يقول السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- في التواصي بالحق:
“لا بدَّ أن نتقبل من بعضنا البعض التواصي بالحق، وأن يعتبر الإنسان هذا أمراً إيجابياً، وأنه علامة إيجابية ومؤشر إيجابي، الإنسان مهما كان موقعه ومرتبته في المسؤوليات، أنت رئيس، أو أنت قائد، أو أنت زعيم، أو أنت مدير، أو أنت وزير، أو أنت مسؤول، أو أنت شيخ، أو أنت مشرف… في أي مستوى من مستويات المسؤولية، وفي أي موقع من مواقع المسؤولية، وفي أي مرتبة أنت، لا تأنف عندما توصَّى بالحق، لا تغضب عندما توصَّى بالحق، لا تستأ عندما توصَّى بالحق، لا تنفعل عندما توصَّى بالحق، لا تعادي من يوصيك بالحق؛ لأنه أوصاك بالحق، لا تحاول أن تتغير في علاقتك معه، البعض قد يستاء ممن يوصيه بالحق بشكل ملاحظة تجاه أمر قصَّر فيه، أو تجاه خطأ في موقف معين أو سلوكٍ معين، قد يغضب وينفعل ويستاء من ذلك الشخص، ويتخذ منه موقفاً، قد يتعامل معه بالإقصاء إذا كان في نطاق مسؤوليته، في إطار مديريته كمدير، أو في نطاق إشرافه كمشرف، أو في إطار مسؤوليته كقائد؛ لأنه أوصاه بالحق يأنف منه، يغضب منه، يستاء منه، يحاول أن يبعده عنه وأن يتخلص منه، هذه جريمة، لا يجوز للإنسان أن يستاء لهذه الدرجة..
ثم أيضاً عملية التواصي بالحق لا بدَّ أن تكون بدافعٍ صحيح، بدافعٍ إيماني، وبطريقةٍ صحيحة، وبكيفيةٍ صحيحة، وفي جوٍ من المسؤولية والأخوة، لا تتوجه عملية التواصي بالحق إلى مناكفات إعلامية، لا تتحول عملية التواصي بالحق إلى تصفية حسابات شخصية؛ لأنك استأت من إنسانٍ معين لاعتبارات شخصية، أو اعتبارات أخرى، ثم قمت بالتصيد لأخطائه، بالتصيد لأدائه العملي، بالتصيد لجانب القصور لديه؛ لتوظفها سلباً في مهاجمته، في الانتقاد السلبي، هناك فرقٌ كبير بين الانتقاد البنَّاء والتواصي بالحق، بكيفيته الصحيحة والمسؤولة، والتي يجب أن تكون في جوٍ من الأخوة والنصح الصادق، ومراعاة الكرامة والأخوة، وبين عملية التجريح والتهجم، واستغلال الأخطاء للتهجم بها والتشنيع بها، هذا ليس تواصياً، هذا يتحول إلى حالة حرب إعلامية، أو حرب بالمناكفات الإعلامية، أو تجريح أو تشويه… أو نحو ذلك، هذا ليس هو الأسلوب الصحيح..
البعض من الناس مثلاً قد يكون مفرطاً في المواقف الحق، في المواقف الكبيرة والمهمة، معرضاً بالكامل عن المسؤوليات الحق المهمة جدًّا، ثم يبقى في جوٍ من الفراغ يتصيد أخطاء الآخرين، ثم يأتي ليتكلم بكل شدة وبكل جرأة، قد يكون مطمئناً إليهم، قد يكون مطمئناً إلى أنهم سيحترمونه، أو يعتبرون له قدره أو منزلته، أو احترامه، ثم يكون جريئاً عليهم في الوقت الذي هو ذليل خانع جبان أمام المواقف المهمة والمسؤوليات الكبيرة في مواجهة الأعداء الحقيقيين للأمة، تحول إلى أخرس، قلمه لا يكتب ولسانه لا ينطق، أبكم، ليس له موقفٌ مستمر، إذا كانت له مواقف ففي النادر، لكنه عملياً ليس في موقفٍ مستمر وفاعلٍ ونشطٍ وجاد ومسؤول في ذلك الحق المهم، في ذلك الموقف المهم، في تلك القضية الكبيرة..
