مع شيوع أجهزة الهاتف النقال الحديثة وأجهزة الكمبيوتر والألواح الذكية، والتقدم الهائل في برامجها، يحتل الكتاب الالكتروني مكانه داخل هذه الأجهزة وبدأ رحلة الانتشار الواسع، ليس فقط في مجتمعات البلدان المتقدمة بل وفي معظم البلدان النامية والفقيرة، وبهذا انتشرت بشكل كبير سوق الكتب الالكترونية خاصة بعد بزوغ أجهزة وأنظمة تدعم تصفح هذه الكتب بشكل يسير وسهل وبإمكانيات مادية زهيدة، وعلى نفس الموال سعت الجامعات في أنحاء العالم إلى ترقيم مكتباتها وجعل الكثير من محتوياتها في متناول الجميع.
لقد كان أول استخدام لمصطلح الكتاب الالكتروني في نهايات القرن الماضي عام 1990م مع بداية استخدام طريقة تخزين ونشر الوثائق إلكترونياً (رقمياً) وعليه يعرف (الكتاب الالكتروني) بأنه صيغة رقمية لنص مكتوب، كما يمكن أن يعرف بأنه مصطلح يستخدم لوصف نص مشابه للكتاب ولكن في شكل رقمي، وذلك ليُعرض على شاشة الكمبيوتر.. فأي موسوعة مخزنة على قرص ليزر تعتبر كتاباً إلكترونياً.
أما عن تاريخ الكتاب الالكتروني فتعود فكرة الكتاب الإلكتروني إلى أوائل التسعينيات وأحد مبتكريها هو “بوب ستاين” الذي عقد مقارنة بين القراءة من خلال الشاشة الكمبيوترية والقراءة من الكتاب الورقي فتوصل إلى نتيجة مفادها أن القراءة من جهاز إلكتروني تتميز على القراءة من كتاب تقليدي بمزايا عديدة غير أن البعض اعترض على ما توصل إليه من نتيجة على اعتبار أن الكمبيوتر أثقل حجماً من الكتاب العادي فضلاً عن العديد من العيوب التي حاول المبتكرون تلافيها حتى توصلوا إلى أجهزة إلكترونية أخف حملاً وتم إدخال العديد من البرامج التي تتيح للقارئ إمكانية وضع علامات على الصفحات وإمكانية التسجيل على حواشي الكتاب، وإمكانية قراءته في الظلام أو الضوء الضعيف، حيث زودت بعض الأجهزة بوحدات إضاءة ، فضلاً عن تحول الكتاب إلى النظام السمعي في حالة الإجهاد البصري.
وكغيره من محتويات وسائل الاتصال الحديث يحظى الكتاب الالكتروني بالكثير من المميزات، منها سهولة الحصول عليه، وإمكانية ربط كلمات أو عبارات الكتاب الإلكتروني بمصادر أعمق للمعرفة، كالقواميس ودوائر المعارف أو الموسوعات على شبكة الانترنت، وكذلك إمكان دعم الكتب الإلكترونية بالوسائط المتعددة نحو الصوت والصورة الساكنة والمتحركة، والتوفير في زمن وتكلفة النقل والتخزين وغيرها من المميزات.
ومع كل ذلك إلا أن هناك العديد من العيوب ومن أهمها ضياع حقوق التأليف والنشر خاصة مع عمليات القرصنة في دول العالم الثالث.
ومع الانتشار الواسع للتقنيات ومن أهمها الألواح الذكية وأجهزة الجوال الحديثة فإن الكثير من المهتمين يؤكدون أن المستقبل سيكون للكتاب الإلكتروني واستخدام حاسبات “الكل في واحد”، وهذا ما نجده حالياً، حيث أن النشر فيه سيكون أكثر سهولة بالإضافة إلى كونه سهل الاستخدام وغنياً بالإمكانيات ومن السهل استخدامه من قبل شريحة أكبر من الناس، كما يرى المختصون أن سلوكيات البحث عن المعلومات وعادات القراءة ستتغير أيضًا لدى شرائح المجتمع الأصغر سنًا، والذين هم أكثر الفئات استخداماً للحاسب والإنترنت، حيث أن العبرة هي في الحصول على المعلومة التي نحتاجها في الوقت المناسب وليس في نوع الوعاء، ورقياً كان أم إلكترونياً.
