ظاهرة ارتفاع الاستهلاك في عيد الأضحى

احمد ماجد الجمال

 

الاستهلاك في أوساط المجتمع الحديث زاد بشكل لم يكن معروفاً فيما سبق، كما نجمت عنه مجموعة من القيم والقواعد التي تنظم حياة المجتمع في ضوء زيادة الاستهلاك الذي يعتبر قيمة اجتماعية كبرى، ومحوراً مهماً في النشاط الاقتصادي, فزيادة الاستهلاك في حد ذاته وبصرف النظر عن الحاجات التي يشبعها هذا الاستهلاك المتزايد، أصبحت من قواعد الإنتاج في العصر الحديث, وكانت لهذه الظاهرة آثار بعيدة على الاقتصاد، كما لها آثار ونتائج أكثرها سلبية على السلوك الإنساني والاجتماعي.
وإذا كان مجتمع الاستهلاك قد أدى إلى الزيادة المستمرة في استهلاك الفئات الأقل دخلاً , إلا أنه لم يخل من انتقادات كبيرة- مردها نظرته المادية في الاستهلاك للمناسبات الدينية بالذات ،كونها ابتعدت عن المثل الخلقية والثقافية وجعلت الغرض منها تنمية الفرد وقدراته المادية ليصبح أداة للاستهلاك، دون أن يجعل منه إنساناً منتج، ويتضح أن السلوك المادي في هذا العصر الحديث هو السائد بسبب ابتعاد العقل عن الجانب  الروحي وتغليبه الحس المادي، ولعل أبرز الدلالات الكاشفة  ارتفاع معدلات الاستهلاك لأنها من المشكلات العميقة اليوم، فوجود اختلاف بين ما هو واجب القيام به وما هو ممارس في الواقع، وربما هذا الاختلاف حسبما تتم الإشارة إليه ينبع عادة من الاختلاف بين النظرية والتطبيق.
السؤال المطروح عن علاقة الأعياد الدينية بظاهرة الاستهلاك المتزايد تجاه تنوع السلع في عيد الأضحى مثلا رغم ارتفاع أسعار معظم المواد ومتطلبات هذه المناسبة من تكاليف زيارات المعايدة وحضور مناسبات الأعراس التي يزداد رواجها في مثل هذه الأيام المباركة إضافة إلى مأكولات ولحوم وملابس وحلويات ومشروبات بطابع استهلاكي عال…متجاوزاً طابع التوسعة على الأهل كما أمرنا به ديننا لأنه دين التخفيف ورفع التكلفة والحرج عن الإنسان ,وبما أن للبعد الديني دوراً في تفعيل ترشيد نمط السلوك الاستهلاكي للأفراد والفهم الصحيح لمعنى شعيرة العيد الذي أصبح ميزة الاستهلاك المفرط فيها من المظاهر المخلة لمعناها الحقيقي، فصفة استهلاك الفرد المسلم في المجتمع هي الكفاية لا التبذير وإن منفعته هي في تحقيق ليس فقط الإشباع المادي بل والإشباع الروحي والسلوك المتوازن والمترابط بينهما وفي ممارسة كامل نشاطات المناسبة السعيدة دون المساس بحق الأفراد بذلك وإن منفعته تتحقق عوضاً عن الإسراف ألبذخي والتبذير في ظل سيطرة عوامل التقليد والمحاكاة وفنون الدعاية والإعلام وجشع التجار وتنافسهم في تحقيق أعلى مستويات الربح حتى في الغش التجاري من ناحية الجودة والسعر , فالأعياد الدينية تدعو إلى نهي النفس عن الشهوات والطمع، لذلك من المهم أن يكون ترشيد حجم النفقات والمصروف حسب مضمون التعاليم الدينية الصحيحة استهلاكيا وبعيداً عن الإسراف والزيادة ومعرفة حقيقة الضروري والحتمي ومعرفة ما إذا كان هناك ترشيد وتوازن يمكن التحدث عنه والعمل به كون الاستهلاك المتزايد دون تبرير صادق معناه المزيد من التبعية والاعتماد على الغير وهذا ما يشير إلى وجود أبعاد وراء مشكلة الاستهلاك الشره الذي ساعد على تبلور فكرة السلوك السلبي له والتي تهدد حياتنا الاقتصادية ,خاصة أن حالة الاستهلاك غير العادي في عيد الأضحى تدعو إلى التأمل والمراجعة  والدلالة التي تنطوي عليها ومناقشتها بطريقة عقلانية واضحة ومقنعة لأنها أصبحت عادة ومنهجاً وأن الطفرة التي تحدث في نسقه جعلت الناس يغيرون سلوكهم في الإنفاق بالزيادة على اقتناء حاجيات ومتطلبات مختلف السلع ذات الطابع الاستهلاكي البحت بشراهة وتصل في بعض الأحيان إلى درجة الإسراف والتبذير متجاوبة ومتماشية حتى مع ارتفاع الأسعار حيث أصبح التغيير في نمط السلوك في عيد الأضحى عادة ذات أهمية كبيرة في حياة الأفراد والجماعات وتعاني منها شريحة كبيرة من أفراد المجتمع وتحديداً في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به بلادنا من الحرب والعدوان والحصار وكذلك من الناحية الاجتماعية، ولكن أيضا له أبعاد من الناحية الدينية والاقتصادية، لأن عيد الأضحى مناسبة دينية والظاهرة التي تتخللها اقتصادية ومن هنا نجد العلاقة بينهما عالية كما أن ظاهرة الاستهلاك تتطور تبعاً لتزايد العروض لحاجيات ومتطلبات المناسبة التي تتماشي مع متغيرات العصر ورغبة الأفراد في التشبع بأعلى درجات الاستهلاك لمختلف السلع المعروضة لهم في مثل هكذا مناسبة حتى أصبح الفرد في صراع دائم مع رغبات نفسه وحيرة وضيق وحرج بسبب قدوم عيد الأضحى المبارك.
هكذا يجري الاستهلاك في هكذا مناسبات ويجر وراءه الأمراض التي تصيب البيئة وأجسام المستهلكين أنفسهم إذا زاد والعكس صحيح إذا نقص, لذا نجد أن الشريحة الكبيرة من أفراد المجتمع تعاني من تدني الدخول وضعف القدرة على شراء ما يعجبها أو ما تحتاجه وما تبهرها به عروض التخفيضات والإعلان والمحل والأضواء أو ذكاء البائع أو اسم الشركة والماركة المسجلة أو حتى مفهوم تزاحم العقلية الاستهلاكية التي يمتاز بها الإنسان كالرغبة الدائمة في امتلاك الأحدث والأكبر والأشهر، وربما ليس من المهم لديه دراسة سلبيات وايجابيات ما يتم شراؤه وما إذا كان يناسب الحاجة الفعلية والحقيقية، لكن في الحالة القائمة لدينا حالياً أن أكثر الناس تتركز مطالبهم في كيف يمكن تحقيق الكفاية ولو في الحد الأدنى مما يصبو اليه من تدبير وتأمين ما يمكنه من تغطية الحاجات الأساسية في المقام الأول كي يواجه صعوبات الحياة وتحدياتها اليومية، ناهيك عن التمكن من تغطيه نفقات مثل هذه المناسبات ولهذا وللحصول على أقصى إشباع أو منفعة ممكنة من استهلاك السلعة أو الخدمة فإن ذلك يأتي عبر التعود والتعلم على الاختيار والتوازن الصحيح والمناسب بأقل تكلفة وبحسب القدرة المالية المتاحة كونه الطريق الأنسب.
* باحث في وزارة المالية

قد يعجبك ايضا