الإمارات في اليمن.. عُدوان سبق التطبيع

أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور

 

 

عَبث شيوخ الإمارات بدماء اليمنيين وأرواحهم فما الضير من أن يُتاجر هؤلاء الأَعْرَاب بقضيتنا العروبية المركزية فلسطين؟
هؤلاء القادة الإماراتيون، يرتكبون الجرائم بحق أهلنا في عدن وسائر المدن اليمنية المحتلة.
لو لم تنقل وسائل الإعلام المرئية تلك المشاهد المُخزية لجموع من سُكَّان مشيخة الإمارات العربية المتحدة ومسؤوليها، من الشيوخ والمسؤولين العاملين معهم، لَما صَدَّق العالم العربي تلك المشاهد، وأنَّها “لعرب من عُربان الخليج الأَعْرَابــي”، وأنَّ هؤلاء الأَعْرَاب يتحدّثون باللغة العربية بطلاقة، ويَتلون مع المسلمين قراءة القرآن الكريم، ويتّجهون في الصلاة نحو الكعبة المشرَّفة لتأدية فروض الصلوات الخمس يومياً، ويتبجّحون بأنَّهم “ساعدوا” أشقاءهم العرب والفلسطينيين ذات يوم.
كُلّ هذا المشهد التراجيدي لذلك “العربي”، الذي نسي عروبته وقَدَّس عدوه الصهيوني الإسرائيلي، ليَظهر معه للعلن وللرأي العام، عربياً وإسلامياً وأجنبياً، في جميع النشرات الإعلامية، متشابكَي الأيدي، يؤدّيان رقصةً جماعيةً مُخزيةً، ويقوم نفرٌ آخر بزيارة إحدى المستوطَنات أو المغتصَبات في الضفة الغربية الفلسطينية العربية، والتي تُأوي أشد اليهود الصهاينة تعصباً وكرهاً للعرب وللمسلمين أجمعين. وفوق الزيارة يتم منح مساعدة مالية مُجزية لهؤلاء الصهاينة المغتصِبين.
الأسوأ من هذا وذاك زيارة سفير الإمارات العربية المتحدة في “تل أبيب”، محمد آل خاجه، التجمعَ اليهودي المتطرف بقيادة كاهنه المتعصب الحاخام شالوم كوهين، والمعروف عنه أنه الأكثر يمينيةً وصهيونيةً وعنصريةً من غُلاة التطرف الصهيوني، كهرتزل، وبن غوريون، ونتنياهو، وشامير.
زار ذلك السفير، آل خاجه، العربي”، الكاهنَ في مخبئه ليأخذ منه البركات والرحمة والغفران. هل يستطيع القارئ أن يتخيّل أنَّه شاهد مشهد الخزي والعار والانحطاط الخليجي في أقبح صوره، وذلك السقوط أخلاقياً وإنسانياً، وأْن يشاهد في العالم أجمع مشهداً كهذا؟! حتى لو افترضنا جدلاً أنَّ العُربان الإماراتيين دخلوا معركة عسكرية مباشرة، وتعرّضوا للهزيمة أمام الإسرائيليين في إحدى المعارك التي حدثت بين العرب والصهاينة الإسرائيليين. حتى هذه الفرضية الخيالية لن تصمد طويلاً أمام المشهد الحزين وبؤس الحدث المروّع.
لقد تناسى هؤلاء الأَعْرَاب الإماراتيون تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وأنَّ العالم الغربي “الليبرالي” أراد أن يحلّ القضية اليهودية لديه على حساب أهلنا في فلسطين. وتناسَوا مشاهد آلاف الشهداء، وملايين المشرَّدين المهجَّرين من أهلنا العرب في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن، مُنذ أُبرِمت قرارات التقسيم لفلسطين في أربعينيات القرن العشرين. وتناسَوا تلك الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية كـ”هاغاناه”، و”أرغون”، و”شتيرن”، وهي تعذّب أحرار فلسطين وتقتلهم، وتطرد أفراد الأُسر الفلسطينية، جماعات وفرادى، من قراهم ومدنهم ومحل سكنهم. الغريب أنَّ مشاهد التهجير والتهويد وتدمير المساكن تتوارد علينا في كل نشرة إخبارية يومية حتى يومنا هذا، ناهيكم عن ما تعرّض له قطاع غزة في جميع الاعتداءات الصهيونية المتكرّرة، وكان آخرها معركة المقاومة الفلسطينية ضدَّ الاحتلال الصهيوني، انتصاراً للقدس الشريف، تحت مسمى “سيف القدس” في عام 2021م، والتي خسر فيها أهلنا في قطاع غزة عدداً من الشهداء تجاوز 119 شهيداً، معظمهم أطفال ونساء، و1600 جريح، وما زالت جِراحهم حية وطرية ومفتوحة.
ألا يتبادر إلى أذهان العرب الأحرار، من المحيط إلى الخليج، أنَّ هؤلاء العُربان المطبعين هم عرب يهود في الأصل، كما تنبّأ بهم المفكّر المصري العروبي، عبد الوهاب المسيري، رحمه الله، وقال إنَّ هؤلاء العرب اليهود سيتسلّلون من بيننا، من بين حاراتنا وحوافينا وقرانا ومدننا، وسيتحدثون بلغةٍ عربيةٍ فصيحةٍ مثلنا، وسيزايدون بوطنيتهم وعروبتهم أكثر منَّا. أمّا في المحتوى، فَهُم “عرب يهود”.
ولتذكير القارئ العربي اللبيب المحترم، فإنَّ هؤلاء الأَعْرَاب الخليجيين شنُّوا حرباً عدوانيةً قذرة على الشعب اليمني. شنُّوها على الجمهورية اليمنية بتاريخ 26 مارس 2015م. وفي صبيحة ذلك اليوم الأسود قذفوا آلاف الصواريخ والقنابل المحرَّمة دولياً على أطفال اليمن ونسائه وشيوخه، ودمَّروا معظم بنيته التحتية، وشرّدوا كفاءاته وقُدراته، وحاصروا أجواءه وبحاره وبراريه. لقد قاموا ويقومون حتى اليوم بأقذر حرب عدوانية، تحت لافتات ومبرّرات كاذبة مزوِّرة ومزيِّفة للحقائق، ليقول هؤلاء الأَعْرَاب للعالم، في وسائل إعلامهم، إنَّهم يقاتلون “ميليشيات تابعة لإيران”. والغريب العجيب أنَّهم يردّدون ذلك القول ببلاهةٍ مُفرطة، ومصطلحات ممجوجة ساذجة. وحينما يُسألون: هل أسرتم حتى طباخاً، أو منظفاً، أو جندياً إيرانياً؟ يردّون عليك ببلاهة المعتوه، ويقولون إنَّهم خُبراء محصَّنون في المدن، وحتى المَغاور. أيّ نوع من البشر هؤلاء العُملاء والمرتزقة السُذَّج، خُدَّام القائد الإماراتي الأَعْرَابِي المُتصهين؟
هؤلاء الإماراتيون، مُنذ سبع سنوات عِجاف، ارتكبوا جرائم حرب بحق أهلنا في عدن وأبين ولحج وشبوة وتعز وحضرموت وسقطرى. يرتكبون أفظع الجرائم بحق الشعب اليمني، الذي قال فيه الرسول الأعظم محمد، صلى الله عليه وسلم، قال: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، بالإضافة إلى نحو خمسين حديثاً نبوياً شريفاً عن أهل اليمن.
هؤلاء القادة الإماراتيون، من دون أدنى خجل، يرتكبون الفواحش والموبقات والجرائم بحق أهلنا في عدن وسائر المدن اليمنية المحتلة، ويشترون العملاء والمرتزقة بأرخص الأسعار، ويبيعونهم بعد حينٍ من دون أدنى اعتبار لهؤلاء العُملاء، ولا المآلات التي تنتظرهم.
