فرض الله على المسلمين حج بيته الحرام، وجعله مثابة للناس وأمناً، حيث جعل الحج ركناً من أركان الإسلام وأنزل باسمه سورة في القرآن دون غيره من الأركان؛ لأنه الركن الذي يجتمع فيه المسلمون من كل بقاع الأرض، قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، بقلوبٍ يحدوها الأمل إلى عفو الله ورحمة، وأرواحٍ متجردة عن كل مغريات الدنيا، وأجساد تقف على صعيد واحد، بلباسٍ واحد، وجميعهم يطمعون في نيل رضوان الله، لا فضل لعربيٍ على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.
كما أن لهذا الوقوف الموحد الأثر التربوي الكبير على نفوس كل الحجاج باستشعار وقوفهم أمام الله في ساحة المحشر، بقلوب تنبض بالتوبة، وحناجر تجأر بالتهليل والتكبير، وألسن تلهج بالإنابة، وأيدٍ ترفع لنيل العفو والمغفرة تعرضاً لنفحات الله في تلك الأجواء الروحانية الإيمانية التي كانت تملأ الأرجاء بالتلبية والدعاء.
وها نحن نشاهد اليوم بيت الله الحرام وقد أفرغوه من زواره، وأوصدوا أبوابه، متسربلاً بأحزان الإسلام، وحاملاً أوجاع الأمة، وحيداً فريداً تحت قيود الأعداء، مكبلاً يرزح، وتحت مؤامرة البغاة الكيدية يقيم، وهم الذين صوروا الحج بالخطر على صحة المسلمين، وبأنه يوزع الفيروسات؛ لتقضي على زواره، وقد وصف الله بيته الحرام بالمكان الآمن في قوله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).
يا له من كيد!! ويا له من مكر، ويا له من خداع على الإسلام والمسلمين، حيث تمنع شعائر الله أن ترفع تنفيذاً لمؤامرات الأعداء من اليهود والنصارى، بينما البارات تفتح لممارسة الدعارة والرذيلة، والملاهي تقام لممارسة الفسق والفجور دون قيدٍ أو شرط، لا كورونا ولا غيره؛ وذلك لبث سموم مؤامرات قوى الاستكبار والكفر والضلال القاتلة بين شعوب الأمة لتدجنها وتصنع منهم جيلاً منحطاً؛ ليسهل عليها السيطرة الكاملة عليه، وتعمل جاهدة على تشويه بيت الله الحرام بمختلف الوسائل، وتجعل من بيت الله الفيروس المعدي الذي يتسبب في نشر هذا المرض.
إنها والله الغربة يا قبلة الإسلام والمسلمين، لكن نعاهدك أن هذه الغربة لن تطول، مادامت الدماء تجري في عروقنا وما دمنا أحياء وما دمنا نملك رجال الرجال، فسوف ننقذك من جور الجائرين، ونكسر قيودك من سجن المعتدين، ونحررك من أسر الماكرين، وسننهي العار الذي لحق بالإسلام والمسلمين باستئصال آل سلول، الغدة السرطانية التي زرعت في قلب الأمة الإسلامية، وسنعيد المؤتمر الإسلامي العالمي الذي أراده الله؛ ليلتقي فيه المسلمون من كل أقطاب الدنيا تحت راية الإسلام؛ ليتزودوا من معينه الصادق وينهلوا من علمه الزاخر ويرتووا من كوثره العذب النقي ويحملون جوهره الأصيل لكل الدنيا، بعيدا عن الزيف والمكر والخداع والضلال، كما تقتضي حكمة البارئ تبارك وتعالى.