طالبان من المنشأ قبل 30 عاما إلى حكم أفغانستان مرة ثانية بعد انكفاء 20 عاما

 

الثورة / إسكندر المريسي

سيسجّل التاريخ الإنساني الأحد 15 أغسطس 2021م، باعتباره يوم هزيمةٍ نكراء تجرَّع فيه حِلف شمال الأطلسي كُلّه بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية كأس الهزيمة المُر، وستبقى مرارته عالقة في نفسيات القادة السياسيين والعسكريين الغربيين وذهنياتهم لعقودٍ طويلة قادمة.
سيتذكَّر العالم بِرمَّته ذلك اليوم، وذلك التاريخ بالذات، وأنَّ محطة جديدة إضافية من محطات الهزائم والنكسات التي صاحبت مسيرة “الإمبراطورية الأميركية” أضيفت إلى نكسات وهزائم في حروبٍ سابقة في فيتنام وكوريا والصومال والعراق ولبنان.
وكما هو حال الأحداث العظيمة التي حلَّت بالتاريخ الإنساني، والتي ينقسم حولها المفكرون والمنظرون والمحللون من الإعلاميين والسياسيين، تجد أن القِسم الأول يتشفى بفرحٍ عامر لمشاهدة سيناريو الهزيمة التي تُلطِّخ جبين الحِلف العسكري الأكبر على مستوى العالم، وأن ثمة قسماً ثانياً يتألم حسرةً لما آلت إليه النتائج بعد مضي 20 عاماً تقريباً على غزو الأراضي الأفغانية واحتلالها من قِبل حلف الناتو العسكري.
لقد كان يوم الأحد، ومُنذ الصباح الباكر، بكلّ ساعاته ودقائقه الثقيلة، محط اهتمام وسائل الإعلام الغربية العالمية الوازنة، ومعها الوسائل الإعلامية العربية والإسلامية، التي كانت تنقل مشهد الهروب المُخزي لطاقم الموظفين السياسيين والدبلوماسيين عبر الطائرات المروحية من الساحة الخضراء في العاصمة كابول، حيث تتواجد السفارات الغربية، والتي لا تبعد عن مطار كابول الدولي سوى بضعة كيلومترات.
وقد مثل هذا اليوم علامة فارقة في حياة الأفغان، إذ عادت حركة طالبان إلى السلطة من جديد بعد غياب 20 عاما، فما الذي نعرفه عن تلك الجماعة وكيف نشأت؟
تاريخ حركة طالبان الأفغانية
نشأت حركة طالبان الأفغانية قبل 27 عاما في عام 1994 على يد الملا محمد عمر مجاهد، وطيلة هذه السنوات كانت رقما رئيسا وصعبا في المعادلة السياسية في أفغانستان. والآن تتصدر المشهد بهذا البلد الذي أنهكته الحروب والصراعات.
ويعود سبب تسمية الحركة باسم “طالبان” لنشأتها على يد مجموعة من طلبة المدارس الدينية، وهي جمع كلمة طالب في لغة “البشتو”، وظهرت لأول مرة في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب البلاد على الحدود مع باكستان.
الفكر السياسي للحركة
ترفض طالبان استعمال لفظ الديمقراطية، لأنها “تمنح حق التشريع للشعب وليس لله”. ولا ترى الحركة أهمية لوضع دستور أول ائحة لتنظيم شؤون الدولة، وترى أن القرآن والسنة هما دستور الدولة الإسلامية.
وتعتبر الحركة أمير المؤمنين بمثابة الخليفة، ينتخبه أهل الحل والعقد، ولا توجد مدة محددة لتولي منصب أمير المؤمنين، ويتم عزله فقط في حالة العجز أو الموت أو إذا أتى ما يخالف الدين.
والشورى كما تؤمن بها الحركة معلمة فقط وليست ملزمة، وتهتم الحركة اهتماما كبيرا بالمظهر الإسلامي كما تتصوره، فتأمر الرجال بإطلاق اللحى ولبس العمامة، وتمنع إطالة الشعر وتحرم الموسيقى والغناء والصور، وتمنع عمل المرأة خارج بيتها، وتشرف على تنفيذ ذلك هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولا تسمح الحركة بتشكيل أحزاب سياسية جديدة، ولا تقبل الأحزاب الموجودة، ويقول مؤسس الحركة في ذلك إنه رفضها لأنها” تقوم على أسس عرقية وقبلية ولغوية، وهي نوع من العصبيات الجاهلية، الأمر الذي تسبب في مشاكل وعداء وفرقة بين الناس.
