حين اشتد الصراع بين النظام الرأسمالي والاشتراكي , حاول النظام الرأسمالي تنمية الأصوليات ليتمكن عن طريقها من القضاء على خصمه اللدود في الشرق وهو النظام الاشتراكي، وينفرد بعد ذلك بإدارة شؤون العالم وفق قيم ومبادئ الرأسمالية التي لم تشهد شعوب العالم المستضعفة منها سوى الغبن والاستغلال والضياع, وقد اعتمدت إستراتيجية دعم الحركات الأصولية – كما هو ثابت – مطلع ثمانينيات القرن العشرين , وكانت أفغانستان مسرحا لهذه الاستراتيجية واشتغلت الأجهزة الاستخبارية عليها اشتغالا مكثفا في عموم الخارطة الإسلامية , ونشأت على إثر ذلك الاشتغال الجماعات الجهادية السلفية التي جرى استثمارها وتوظيفها من قبل النظام العالمي الرأسمالي منذ مطلع الثمانينات إلى اليوم .
منذ مطلع عقد الثمانينيات من القرن العشرين إلى اليوم لم تستقر أفغانستان مطلقا , بل ظل الصراع هو ديدن الجماعات والأفراد وبه ومن خلاله تبرر أمريكا بقاءها على أرض أفغانستان , ولعلنا لاحظنا عودة حركات الصراع في أفغانستان هذه الأيام بعد موجة مفاوضات احتضنتها قطر – وهو السيناريو ذاته الذي يحدث مع بعض البلدان الإسلامية – التي تتدخل أو تحتضن مفاوضات ثم تموج الأرض وتضطرب , ويختل النظام العام والطبيعي لهذه الدولة أو تلك .
لاشك أن قطر ودول الخليج قاطبة أدوات في يد النظام العالمي الرأسمالي، بدليل أن النظم العشائرية الخاضعة والخانعة لم يتحدث عنها هذا النظام العالمي كنظم متخلفة وغير مدنية وعلى تضاد مع حقوق الإنسان , ومع مقاييس المجتمع المدني وهي ضد الحريات , بل اتضح من خلال إدارة ترامب للنظام العالمي في السنوات الماضية، القيمة الفعلية للنظم العشائرية ودورها الحيوي الذي تمارسه في استمرار سياسة الغبن والاستغلال الذي تفرضه أمريكا على العالم الإسلامي على وجه الخصوص , ذلك أن العالم غير الإسلامي نادرا ما نشهد فيه اضطرابا وصراعا تديره أمريكا .
لا تدخر أمريكا جهداً في دراسة وتحليل الواقع الإسلامي والعربي، مع أنها قد استطاعت التمكن من الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على بلدان العالم الإسلامي، بل استطاعت ممارسة دور كبير في التأثير الفكري والتوجيهي في كثير من المجالات العلمية والفكرية.
وعلى الرغم من أن هذه المقدمة الأولية تؤدِّي في الغالب إلى زوال القلق تجاه العالم الإسلامي، إلا أن هذا لم يحدث على أرض الواقع؛ بل زادت تلك الدراسات التي تتناول المنطقة بالتحليل والدراسة، ما دعا البعض إلى تسمية هذه الظاهرة بـ(حمَّى الشرق الأوسط).
ولا يمكن تفسير ذلك التخوُّف الغربي من العالم الإسلامي بأسباب اقتصادية أو سياسية فحسب، ولكنه الخوف من الإسلام الذي جعل مراكز الأبحاث الغربية تدرك أن الحرب مع المسلمين الآن هي حرب فكرية – حسب تعبيرهم – في المقام الأول، بل ويرون أن المسلمين فيها على درجة من القوة، وتجعلهم يبدأون حربهم على الإسلام بدءا من الأطراف البعيدة، واتجاهًا إلى القلب الذي يمثله العالم العربي.
لا يرجع هذا التخوُّف من العالم العربي أو من التيارات الدينية على وجه التحديد – كما يشير تقرير (راند) – إلى ضعف التأثير الفكري للغرب في العالم الإسلامي، ولكن لأن المرحلة المقبلة تسعى إلى ممارسة تأثير فكري أكثر عمقاً، يصل إلى حد التغيير والتبديل الكامل، وصولاً إلى صياغة إسلام متوافق مع القيم الغربية، وتابع لها بغير شرط ولا قيد، بل وقابل للتغيير المستمر وفقاً لما يجد من متطلبات ومطالب وقد عبر رئيس وكالة المخابرات الأمريكية عن مثل ذلك بقوله ” سنصنع لهم إسلاما يناسبنا , ثم نجعلهم يقومون بالثورات , فيتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية ومن بعدها قادمون للزحف وسوف ننتصر”.
ففي بعض الدراسات والاستراتيجيات ثمة من يرى أن الصراع الموجود حالياً في معظم أنحاء العالم الإسلامي عبارة عن حرب للأفكار، وسوف تحدد نتائج هذه الحروب التوجهات المستقبلية للعالم الإسلامي وما إذا كان خطر المجاهدين الإرهابيين سوف يستمر مع عودة بعض المجتمعات الإسلامية إلى أبعد أنماط التعصب والعنف.
وهناك من يرى أن هذه الحروب لها تأثير عميق على أمن الدول الغربية وعلى الرغم من أن الإسلاميين المتطرفين يعتبرون قلة في كل مكان إلا أنهم يحظون بالتفوق في العديد من المناطق.
ويكمن السبب وراء ذلك بدرجة كبيرة إلى أنهم قاموا بتطوير شبكات شاملة تغطي العالم الإسلامي وتتجاوزه في بعض الأحيان إلى المجتمعات الإسلامية في أمريكا الشمالية وأوروبا، أما المسلمون المعتدلون والليبراليون – رغم أنهم أكثرية في العالم الإسلامي – فإنهم لم يُنشئوا شبكات مماثلة، ويمكن لشبكات ومؤسسات المسلمين المعتدلين أن تعمل على توفير منبر لتقوية رسالة المعتدلين، إضافة إلى كونها تشكل قدراً من الحماية ضد العنف والإرهاب .
واليوم – كما هو ماثل للعيان – تنسحب أمريكا من أفغانستان فتجتاح طالبان المدن الأفغانية وتستولي عليها , ولعلنا نتذكر أنه بمجرد أن أعلن أوباما انسحاب القوات الأمريكية من العراق اجتاحت داعش مدن العراق , وعاثت فيه فسادا , بالمعنى القريب أمريكا تدير الصراع والتدمير للعالم الإسلامي بذات السيناريو , والمسلمون لم يدركوا بعد خطوات التدمير لبلدانهم التي تسعى بهم أمريكا للوصول اليها , بلوغا لحالة التوحش وانفراط عقد الدولة حتى يسهل عليها احتلالهم .
أمريكا لا تريد للمسلمين سلاما ولا نماء ولا استقرارا ولكنها تدير مفردات الموت والدمار والضياع للمسلمين .. فهل كثير على أهل اليمن إن ردوا لأمريكا مفردات سياستها، فهي لا تريد للمسلمين إلا الموت , ولذلك فمضمون الشعار الذي يردده أهل اليمن من جنس الفعل المضمر الذي تمارسه أمريكا ضد المسلمين .