يقول السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- في “قيمة الجهاد في سبيل الله”:
الجهاد في سبيل الله ليس عنواناً للدفاع عن الله “سبحانه وتعالى”، بحيث يتصور الإنسان أن هناك خطراً يمكن أن يتوجه إلى الله، وأن الله طلب من عباده أن يدافعوا عنه، لا، الله “سبحانه وتعالى” هو القوي العزيز، هو القاهر فوق عباده، والمهيمن على السماوات والأرض، والمهيمن على عباده، حياتهم بيده، موتهم بيده، رزقهم بيده، وهو “سبحانه وتعالى” يمكن بفيروس صغير أن يسلطه عليهم فيقهرهم ويصل بهم إلى حالة الاستسلام التام والعجز التام، أو أن يسلب منهم حياتهم في رمشة عين، في لحظة، في ثانية، في أقل من ذلك، الكل تحت سلطانه وقهره وهيمنته.
الجهاد في سبيل الله هو وسيلةٌ للدفاع عن الأمة نفسها، لدفع الخطر عنها، للحفاظ على حريتها واستقلالها وكرامتها، للحفاظ على مبادئها، وقيمها، وأخلاقها، ومصالحها، وأوطانها، وممتلكاتها، فائدته وثمرته تعود إلى الناس في الدنيا والآخرة: عزة، وكرامة، وحرية، واستقلال.
والجهاد في سبيل الله وفق مفهومه القرآني، الذي يحرر الأمة من التبعية لأعدائها، ومن سيطرة أعدائها، ويكفل لها أن تكون أمةً مستقلةً، تبني مسيرة حياتها على أساسٍ من هدي الله وتعليماته المباركة لأن مشكلتنا مع أعداء أمتنا، مع أعداء الإسلام والمسلمين، هي هذه المشكلة: هم يريدون التحكم بنا، والسيطرة علينا، والتدخل في كل شؤوننا، والإملاء علينا بسياساتهم، بتعليماتهم، بتوجيهاتهم
يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً في ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله، ويتكرر هذا في القرآن كثيراً: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، عند الأمر بالجهاد يأتي بقوله “سبحانه وتعالى”: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، ويتكرر هذا كثيراً؛ وذلك ليكون جهادك من أجل الله أولاً، وليس من أجل هدفٍ آخر، أو مقصدٍ آخر تبتغيه من الناس، لا سمعة، ولا مكانة، ولا منصب، ولا مديح، ولا مكاسب مادية تبتغيها في مقابل ذلك، {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: من أجله، هذا أولاً، ووفق الطريقة التي رسمها وحددها في كتابه، فيكون تحركك في سبيل الله وفق تعليمات الله “سبحانه وتعالى”، وملتجئاً إليه، ومعتمداً عليه، ومتوكلاً عليه.
يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً في ما يتعلق بالجهاد: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}[الحج: من الآية78]، وهذا أيضاً بشكل أبلغ من قوله: {فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، يفيد أن يكون جهادنا في سبيل الله بكل إخلاص لله “سبحانه وتعالى”، ومن أجله، وابتغاء مرضاته، ومحبةً له، وطاعةً له، فيكون توجهنا في ذلك كله إلى الله “سبحانه وتعالى” من دون أي شائبة.
يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً عن الجهاد: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت: الآية69]، وهنا كذلك: {فِينَا}، من أجل الله “سبحانه وتعالى”، لا يدخل أي شائبة، أي مقصدٍ آخر من الناس نهائياً، هذا يخرِّب جهادك، يعطِّل جهادك، هذا مما يصرف الكثير عن مواصلة الجهاد في سبيل الله؛ لأنها تدخل مثل هذه المقاصد الشخصية، والأهداف الشخصية، وما يريدونه في مقابل ذلك من الناس، ما يريده من الناس، ما يريده من هذا أو ذاك، من هذه الشخصية القيادية أو تلك، وهذا يؤثِّر.
يقول “سبحانه وتعالى” أيضاً عن الجهاد: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: الآية207]، يبيع نفسه من أجل الله، ابتغاء مرضاة الله، فهو يسعى للحصول على مرضاة الله، هي هدفه الرئيسي، وليس مرضاة الناس، أو المواقع المعينة (مواقع المسؤولية)، أو المناصب المعينة تتحول هي إلى هدف رئيسي يعلِّق عليه جهاده، مكانة وسمعة معينة، مقاصد مادية ومكاسب مادية يعلِّق عليها جهاده.