طريق القدس من مكة

أحمد صالح جابر فلحان

 

ليس من اليمن أو فلسطين، بل هذه المرة من مكة والمسجد الحرام الذي شد الأنظار إليه مع نقل القنوات مشاهد خلو صحن الكعبة من المصلين والطائفين والركع السجود، نتيجة الحصار المضروب على المسلمين عن الوصول إليه من قبل نظام آل سعود ، مع بدء مناسك الحج الركن الخامس من أركان الإسلام.
وظهر صحن الطواف في الكعبة خاليا، وهو مشهد لم يكن يتحقق حتى في أحلك الظروف وفي ظل الحروب التي شهدتها الجزيرة العربية قبل الإسلام أو بعده .. إنها مشاهد صادمة بكل المقاييس .
منذ الجمعة الماضية أعلنت وزارة الحج السعودية إيقاف تصاريح الصلاة في المسجد الحرام، إيقاف تصاريح الصلاة في الحرم المكي ، بحجة الاستعداد لموسم الحج ، وإصدار التصاريح هو الآخر ظهر في ظل سياق متصل ظهرت نتائجه في صد المصلين والمعتمرين عن المسجد الحرام والكعبة الشريفة قبلة المسلمين.
وخلال شهر رمضان الفائت فرضت السلطات السعودية حصاراً على مكة والحرم المكي وأنذرت من يقوم باختراقهما بالحبس وغرامة قدرها 10 آلاف ريال سعودي .
وبحسب متابعين، فإن النظام السعودي اتخذ شهر رمضان الذي يعج عادة بالمعتمرين لكونه موسم رحمة ومضاعفة للأجر من الله ، بالون اختبار ليقدم على ما فعله ابتداء من الجمعة بإيقاف تصاريح الصلاة وإخلاء المسجد الحرام من المصلين ، وصولا إلى موسم حج تمثيلي وهزلي و لا يختلف عن المسرحية المعدة سلفا .
موسم الحج بدا من دون حجيج إلا من قلة اختارهم النظام السعودي ليشكل مسرحية وملهاة واضحة، يكسب من خلالها صمت الحكومات الإسلامية التي تلتزم الصمت للعام الثاني على التوالي أمام الصد السعودي والتحجج بمنع انتشار فايروس كورونا .
الحجة السعودية تبدو مفضوحة هي الأخرى، فبينما تفتح الدول مطاراتها وتتحرر من قيود كورونا بمن فيهم السعودية ذاتها، إلا أن الإغلاق قائم والسياسات الهادفة لتقييد الوصول إلى الكعبة على أشدها ويجري تشديدها بين الحين والآخر، بعكس الوضع العالمي في ما يتصل بكورونا .
الجدول السعودي للمجون والترفيه مزدحم هو الآخر ضمن موسم الرياض وجدة برعاية هيئة الترفيه السعودية ، القنوات السعودية تنقل صور الازدحام الشديد من داخل مدرجات الحفلات الموسيقية وغياب أي ضوابط تتصل بمنع انتشار فايروس كورونا ، بينما سيف الضوابط مشرع بوجه حجاج بيت الله الحرام وقاصديه للصلاة والعمرة .
مدرجات اللهو تزدحم برعاية رسمية ، بينما تخلوا ساحات الطواف حول الكعبة، شتان بين المشهدين ، ومحال أن يكون المنع صحيا بل سياسيا، كما يؤكد متابعون للشأن السعودي .
ويرى هؤلاء أن استمرار إغلاق السعودية للحرم المكي في ظل فتحها مدرجات اللهو ، دليل واضح على أن وراء الأكمة ما وراءها ، وأن إغلاق المسجد الحرم لا ينبع من ضرورة صحية ، بل خفايا سياسية لم تتضح بعد ولا يستبعد ارتباطها بمسار التطبيع الذي انخرطت فيه دول الخليج .