محطات فارقة في تاريخ الحركة
ـ يوليو 1994: ظهرت الخلية الأولى للحركة بعد أن اجتمع 53 من طلاب المدارس الدينية في منطقة “سنجسار” بقندهار ثم انتقلوا إلى منطقة “كشك نخود” وبدؤوا نزع السلاح من مجموعات المجاهدين وإزالة نقاط التفتيش الموضوعة لجمع الإتاوات على الطرق العامة ثم استولوا على مديرية أرغستان.
ـ أغسطس 1994: بايع طلاب المدارس الدينية الملا محمد عمر أميرا لهم، وتعاهدوا على جمع السلاح واستعادة الأمن والاستقرار، وإزالة نقاط التفتيش وجمع الإتاوات.
ـ أكتوبر 1994: وسعت طالبان من نشاطاتها فاستولت على مديرية “سبين بولدك” الحدودية، كما استولت على مخازن الأسلحة والذخيرة المركزية للولايات الجنوبية الغربية التابعة للحزب الإسلامي بزعامة حكمتيار التي تعتبر من أكبر مخازن السلاح في أفغانستان.
ـ 3 نوفمبر 1994: برز اسم طالبان في الإعلام الدولي لأول مرة بعد نجاحهم في إنقاذ قافلة الإغاثة التي أرسلتها الحكومة الباكستانية إلى البلاد واعترضتها مجموعة جيلاني بقيادة منصور آغا، واستطاعت طالبان إنقاذ القافلة وإعدام قائد جماعة جيلاني مع بعض رفاقه.
ـ 5 نوفمبر 1994: سقطت مدينة قندهار بيد طالبان بعد معارك راح ضحيتها 40 قتيلا.
ـ نوفمبر وديسمبر 1994: استولت طالبان على الولايات المجاورة دون مقاومة فبسطوا سيطرتهم على ولايات هلمند وزابل وأورزجان، ولم تكن الحركة تتوقع أو تنوي مجاوزة حدود قندهار إلى غيرها من الولايات كما صرح بذلك مولوي أحمد الله ناني وملا محمد حسن رحماني لمجلة “خبرنامه” بعددها الصادر في أغسطس 1995.
ـ 14 فبراير 1995: أحكمت الحركة سيطرتها على جميع مناطق نفوذ حزب حكمتيار حول كابل بعد انسحابه من مقره في “تشاراسياب” إلى منطقة سروبي.
ـ 21 فبراير 1995: طالب المولوي فضل الرحمن (رئيس جمعية علماء الإسلام- باكستان) الرئيس الأفغان يبرهان الدين رباني بتسليم الحكم والأسلحة التي بحوزته لطالبان.
ـ 6 مارس 1995: اندلعت حرب شديدة بين قوات أحمد شاه مسعود وحزب الوحدة الشيعي بقيادة عبد العليم زاري الذي فقد سندا قويا بعد انسحاب قوات حكمتيار ودستم من مواقعها حول كابل.
ـ 8 مارس 1995: تدخلت قوات طالبان للحيلولة بين الفصائل المتحاربة (الحكومة وحزب الوحدة) واستولت على مواقع الحزب الشيعي وبدأت بنزع أسلحة الشيعة.
ـ 10 أكتوبر 1995: تقدمت قوات طالبان نحو كابل بعد أن سيطرت على مساحات شاسعة جنوب غرب البلاد، وعلى تشاراسياب وتلال خير آباد المشرفة على جنوب كابل للمرة الثانية، وبذلك أحكمت حصارها على مدينة كابل.
صعود طالبان إلى السلطة
ـ 3 أبريل 1996: بايع 1500 من العلماء من مختلف أنحاء أفغانستان الملا محمد عمر ولقبوه بأمير المؤمنين.
ـ 27 سبتمبر 1996: سقطت كابل في يد طالبان بعد انسحاب القوات الحكومية منها إلى الشمال، وأعدمت الحركة ليلة دخولها العاصمة رئيس البلاد الشيوعي السابق نجيب الله، وأعلن ملا محمد عمر تكوين لجنة من 6 أشخاص برئاسة ملا محمد رباني النائب الأول له، وسقطت قاعدة “باغرام” الجوية بيد طالبان.
ـ 25 مايو 1997: اعترفت باكستان بحكومة طالبان، وكانت أول دول في العالم تعترف بها.
ـ 26 مايو 1997: اعترفت السعودية بطالبان، وبعدها اعترفت الإمارات.