شيوخ الإمارات العربية المتحدة تجاوزوا في سلوكهم وأفعالهم الإجرامية ضد اليمنيين كل حدود المنطق الأخلاقي، وحتى معاني الميكافيلية السياسية المتعارف عليها. وأحد تجلّيات تلك الممارسات الرعناء، تَعاملُهم مع أهلنا في جزيرة سُقطرى، التي عبثوا بها أيَّما عبث. وكمثال على تلك التصرفات، نورد الآتي:
أولاً: نقلوا كميات كبيرة من مقتنياتها الزراعية، كأشجار “دم الأخوين” النادرة مع تربتها، إلى مدينتي أبو ظبي ودبي.
ثانياً: ألغوا نظام الاتصالات المصمَّم من جانب وزارة الاتصالات في الجمهورية اليمنية ـ صنعاء، ووضعوا مكانها نظام اتصالات يتبع وزارة الاتصالات في مشيخة الإمارات العربية المتحدة.
ثالثاً: سيطروا، عبر مرتزقتهم وعملائهم، على مطار سُقطرى ومينائها البحري، وسيَّروا رحلات جوية وبحرية من دون عِلمْ السلطة المحلية في الجزيرة. وشُوهد عددٌ من قطعان بشرية يتجوّلون في أجزاء الجزيرة من دون حسيب أو رقيب، واتَّضح لاحقاً أنَّهم جنود وخُبراء من الكيان الصهيوني الإسرائيلي، وربما من أمريكا.
رابعاً: قامت الحكومة المركزية في أبو ظبي ومشيخاتها الفرعية بعملية تجنيس واسعة لضعاف النفوس من المجتمع السقطري، ليسهّلوا لهم توطين إماراتيين في الجزيرة، عبر شراء الأراضي والمزارع، وصولاً إلى شراء أجزاء من المحميات الطبيعية.
خامساً: نشر مواد وكتب وأفلام إعلامية وتوزيعها، على نحو مكثّف، للترويج في أوساط الشباب والبسطاء أنَّ الجزيرة هي مُكوّن تاريخي واجتماعي وبشري يَتْبع مشيخة الإمارات العربية المتحدة.
سادساً: حاول شيوخ الإمارات الإيعاز إلى الحكومة الصومالية في مقديشوا في ادّعاء طلب اللجوء إلى المحاكم الدولية، عبر القول إنَّ أرخبيل سُقطرى يتبع أراضي الصومال، وإنَّ الاستعمار البريطاني هو من منحها قُبَيل رحيله لأراضي جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في عام 1967م. لكن الإماراتيين فوجئوا بردّ الأشقاء الصوماليين الصادم، إذ أبلغوهم بأنَّ أرخبيل سُقطرى يمني خالص، مُنذ أن خلق الله الأرض ومَن عليها.
سابعاً: طبعوا العُملة النقدية الورقية اليمنية الريال، عبر تزويرٍ واضحٍ، إذ أنَّ مقياس الريال اليمني المطبوع زُوراً في مطابع الإمارات يشبه الدرهم الإماراتي ويساويه في القياس والمقاس. وحاولوا أن يوزّعوه على مرتزقتهم وعملائهم المستأجَرين، لكنهم فشلوا بسبب صحوة المواطنين الأحرار في محافظاتنا اليمنية، الواقعة تحت الاحتلال الإماراتي – السعودي.
الخلاصة:
لقد عَبث شيوخ مشيخة الإمارات العربية المتحدة وبالغوا في العبث بدماء اليمنيين وأرواحهم في جنوب اليمن وشماله. فما الضير والمانع إذاً من أن يُتاجر هؤلاء الأَعْرَاب بقضيتنا العروبية المركزية، وهي قضية فلسطين، الغالية على كل أحرار العرب والمسلمين والعالم أجمع.
وفوق كُل ذي عِلْمٍ عَلِيم.
*رئيس مجلس الوزراء
صنعاء – يوليو – 2021م

قد يعجبك ايضا