الدغشي وتعازينا الصادقة لأولاده الأعزاء إبراهيم وأمين وأنور وأمجد وكل إخوانهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قد يعجبك ايضا