فيما يُنقذ مخزون أعلاف ميسوري الحال ماشيتهم من الهلاك
السماسرة والجزارون يستثمرون قرار منع ذبح وتهريب الماشية لصالحهم
الأعضاء التناسلية لذكر واحد تكفي لذبح عشرات الإناث.. حيلة يستخدمها الجزارون لإخفاء الجريمة
أنثى الماعز التي كانت تباع بـ 80 ألفاً في جفاف الأعوام الماضية تباع هذا العام بـ 10 آلاف ريال
مربون خضعوا للابتزاز وآخرون فضّلوا إطعام مواشيهم للنسور والسباع.. والنفوق يفتك بماشية فريق ثالث
الثورة / يحيى الربيعي
استثمر المفاودون والجزارون قرار منع ذبح إناث وصغار الماشية خاصة مع ظروف تأخر موسم الأمطار لهذا العام بصورة تخلو من مراعاة لأي قيم إنسانية، حيث اتخذوا من القرار مبررا لابتزاز حاجة المربين التخفيف من عدد ما يمتلكون من الماشية بالبيع نظرا لقلة ذات اليد، وما زاد من الطين بلة استغلال موردي الأعلاف من سهول تهامة التي تزرع الأعلاف على موفور المياه الجوفية، إذ يتراوح متوسط سعر الحزمة الواحدة من القصب ما بين 900 – 1500 حسب الطلب اليومي ومقدار ما يصل من الأعلاف إلى قرى وادي سمع في مديرية بني سعد بالمحويت.
“الثورة” استطلعت عن كثب بعضا من آراء المربين أثناء الزيارة العيدية للأهل والأرحام في الوادي، فكان أن حصلنا على معلومات تصيب الإنسان بالشيب المبكر لفرط ما وجدنا عليه الحال من الوحشية والاستغلال الذي لم يسبق للتاريخ اليمني أن رأى مثل هذه السلوكيات التي يبررها البعض بأنها من باب البيع والشراء في الحلال موظفين قوله سبحانه تعالى (إلا أن تكون تجارة عن تراض)، ببشاعة لم تعهدها القرى اليمنية.
المربي شوعي بن علي يشكو أن أحد الجزارين ومن قبله جاء إليه مفاود يريدان شراء مجموعة من إناث وصغار ماشية ضاق بهن ذرعا جراء تأخر موسم الأمطار وقلة ذات اليد، فقال: “لم أدر ما الذي أفعله أمام مثل هذه الظروف القاسية التي مررنا بها هذا العام في تربية المواشي، فقد واجهنا قساوة الجفاف من جهة، واستغلال أصحاب الأعلاف من جهة أخرى، إذ أن الأخير يبيع الحزمة بـ 900_1500 ريال، فقررت أن أبيع بعضا مما لدي من الماشية خوفا عليها من الهلاك بسبب نفاذ مخزون العلف الذي احتفظت به من العام الماضي، وقلة ذات اليد لشراء العلف من المفاودين الذين يجبلونه من سهول تهامة”.
ويواصل: “كالعادة ظننت أن بإمكاني بيع ما أخاف عليه من الهلاك والإبقاء على رأس من ذكور البقر والماعز والضأن، وعدد من إناث السلالات الجيدة، والتخلص من البقية بالبيع على سعر العادة، فإذا بي أفاجأ بابتزاز لم أره من قبل في حياتي، فالمعزة أبو 80 ألف في الأعوام الماضية، ما تثمن اليوم 10_15 ألفاً في الحد الأقصى، ورضيع أمه من البقر الذي كنا نبيعه في أعوام ماضية بـ 150 ألفاً، اليوم لم يصل ثمنه 50 ألفاً، أما الماعز والضأن، فحدث ولا حرج يا عشرة لا تكملي عشرين.”
ويضيف بحرقة: “لم يكن أمامي من بد سوى الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع، فالجزاز الذي يمتلك وسائل المغالطة أو المفاود الذي سيقوم بتهريبها إلى أطراف السعودية يبرران ما أحلى لهما من جشع بقرار منع ذبح الإناث والصغار، وإن الشراء يعد منهما مغامرة، فهما إما يحصلان على بيعة بفارق بسيط أو – كما يدعيان- يتم مصادرة الماشية من الإناث أو الصغار عليهم من قبل حملات تنفيذ القرار”.
المزيد من قصص العديد من الذين مررنا بهم أثناء فسحتنا في الوادي، نجده في حكاية إحدى الأمهات التي وجدناها ترعى ماشية لها على أثر ما نما من العشب عقب رشات المطر التي هطلت الأسبوعين الماضيين وفي أيام العيد، حيث جلسنا إلى تلك الأم وبدأنا معها الحديث بتحية العيد والسلام، ثم سألناها عما تواجه من ظروف قاسية في تربية الأغنام والضأن، فلم تختلف شكوى المربية الأم عن شكوى المربي شوعي سوى أن الأم رفضت بيع الماشية، وقالت ما هو من الله حيا به؛ موت وإلا حياة، فاحتفظت بما لديها من الماشية وقالت السباع والكلاب والنسور أولى بها من هؤلاء، مكتفية بإطلاق مصطلح “المجرمين” على السماسرة والجزازين، وأثنت على الله بالحمد أنها لم تفقد سوى سبع من صغار الماعز وثلاث نعجات من الضأن، وجاءت ألطاف الله بأن هطلت هذه الرشات من الأمطار، والحمدلله نحن الآن بخير وستر من الله (كما جاء على لسانها).