فالتواصي بالحق ليس عبارة عن تصيدٍ للأخطاء من الجامدين المفرطين المهملين، أو الذين يشتغلون على تصفية الحسابات الشخصية، لا، إنما ينطلق من واقعٍ مسؤول، وبروحٍ أخوية، وبمسؤوليةٍ تامة، وبنصحٍ صادق، وبجد، وبدافعٍ إيمانيٍ خالص، هذا هو التواصي بالحق ممن يوصي وهو يتحرك، وهو ينطلق، وهو يلتزم، وهو جاد، مثل هذا يجب التفاهم معه، التقبل لنصحه، عندما يوصي بالحق فعلاً ليس هو غالط فيما يطرحه، أو مشتبه في قضية لا حقيقة لها، هنا تأتي عملية التواصي بالحق التي يجب أن تكون قائمة، ومن يغضب منها ويأنف منها ويستكبر منها؛ فهو مستكبر..
أولياء الله مهما بلغت مرتبتهم الإيمانية لا يأنفون أبداً من التواصي بالحق، مهما كان دورهم العملي، لا يغضبون من أن يوصيهم أحدٌ بالحق، لا يأنفون ولا يستكبرون من أن يقال لهم الحق، ومن أن تقدم إليهم كلمة الحق، أيٍا كانت: ملاحظةً على تقصيرٍ معين، تبييناً لموقفٍ معين، تنبيهاً لخطأٍ في سلوكٍ معين… أو أياً كانت؛ فلا بد من التواصي بالحق في المواقف الكبيرة والمسؤوليات المهمة، وفي القضايا بمختلفها، وفي الأداء العملي والالتزام العملي، وفي السلوك، التواصي بالحق أساسيٌ في السلامة من هذا الخسران الذي أقسم الله عليه، إذا غاب التواصي بالحق، وحل بدلاً عنه الصمت والسكوت والجمود؛ حصل الفتور والملل، وقلَّ النشاط، وكان لذلك تأثيرات سلبية، وإذا غاب التواصي بالحق أمام الالتزامات العملية وفي السلوك والأداء العملي، وحلت محله المجاملة والمداهنة السلبية، حينها تتعاظم الانحرافات، ويكثر الخطأ، ويكبر الانحراف، وتكثر الإشكاليات، ويترتب على ذلك المفاسد الكبيرة، ويغيب الحق شيئاً فشيئاً، تتسع المساحة التي يغيب عنها الحق في السلوك، في الالتزام العملي، في التصرف، في القضايا، فالتواصي بالحق لا بدَّ منه، وبكيفيته التي أشرنا إليها..
{وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، تختم السورة بهذا العنصر الأساس من هذه العناصر الأربعة المترابطة: التواصي بالصبر، في المواقف المهمة والمسؤوليات الكبيرة، وفي القضايا، وفي كثيرٍ من الأمور، حتى على مستوى الالتزام العملي، قد تأتي أحياناً بعض المشاكل، بعض الصعوبات، بعض المتاعب، وعادةً في واقع الحياة ما من عملٍ مهم إلا ونحتاج فيه إلى الصبر، هذه مسألة معروفة لدى كل الذين يتحركون في هذه الحياة، يعرفها الفلاح وهو يشتغل يعمل بين مزارعه أنه لا بدَّ من الصبر، يدرك أن ذلك المجهود العملي هو مهم، هو ضروري ومثمر، له نتيجة، ويوطن نفسه على الصبر، ولا تلمس منه أنه يشتكي يوماً بعد يوم على كل تعبٍ عانى منه في ذلك الجهد، لا، يعرفها التاجر، يعرفها العامل… يعرفها الناس في شؤون حياتهم وأعمالهم المتنوعة في هذه الحياة، قضية اعتيادية في كثيرٍ من الأعمال، أصبح الصبر قضيةً اعتياديةً في كثيرٍ من الأعمال والأنشطة في هذه الحياة، الناس يتعودون عليها الرجال والنساء، يتعودون على الصبر في كثيرٍ من الأعمال، حتى يصبح مسألة اعتيادية”.
* السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
من محاضرة شهر رمضان الكريم الحادية عشرة للعام 1441هـ 04 – 05 – 2020م.