والملاحظ أن النشر الالكتروني أصبح سهلاً ومتاحاً لشريحة أكبر من المؤلفين والمثقفين والمبدعين في شتى مجالات الإبداع سواءً في وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال المواقع والمجلات الالكترونية.
وعلى الرغم مع التخوف الكبير من عدم الاهتمام بالكتاب الورقي إلا أن الواقع يحكي غير ذلك، فلا تزال معارض الكتاب الدولية منتشرة وقائمة في معظم مدن العالم، وستتعايش الكتب الورقية جنبًا إلى جنب مع الكتب الإلكترونية بل وستدعم بعضها البعض إلى جانب وسائل الاتصال المختلفة كالإذاعة والقنوات التلفزيونية والصحف والمجلات الورقية وغيرها.
ومع قيام العديد من الشركات العالمية بطرح أجهزة تصفح للكتب الإلكترونية ازدهرت سوق الكتاب الالكتروني في بلدان العالم المتقدم حيث بدأت جميع الشركات التقنية بطرح أجهزة بميزات متعددة، وهذا ما جعل الخبراء يتوقعون أن تتوسع سوق الكتاب الإلكتروني بشكل واضح خلال السنوات القادمة، خاصة بعد التنافس الشديد بين الشركات العالمية في طرح أجهزتها المختلفة والعمل على تطوير برامجها وزيادة حجم السعة في هذه الأجهزة بما يجعلها تستوعب الكثير من الكتب إضافة إلى استيعاب الألعاب التي تروق للكثير من القراء.
أما بالنسبة للمكتبات الرقمية فقد بدأ الحديث عنها منذ العام 1992م باعتبارها موجة المستقبل، لكن الفكرة أصبحت منذ ذلك الحين موجةَ الحاضر، وأمرا واقعاً، حيث بدأت العديد من الجامعات العالمية إنشاء المكتبات الرقمية وجعلها في متناول طلابها، وقد وصل ببعض هذه الجامعات إلى تحويل أكثر من 70 ألف كتاب إلى المكتبة الرقمية وأصبح الكثير من الباحثين والمهتمين وطلاب الجامعات يحصلون على هذه الكتب الكترونياً وهم أمام أجهزتهم الالكترونية يتصفحونها.
ويؤكد الباحثون أن الذي ساعد على انتشار القراءة الالكترونية حول العالم هو وجود الملايين من الكتب الالكترونية في مختلف مواقع الانترنت، منها ما يقرب من ثلاثة ملايين كتاب الكتروني متاحة للتحميل المجاني وبصورة قانونية حسب قوانين الملكية الفكرية، من هذه الكتب المجانية ما يعود تاريخ نشره لما قبل العشرينيات من القرن الماضي وبالتالي سقطت عنه حقوق الملكية الفكرية الخاصة، وأصبح ملكية عامة.. مشيرين إلى أن الكتب الالكترونية التي تباع بأسعار زهيدة جداً مقارنة بالكتاب المطبوع ورقياً لأسباب عدة، فالنشر الالكتروني لا يتكلف مصاريف الطباعة والورق والشحن والتخزين وما إلى ذلك، ولم تعد الكتب الالكترونية منتشرة فقط وسط الشباب، بل تستهوي كبار السن ممن هم في سن الخمسينيات والستينيات.
ومع أن الكتاب الالكتروني قد أصبح واقعاً معاشا، ينبغي تركيز جهدنا على الحفاظ على علاقتنا بالقراءة، فالكتب وسائط متوافقة للمعرفة سواءً كانت ورقية أم الكترونية.