حين تصبح دعوى امتلاك الحقيقة جريمة!

عبدالعزيز البغدادي

 

أن يدعي الإنسان امتلاك الحقيقة في مسألة من المسائل ويسعى لتقديمها للناس ويحاول إقناعهم بها بطرق علمية وسلمية هذا حق له في القانون ، وهو في الدين اجتهاد له أجران إن أصاب وأجر إن أخطأ حسب القاعدة الفقهية أو الحديث الشريف.
لكن حين يتحول الادعاء إلى حكم يسعى صاحبه إلى فرضه على الناس بالقوة فإن ذلك يحوِّلُ النعمة إلى نقمة والحق إلى جريمة والفرصة إلى تحدٍ قاتل !، ومن يراجع التاريخ العلمي والسياسي يدرك هذه الحقيقة ومدى تأثيرها على حياة الأمم والدول والجماعات والأفراد.
لقد شهد العالم عبر تاريخه الطويل صراعات يصعب حصرها قامت على أساس الرغبة في الهيمنة واحتكار السلطة وفرض الأفكار والرؤى والعقائد كوسيلة للهيمنة بقوة السلاح ، وانتصر في هذه الصراعات بعض الطامحين والطامعين والمهووسين بالسلطة في تحقيق ما أرادوا وانهزم البعض الآخر أمام جبروت وطغيان خصمه ليعد العدة للانتقام وقلب الموازين ، لذلك لم يبق من يوصف بالمهزوم مهزوماً ولا من يدع النصر منتصراً ولكن بقيت أحقادهم ضد بعض حية مشتعلة ، وزادت معاناة البشرية من ويلات دوامة الحروب والعنف وارتفع رصيدها من المآسي ليدخل الجميع في خانة الهزيمة المستمرة إلى أن يجد العقل طريقه إلى وعي الإنسان ، مع التأكيد المستمر على ضرورة التفريق بين من يحارب عدواناً وظلماً بهدف الهيمنة والتسلط واحتلال أراضي الغير ومن يحارب دفاعاً عن نفسه وكرامته واستقلاله وسيادة وطنه ، ومن البديهي أن المتصارعين لا يمتلكون حق تحديد من هو المعتدي ومن هو المدافع عن نفسه وفق قاعدة عدم جواز أن يكون الإنسان خصماً وحكما في ذات الوقت ، ولذا لا بد من وجود طرف ثالث مع التأكد من كونه بالفعل محايداً وقد عز وجود من يقف موقف الحياد في زمن الصراعات التي تطورت أشكالها وكثرت أعدادها وكاد صوت الضمير الحي أن يغيب فمن المعلوم والمؤسف على مستوى العالم أن نرى ونعايش على سبيل المثال ممارسات من يفترض أنه الراعي لميثاق الأمم المتحدة (منظمات الأمم المتحدة ) وإن بنسب متفاوتة بعيدة عن الحياد في التعامل مع الشؤون الدولية والحرص على الأمن والسلام الدوليين ، حيث تحولت مع الأسف الشديد في كثير من الحالات إلى طرف مساند للإرهاب الدولي ومشرعن له بل وسلاح بيد قوى الهيمنة ومستثمري الحروب العدوانية في العالم وهي قوى تعمل باستخدام ما يسمى بالشرعية الدولية والمجتمع الدولي على حرف المكتسبات الإنسانية عن مسارها المفترض في خدمة الإنسان.
هذه إشارة مقتضبة عن دعاة امتلاك الحقيقة والساعيين إلى الهيمنة عن طريق الإرهاب المادي والثقافي على العالم باسم الحقيقة والشرعية على مستوى الدول وسلطاتها مهما اتسعت رقعة الهيمنة والسيطرة أو ضاقت.
أما على مستوى الأفراد والجماعات داخل كل دولة فإن حرية الفكر والإبداع كقيمة حضارية وإنسانية إذا قامت على الإقناع والحجة والبراهين المختلفة والسعي لتمكينها من تعميم فائدتها على مستوى الفكر النظري الاجتماعي الإنساني أو على مستوى الفكر العلمي التطبيقي يصبح مثمراً ومنتجاً ويدخل ضمن الملكية الإنسانية ، ويخدم التراكم المعرفي العالمي أما إذا وُجد من يسعى إلى فرضه على الآخرين بالقوة والإرهاب كما حدث مع الفكر الوهابي الذي نشأ ضمن نسيج النظام السعودي وتفرعت عنه الجماعات التي نشرت الإرهاب باسم الجهاد في العالم وكل من يعتمد القوة والإرهاب في فرض معتقده فانه يُسيء إلى الدين ويشكل عمله جريمة وفقاً للقانون والدين والأخلاق لقيامه على الإكراه ، و(لا إكراه في الدين) ، فحرية الإنسان تنتهي حينما تبدأ حرية غيره.
هُناك خيط رفيع يُميز الإرهاب عن حرية الفكر والإبداع والجهاد بمفهوم فرض الدين والمذهب واحتلال الأوطان عن الجهاد بمفهوم الدفاع عن الدين والوطن ، وعلى الرغم أن هذا الخيط رفيع فإنه أوضحُ من الشمس لمن يمتلك البصيرة وهو أظلم من الليل عند من يفتقرُ إليها .

في الكائنات وفي كل شيء أرى الله
مالك الملك ليس له من شبيه
يهيمن بالقسط قدرته لا تحد
فهلاّ رآها الطغاة ؟!

قد يعجبك ايضا