أما المزارع علي محمد فيؤكد أنه لم يرضخ للاستغلال وأن مخزونه من العلف الذي اذخره من أيام الأمطار التي من الله بها على البلاد العام الماضي قد كفته للإبقاء على ماشيته، مشيرا إلى أنه يأخذ الكثير من شعاب الرعي التي يمتلكها أهل الجبل على القرب من منزله في الوادي بنظام القبال السنوي، ويحصد من الحشائش ويلفها على شكل دوائر ويحتفظ بها مجففة لتقديمها للماشية في أيام الجفاف بالإضافة إلى ما يقوم بشرائه من كميات أكياس ما يسميه بالـ”الحثر”؛ بقايا طعام مجففة من صنعاء، ويحتفظ بها هي الأخرى لمثل هذه الأيام العصيبة أو في تسمين الماشية في أيام النعم، وبذلك يكون قد نجا من موجة الاستغلال المزدوجة لموردي الأعلاف والجزارين والمفاودين، واحتفظ بماشيته في سلام وعافية.
أما المربي شوقي الأشول فيقول إن ماشيته، بحمدالله ورحمة منه سبحانه وتعالى، قد أصابها نفوق ومرض فماتت الواحدة تلو الأخرى، ولم يتبق معه منها سوى شاة ومعزة واشترى مؤخرا بهمة، وهو يحمد الله على هذه المصيبة ويسترجع (إنا وإنا إليه راجعون) واثق بأنه سبحانه وتعالى مثل ما أخذ منه مجموعة من رؤوس الغنم والضأن والبقر كفيل بأن يضع بركته فيما تبقى ويعوضه بأضعاف ما كانت عليه في العدد والكمية، واثق بأن ذلك ابتلاء يقابله صبر المؤمن، وما جزاء الصابرين إلا عوض منه سبحانه وتعالى، مؤكدا أن هذه المصيبة ليست الأولى، فكم من الابتلاءات التي واجهته وغيرها، ويعقبها عوض من الله.
في الموقف، لم يكن أمامنا سوى التأمل في الأحداث، ومحاولة إيجاد بعض من التفسيرات ووضع الشيء من الاقتراحات على السلطات في وزارة الزراعة واللجنة الزراعية والسلطات المحلية في المحافظات إلى ضرورة مراعاة مثل هذه الظروف والعمل علىَّ استنباط الموروث التاريخي للإنسان اليمني والتعرف من خلاله على كيفية التعاطي معها، والقيام على تقنين هذه الأعراف في حزمة قانونية ملزمة تكون ملازمة لقرار منع ذبح وتهريب إناث وصغار المواشي، حتى لا تعطى فرصة للمتاجرين بمعاناة الناس.
وبالمناسبة، واجهت قصة غريبة حين حضرت إلى أحد الجزارين ورأيت (الأعضاء التناسلية لمذبوح من الكباش)، فقررت إلا أن تضاف إلى محتويات الكيلو اللحم الذي يزنه لي ذلك الجزار، لكن المفاجأة جاءت صاعقة، فقد أبى الجزار أن يبيع تلك الأشياء، بل ورد علي بلفظ قاس (اشتيك اللحمة التي وزنتها شليت أو حطيت، خليني اطلب الله، واسرح لك بعيد، الظاهر أنك مرسل) وكاد أن يكسر تليفوني لولا أن تدخل أخ له واكتفى بإزالة ما قمت بتصويره.
ليس في القصة من مشاهد واضحة فيما يخص الأشياء التي رفض الجزار إضافتها إلا أن هذا الجزار يبدو عليه يقوم بذبح عدد من إناث الماشية ويتعمد إخفاء معالم أنوثتها ويضع تلك الأشياء في الصورة كبديل عنها.. شيء من الضحك والاستغراب والحيرة وكثيرة هي علامات الاستفهام التي تزاحمت في المخيلة حول الموضوع!
أما بالنسبة للتسعيرة المعلنة رسميا، فلم تكن لدى مجمل الجزارين الذين حاولت استفزازهم بها أكثر من حبر على ورق، فالكيلو الغنمي والعجل لم تقل قيمته عن ستة آلاف، والبقري عن 5000 أينما اتجهت.. مع العلم أن أسعار الكباش والتيوس حيث المربين في وادي سمع لا تتجاوز 45 ألف ريال للبالغة سن الذبح حسب القرار الأخير، والأثوار من 200 ألف إلى 250 ألفاً لأكبر ثور، ويبرر ذلك الفارق بحسب إفادة المربين أن المفاودين والجزارين يدعون أنهم يخسرون عليها الكثير في النقاط وفي أجور النقل، وأنهم إذا اشتروها بأكثر من هذه التسعيرة فإنهم معرضون للخسارة الأكيدة.
طبعا ليس من مساحة كافية هنا لاستعراض قدراتنا على الاستنباط ووضع التساؤلات، لاعتقادي أن مهمة الصحافة تنتهي بعرض المشكلة كما وجدت حية وخالية من المزايدات والإفك والافتراء على المختصين في الجهات المعنية، وهم من تقع عليهم مسؤولية إيضاح ما يلزم من الإيضاح، ووضع ما يجب من القرارات والتوصيات الكفيلة بمعالجة مثل هذه القضايا بعيدا عن التشنجات والعشوائية والارتجال التي قد تصاحب بعض الإجراءات غير المبررة بأكثر من قصور في وعي البعض بما يجب اتباعه في ظروف كهذه.
كما تجدر الإشارة إلى ضرورة سرعة العمل على إنشاء جمعيات لمربي الماشية لحمايتهم من الاستغلال، وضبط إجراءات تحصيل الرسوم بسندات مختومة من قبل وزارة المالية، وإنهاء نظام المقاولة الضرائبي المعمول به في نقاط الضرائب في مداخل المدن. وبالله التوفيق.