ـ 27 مايو 1997: حدثت خلافات شديدة بين قوات الجنرال عبد الملك وقوات طالبان أسفرت عن قتل وأسر آلاف العناصر من طالبان، وكان من بينهم كبار القيادات. وتم إجلاء طالبان عن بعض المناطق في الشمال.
ـ عام 1998: عادت قوات طالبان إلى المناطق التي انسحبوا منها بالولايات الشمالية مثل فارياب ومزار الشريف وطالقان.
سقوط طالبان من جديد
ـ طلبت السعودية من القائم بأعمال طالبان مغادرة المملكة.
ـ عاما 1999 و2000: بسطت طالبان نفوذها على بعض مدن الشمال مثل باميان وطالقان وبادغيس.
ـ 22 سبتمبر 2001: سحبت السعودية والإمارات اعترافهما بحكومة طالبان، وبقيت باكستان الدولة الوحيدة التي تعترف بحكومة طالبان.
ـ أكتوبر 2001: شنت أمريكا وبلدان أخرى حربا على أفغانستان.
ـ 13 نوفمبر 2001: سقطت كابل في يد تحالف قوات الشمال. ولم ينته هذا الشهر حتى سقطت مدن أفغانستان في يد مناوئي طالبان. وقد وقع الكثير من عناصر الحركة في الأسر.
ـ عاما 2008 و2009: تصاعدت العمليات الانتحارية، خاصة في كابل، والاختطافات والعمليات القتالية ضد القوات الأجنبية، وسيطرت طالبان على عدد من المناطق، وأعلنت القوات الأجنبية مصرع حوالي 3000 من جنودها منذ احتلال أفغانستان.
ـ عام 2010: بدأت القوات الأجنبية تغير قناعتها في حربها على طالبان، وتميل بعض قياداتها إلى أن الحل العسكري لن يحسم المعركة في هذا البلد، ولابد من حل سياسي.
ـ مارس 2012: علقت الحركة مفاوضات السلام التمهيدية مع الولايات المتحدة.
ـ 18 يونيو 2013: سمحت قطر بأن تفتح الحركة مكتب اتصال بالدوحة، وأكدت أن هذا تمهيد لإيجاد حل للنزاع في أفغانستان، وقال مصدر مسؤول بالخارجية القطرية إن هذا المكتب “هو المكتب السياسي لطالبان أفغانستان بالدوحة، وليس المكتب السياسي لإمارة أفغانستان الإسلامية”. واعتبرت واشنطن المكتب “خطوة أولى مهمة” نحو تسوية سياسية في أفغانستان.
ـ نهاية مايو 2014: توصلت واشنطن وطالبان بوساطة قطرية إلى صفقة جرى بموجبها إفراج الحركة عن جندي أمريكي (كان أسيرا لديها 5 سنوات) مقابل إطلاق 5 من قادتها كانوا معتقلين في سجن جوانتنامو.
ـ نهاية يناير 2015: رفض البيت الأبيض تصنيف طالبان تنظيما “إرهابيا” مما أثار اعتراض الجمهوريين.
ـ 25 مايو 2016: أعلنت طالبان مقتل زعيمها الملا أختر منصور، وتعيين زعيم جديد وهو الملا هبة الله أخندزاده.
انسحاب أمريكا من أفغانستان
ـ 28 يناير 2019: توصلت طالبان والولايات المتحدة إلى مسودة اتفاق بعد انتهاء الجولة الرابعة من محادثات السلام بالدوحة، تضمن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وعدم استخدام تنظيمات إرهابية للبلاد كقاعدة.
ـ 11 سبتمبر 2020: الموافق للذكرى رقم 19 لهجمات 11 سبتمبر 2001، أشرف وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في الدوحة على شروع الحكومة الأفغانية في مفاوضات مع الحركة، من أجل تقاسم السلطة.
ـ 14 أبريل 2021: أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن انسحاب قواته من أفغانستان سيبدأ في الأول من مايو ، وينتهي في 11 سبتمبر، لينهي بذلك أطول حرب أمريكية بالتاريخ.
ويمثل هذا تمديدا لموعد نهائي سابق للانسحاب أول مايو تم الاتفاق عليه بين واشنطن وطالبان.
ـ 1 مايو 2021: بدأت الولايات المتحدة وحلف الناتو سحب 9500 جندي بينهم 2500 أمريكي كانوا ما زالوا موجودين بأفغانستان، واندلعت معارك عنيفة بين طالبان والقوات الحكومية في منطقة هلمند الجنوبية.

قد يعجبك ايضا