فركن الحج في الإسلام يعكس مظاهر الوحدة الإسلامية ويقوم على أساس البراءة من أعداء الإسلام ، الذين ترتمي السعودية في حضنهم بكل وضوح ، وإن لم يظهر ذلك على الطاولة بعد ، لكنه جلي إلى حد كبير ، وأصبح ميدانا للتنافس مع جارتها الإمارات التي بلغت في تطبيعها مع العدو الصهيوني حد الوقاحة .
بالتزامن مع خلو المسجد الحرام من الطائفين والراكعين ، وأول أيام المسجد الحرام، كان المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى يتعرض للاقتحام بشكل متواصل، في رسالة يهودية بالغة الدلالة بأن المسلمين يمنعون اليوم من مقدساتهم بأيدي اليهود وبأيدي عملاء اليهود وأصدقائهم في المنطقة العربية .
علماء المسلمين بشكل عام أدانوا الخطوة السعودية بإلغاء الحج للمرة الثانية ، ورأوا في ذلك صدا يستوجب انتقام الله ، فرب البيت الذي لم يعجزه حماية بيته من فيل أبرهة وجيشه ، ليس بعاجز عن حماية بيته وإنزال لطفه بضيوفه من مخلوق صغير لا يُرى، إن كان يشكل تهديدا فعليا كما يجري تصويره ، ومن يصد بيته الحرام .
قبل 6 سنوات مُنع اليمنيون وجرى صدهم عن المسجد الحرام وركن الحج الأعظم ، سكت المسلمون ، وها هم يشربون للعام الثاني على التوالي من ذات الكأس وعلى يد النظام السعودي .
الأهداف الحقيقية لصد النظام السعودي المصلين والمعتمرين عن المسجد الحرام لم تتضح بعد ، لكن الجلي أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ماض في سياسة الانسلاخ عن الإسلام وأن المسجد الحرام معرض للتهديد أكثر من أي وقت مضى ، خاصة وأن جد ولي العهد الحالي تخوف من تلبية طلب بريطاني بهدم الكعبة، كآخر معلم ديني يجمع المسلمين روحيا وجسديا ، ويقوم على توجيه بوصلة العداء نحوهم .
خلال العقود الماضية نجح آل سعود في تدجين فريضة الحج وحرفها عن مسارها، من فريضة عملية تهدد أعداء الأمة إلى طقوس تمارس ، وسفكوا في سبيل ذلك دماء مئات الحجاج الإيرانيين مطلع الثمانينات ، وسفكت دماء آلاف الحجاج الآخرين في فاجعة منى في الـ2015م ، ومنعوا خطباء المسلمين عن اعتلاء منبر عرفة وحصروه على المُسبّح بحمد حكام آل سعود آل الشيخ الذين لم يتورعوا عن الدعاء على الأمة، كما فعلوا خلال حرب اليمن .
وبالنظر إلى خارطة المشاريع السياحية المقامة حول المسجد الحرام نجد ببساطة أن تقييد وصول الغالبية العظمى من المسلمين إلى مكة ، كان هدفا سعوديا ، وكورونا الفايروس ليس سوى مطية سرّع من تحقيق هذه الأهداف التي بدأت باستيلاء النظام السعودي قبل عقود على حصرية تنظيم وإصدار تأشيرات الحج وتحديد أعداد الحجاج لكل قطر مسلم وفرض القيود تلو القيود على المعتمرين والحجاج والزائرين لبيت الله الحرام.
قد نكون وصلنا بحسب رؤية البعض إلى المراحل النهائية للمؤامرة على المسجد الحرام ، لكن النهاية تظل مرهونة بحكم رب البيت حين ظن أبرهة وجيشه أنهم استحكموا على البيت الحرام ، كما يظن آل سعود اليوم .. خسر مملكته وحياته معا .. التاريخ المرهون بالسنن الإلهية سيعيد نفسه.

قد يعجبك ايضا